رفع الملامة في بيان من لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم يوم القيامة
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70- 71].
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كلِّ قولٍ وعملٍ يقرِّب إلى النار، اللهم آمين.
اللهمّ اجعل مجيئنا إلى هذا المسجد واجتماعنا فيه اجتماعا مرحوما، واجعل تفرُّقنا من بعده تفرُّقا معصوما، ولا تجعل فينا ولا منَّا ولا بيننا شقيًّا ولا محروما، اللهمّ آمين.
والمحروم يوم القيامة من حُرِم نظر الله، ومن حُرم كلام الله، من حُجب عن الله سبحانه وتعالى هو المحروم، نسأل الله سبحانه وتعالى السلامة.
لذلك؛ من يرى الله جل جلاله يومَ القيامة ناجٍ، ومن يكلِّمه ربُّه فائز، ومن زكَّاه الله وطهره من ذنوبه فهو رابح.
ومن احتجبَ عنه ربُّه سبحانه فهو معذَّب، ومن قاطعه فلم يكلمْه خالقُه فهو محروم، ومن لم يزكِّه ويطهره من ذنوبه فهو الخاسر.
فمن هم الخاسرون المحرومون من كلام الله لهم، وتزكيته ونظره إليهم؟
إنهم الذين كتموا العلوم َالنافعةَ التي يحتاج إليها الناس، خصوصًا علومَ الدين الصافيةَ، وأحكامَ الشريعةِ النقيَّةَ، ولا يبثُّونها للناس إلاّ مقابل شيء من حطام الدنيا فقد قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ [البقرة: 174- 175].
إنه... وعيد شديد لهؤلاء الذين كتموا ما أنزل الله على رسله، من العلم الذي أخذ الله الميثاق على أهله، أن يبيِّنوه للناس ولا يكتموه، فمن تعوَّض عنه بالحطام الدنيوي، ونبذَ أمرَ الله، فأولئك عليهم أربعُ عقوبات:
1- ﴿ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ ﴾ [البقرة: 174]؛ لأن هذا الثمن الذي اكتسبوه في الدنيا، إنما حصل لهم بأقبح المكاسب، وأعظم المحرمات، فكان جزاؤهم من جنس عملهم.
2- ﴿ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [البقرة: 174]؛ بل قد سَخِط عليهم وأعرض عنهم، فهذا أعظمُ عليهم من عذاب النار.
3- ﴿ وَلَا يُزَكِّيهِمْ ﴾ [البقرة: 174]؛ أي: لا يطهِّرهم من الأخلاق الرذيلة، وليس لهم أعمال تصلح للمدح والرضا والجزاء عليها، وإنما لم يزكِّهم سبحانه؛ لأنهم فعلوا أسباب عدم التزكية التي أعظم أسبابها العمل بكتاب الله، والاهتداء به، والدعوة إليه.
4- ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾؛ فهؤلاء نبذوا كتاب الله، وأعرضوا عنه، واختاروا الضلالة على الهدى، والعذاب على المغفرة، فهؤلاء لا يصلح لهم إلا النار، فكيف يصبرون عليها، وأنى لهم الجَلَدُ عليها[1]؟
أمَّا من استخفّ بالله العظيم، وتهاون باسم المنتقم الجبَّار جلَّ جلاله! فحلف بالله كاذبا؛ من أجل أن يروِّجَ بضاعةً أو سلعةً، ولينالَ من الدنيا حظًّا فانيا، فعليه خمس عقوبات، قال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 77].
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾ [آل عمران: 77]، ويدخل في ذلك كُلُّ من أخذَ شيئا من الدنيا في مقابَلةِ ما تركَه من حقِّ الله أو حقِّ عباده، وكذلك من حلف على يمين يقتطع بها مالَ معصومٍ من الناس، فهو داخل في هذه الآية، والعقوباتُ الخمسُ هي:
1-﴿ أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ﴾ [آل عمران: 77]؛ أي: لا حظَّ ولا نصيبَ لهم من الخير.
2-﴿ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 174]؛ يوم القيامة غضبًا عليهم وسَخَطًا؛ لتقديمهم هوى أنفسهم على رضا ربهم.
3- ﴿ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: 77]؛ نظر رحمة أو مغفرة.
4- ﴿ وَلَا يُزَكِّيهِمْ ﴾ [البقرة: 174]؛ أي: لا يطهِّرهم من ذنوبهم، ولا يزيل عنهم عيوبهم.
5- ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 174]؛ موجعٌ للقلوبِ والأبدان، وهو عذابُ السخط والحجاب، وعذابُ جهنم، نسأل الله العافية[2].
ومن هؤلاء المحجوبون عن الله عزَّ وجل المختالون المتكبرون على خلق الله، وهم من طوَّلوا ثيابَّهم اختيالا، وجرُّوا ملابسَّهم تكبُّرا، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ اللهَ عز وجل لَا يَنْظُرُ إِلَى مُسْبِلِ الْإِزَارِ")[3].
وفي رواية؛ عَنْ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم آخِذًا بِحُجْزَةِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي سَهْلٍ)، الحُجْزَة: مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيل. [4] - وَهُوَ يَقُولُ صلى الله عليه وسلم: ("يَا سُفْيَانُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ، لَا تُسْبِلْ إِزَارَكَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُسْبِلِينَ")[5].
والمنَّان - أيضا - بما يعطي، يتصدق ويمن على الناس، فـعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ، وَلَا عَاقٌّ، وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ". [6]، فالمنان من يذكُر ما أعطاه وتصدق به ولو لواحد، يقال: (الـمِنَّةُ تَهدِم الصَنيعة)[7].
كذلك - ومن لا يبيع ولا يشتري إلا بيمين كاذبة، هذا قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عجيب، وهو الحلف بالله كاذبا، إنه ما أجلَّ اللهَ جلَّ جلاله، ولا عرفَ عظمة الله سبحانه، استمعوا إلى هذا الحديث العجيب، لقد ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ أَذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ دِيكٍ؛ قَدْ مَرَقَتْ رِجْلَاهُ الْأَرْضَ، وعُنُقُهُ مُنْثَنٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَهو يَقُولُ: سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَكَ رَبَّنَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ: لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ حَلَفَ بِي كَاذِبًا"[8].
("إِنَّ اللهَ أَذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ دِيكٍ) أَيْ: أذن لي أن أحدث عن عظمة جُثَّة ديك من خَلْق الله تعالى، يعني: عن ملك في صورة ديك، وليس بديك حقيقة...
(قَدْ مَرَقَتْ رِجْلَاهُ الْأَرْضَ)، أَيْ: وصلتا إليها، وخرقتاها من جانبها الآخر.
(وعُنُقُهُ مُنْثَنٍ تَحْتَ الْعَرْشِ)، أي تحت عرش الإله سبحانه (وَهو يَقُولُ: سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَكَ رَبَّنَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ) الله جل جلاله: (لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ) أَيْ: لا يعلمُ عظمةَ سلطاني وسطوةَ انتقامي (مَنْ حَلَفَ بِي كَاذِبًا")[9].
الديك يعلم وهذا الذي يحلف بالله كاذبا لا يعرف مدى عظمة الله.
وجمع هذه الصفات الثلاثة؛ المسبل والمنان والذي يحلف بالله كاذبا جمعها حديثُ أَبِي ذَرٍّ، رضي الله -تعالى- عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِرَارًا، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: (خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟!) قَالَ: "الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ"[10].
[(ثلاثة) من الناس (لا يكلمهم الله) تكليم رضا عنهم، أو كلاما يسرّهم، أو لا يرسل لهم الملائكةَ بالتحية، و -لا يرسل لهم- ملائكة الرحمة.
ولما كان لكثرة الجمع مدخل عظيم -يكون على جمع من الناس، ومرأى ومسمع منهم قال:- في مشقة الخزي قال: (يوم القيامة)، -أي أن هذه الفضائح تكون يوم القيامة- الذي من افتضح في جمعه لم يفُز، (ولا ينظر إليهم) نظر رحمة وعطف ولطف، (ولا يزكيهم)؛ -ولا- يطهرهم من الذنوب، أو لا يثني عليهم، (ولهم عذاب أليم) مؤلم موجع، يعرفون به ما جهلوا من عظمته، واجترحوا من مخالفته -سبحانه-، وكرَّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، فقال أبو ذر: (خابوا وخسروا! من هم يا رسول الله؟!) قال:
(المسبل إزاره)؛ - وهو الذي يرخي ثوبه خلفه كالطاووس، متكبِّرا مختالا على عباد الله - أي المرخي له، الجارُّ طرفيه خيلاء، وخَصَّ الإزار؛ لأنه عامَّةُ لباسهم، فلغيره من نحو قميص حكمه، -أي الذي يطيل ثوبه خيلاء.
(والمنان الذي لا يعطي) غيره (شيئا إلا مَنَّهُ)؛ [11] أي اعتدّ - وامتنَّ - به على من أعطاه، أو المراد بالمنِّ النقصُ من الحق، والخيانةُ من نحو كيل ووزن ومنه: ﴿ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ [القلم: 3]؛أي منقوص.
(والمنفِّق سلعته) بشد الفاء؛ أي الذي يروِّج بيع متاعه (بالحلِف) بكسر اللام وسكونها (الكاذب) أي الفاجر، -نسأل الله السلامة.
قال الطيبي: جمع الثلاثة في قرن؛ لأن المسبلَ إزارَه هو المتكبِّر المرتفعُ بنفسه على الناس ويحتقرهم.
والمنَّان؛ إنَّما مَنَّ بعطائه لِما رأى من علوِّه على المعطَى له.
والحالف البائع يراعي غبطة نفسه، وهضمِ صاحبِ الحقّ، والحاصل من المجموع احتقار الغير، وإيثار نفسه، ولذلك يجازيه الله باحتقاره له، وعدم التفاته إليه، كما لوح به؛ لا يكلمهم الله...][12].
ومن المحرومين من كلام الجبّار جلّ جلاله، ونظرِه إليهم، وتزكيتِه لهم سبحانه؛من يمنع فضل الماء عمَّن احتاج إليه، وهو الماء الزائد عن الحاجة، وهذا يكون في أصحاب الآبار وأصحاب المياه، الذين يمنعون ما زاد أن يشرب منه ابنُ السبيل أو الحيوان ونحو ذلك،عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ، وَلَا يُمْنَعُ نَقْعُ الْبِئْرِ". [13]، و(نَقْعُ الْبِئْرِ، يَعْنِي فَضْلَ الْمَاءِ)[14].
فلا يمنع هذا يا عباد الله.
وكذلك أمر آخر من الذين لن يروا الله سبحانه وتعالى، والله يحرمهم من كلامه ومن رؤيته؛ مبايعةُ الإمام والملك والرئيس، والخليفة والأمير وانتخابُه، وتأييدُه من أجل الدنيا، فإن أعطاه وفَى له، وإلاّ؛ خانه وخرج عليه، وأثار الفتن في البلاد، وسعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل،ورد في صحيح مسلمعن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل قال فيه عليه الصلاة والسلام: ("وَمَنْ بَايَعَ") -وانتخب واختار- ("إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، ...")، فإن وجدت من إمامك معصيةً أو مخالفة؛ فقد قال عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما في نهاية الحديث:... فـ(أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ)[15].
وهؤلاء المحرومون من نظر الله وتزكيته مصداق ذلك ما ثبت عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ("ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ، فَمَنَعَهُ مِنَ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لاَ يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ، وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ العَصْرِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ أَعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ"). ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾ [آل عمران: 77] [16].
وكلمة ("يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ") فإذا كان الحيوان لا يمنع من الماء، فكيف يمنع إنسان؟! و-لَا شَكَّ فِي غِلَظِ تَحْرِيمِ مَا فَعَلَ، وَشِدَّةِ قُبْحِهِ، فَإِذَا كَانَ مَنْ يَمْنَعُ الْمَاشِيَةَ فَضْلَ الْمَاءِ عَاصِيًا، فَكَيْفَ بِمَنْ يَمْنَعُهُ الْآدَمِيَّ الْمُحْتَرَم؟
أمَّا إن كَانَ -الآدمي هذا غير محترم- اِبْنُ السَّبِيلِ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ، كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ، لَمْ يَجِبْ بَذْلُ الْمَاءِ لَهُما[17].
الحربيّ هذا الذي يقاتل المسلمين فيه لا تقدم له الماء، لذلك هذا الرجل الذي منع الماء يأتي يوم القيامة،- ("فَيَقُولُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ").
يتبع