فوائد من مصنفات العلامة ابن عثيمين (1)
مدرسة العلم والعمل
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
تراجع الشيخ عن رأيه في بعض المسائل:
قال الشيخ رحمه الله: الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل, وقال: متى تبين للإنسان ضعف ما كان عليه من الرأي, وأن الصواب في غيره, وجب عليه الرجوع عن رأيه الأول إلى ما يراه صواباً بمقتضي الدليل الصحيح
وقد عمل الشيخ رحمه الله بما ذكره, فقال رحمه الله: الذي يُحقن به الدم وهو صائم, فهل يفطر أو لا يفطر كرجل حصل عليه حادث ونزف الدم منه ؟
الجواب: كنت أرى في الأول أنه يفطر, وأقول: إذا كان الطعام والشراب مفطراً, فإن الطعام والشراب يتحول إلى دم, فهذا لبابة الطعام والشراب وخلاصته, إذن يفطر, ثم بدا لي أنه لا يفطر, لأنه وإن أعطى البدن قوة لكنه لا يغنيه عن الطعام والشراب, وليس من حقنا أن نُلحق فرعاً بأصل لا يساويه, فتبن لي أخيراً أنه لا يفطر.
والشيخ رحمه الله كان يرى جواز مس القرآن من المحدث ثم تراجع عن ذلك, قال الشيخ قال داود الظاهري وبعض أهل العلم لا يحرم على المحدث أن يمس المصحف...وكنت في هذه المسألة أميل إلى قول الظاهرية, لكن لما تأملت قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يمسُّ القرآن إلا طاهر)..تبين أنه لا يجوز أن يمسَّ القرآن من كان محدثاً حدثاً أصغر أو أكبر.. فالذي تقرر عندي أخيراً: أنه لا يجوز مس المصحف إلا بوضوء.
وقال الشيخ رحمه الله عن جلسة الاستراحة في الصلاة: نقول هي سنة في حق من يحتاج إليها لكبر أو مرض أو غير ذلك, وكنتُ أميل إلى أنها مستحبة على الإطلاق وأن الإنسان ينبغي أن يجلس...ولكن تبين لي بعد التأمل الطويل أن هذا هو القول المفصل قول وسط, وأنه أرجح من القول بالاستحباب مطلقاً.
نصيحة الشيخ لمخالفه بأدب:
قال الشيخ رحمه الله: إذا رأيت من أخيك شيئاً تنتقده فيه في عباداته أو في أخلاقه أو في معاملاته, فعليك بنصيحته, فهذه من واجبه عليك, وتنصحه فيما بينك وبينه مشافهة أو مكاتبة.
وقد عمل الشيخ رحمه الله بما ذكره, فقد كتب إلى أحد إخوانه فقال:
من محمد العثيمين إلى أخيه المكرم الشيخ..حفظه الله تعالى وهدانا وإياه صراطه المستقيم وجعلنا جميعا هداة مهتدين وصالحين مصلحين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فبناء على ما أوجب الله علينا من النصيحة لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم, وعلى ما تقتضيه الأخوة الإيمانية من المودة والمحبة في الله ولله, فإني أبين لكم ما لاحظته في مقالات نشرت لكم في مجلة... العدد...
فضيلتكم صرح في.... ذكر فضيلتكم ص... وأما قول فضيلتكم...
فنسأل الله تعالى...أن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين, وقادة الخير المصلحين, وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا, وأن يهب لنا منه رحمه إنه هو الوهاب.
وقال رحمه الله: من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم.. وفقه الله تعالى...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد عرض علي أكثر من واحد ما كتبتم في الصفحة السادسة من صحيفة...الصادرة يوم السبت الموافق 22/ 12/ 1402هـ حول كسوف الشمس...وقد آثرت أن أكتب إليكم ليكون التعقيب على ما كتبتم من قبلكم, وأسأل الله تعالى أن يوفقنا لصواب العقيدة, والقول, والعمل, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تورع الشيخ من القول بقول لم يقل به أحد من قبله:
قال الشيخ رحمه الله: لا تهمل كلام العلماء, ولا تغفل عنه, لأن العلماء أشد رسوخاً منك في العلم, وعندهم قواعد الشريعة وأسرارها وضوابطها ما ليس عندك, ولهذا كان العلماء الأجلاء المحققون إذا ترجح عندهم قول, يقولون: إن كان أحد قال به وإلا فلا نقول به
وقد عمل الشيخ بما ذكره, فقد سئل إذا نزع الإنسان الشراب وهو على وضوء ثم أعادها قبل أن ينتقض وضوءه فهل يجوز له المسح عليها ؟ فأجاب رحمه الله: إذا نزع الشراب ثم أعادها وهو على وضوئه فلا يخلو من حالين:
الأولى: أن يكون هذا الوضوء هو الأول, أي إنه لم ينتقض وضوءه بعد لبسه فلا حرج عليه أن يعيدها ويمسح عليها إذا توضأ.
الحال الثانية: إذا كان هذا الوضوء وضوءاً مسح فيه على شرابه, فإنه لا يجوز له إذا خلعها أن يلبسها ويمسح عليها, لأنه لا بد أن يكون لبسهما على طهارة بالماء, وهذه طهارة بالمسح, هذا ما يعلم من كلام أهل العلم, ولكن إن كان أحد قال بأنه إذا أعادها على طهارة ولو طهارة المسح, له أن يمسح ما دامت المدة باقية, فإن هذا قول قوي, ولكني لم أعلم أن أحداً قال به, فإن كان قال به أحد من أهل العلم فهو الصواب عندي, لأن طهارة المسح طهارة كاملة, فينبغي أن يُقال إنه إذا كان يمسح على ما لبسه على طهارة غسل فليمسح على ما لبسه على طهارة مسح, لكنني ما رأيت أحداً قال بهذا.والله أعلم
أمثلة لتواضع الشيخ وعدم إعجابه بعلمه:
قال الشيخ رحمه الله: إن على طالب العلم أن يكون متأدباً بالتواضع وعدم الإعجاب بالنفس وأن يعرف قدر نفسه.
ومن أمثلة عمل الشيخ رحمه الله بما ذكره ما يلي:
قال الشيخ رحمه الله في رسالته " حول الصعود إلى القمر ": أحببت أن أكتب ما حررته هنا على حسب ما فهمته بفهمي القاصر وعلمي المحدود.
وقال رحمه الله في " مسألة التصوير بالآلة الفورية ": هذا خلاصة رأي في المسالة, فإن كان صواباً فمن الله وهو المنّ به وإن خطأ فمن قصوري أو تقصيري.
وقال رحمه الله: هل من أسماء الله الجليل ؟ بحثتُ فلم أجد شيئاً, ولكن فوق كُلِّ ذي علم عليم.
وقال الشيخ رحمه الله: الغالب حسب علمي مع قصوري, أن شيخ الإسلام رحمه الله دائماً موفق للصواب, فغالب من يختار هو الصواب.
وقال رحمه الله: أرجو من إخواني إذا عثروا على دليل ممن قوله أو فعله حجة في التفريق بين التكبير أن يدلوني عليه, فإني لهم عليه شاكر وله منقاد إن شاء الله
وقال رحمة الله في رسالة له إلى إخوانه حول دعاء ختم القرآن: وبعد, فهذا ما انتهى علمنا إليه في هذه المسألة الآن, ولا تزال تحت البحث والتحقيق, فنرجو إذا وجدتم زيادة علم أن تخبرونا به.
وقال رحمه الله: تقبيل الحجر ليس بسنة إلا في الطواف, لأني لا أعلم أن استلامه مستقلاً عن الطواف من السنة, وأنا أقول في هذا المكان-المسجد الحرام- لا أعلم, وأرجو ممن عنده علم خلاف ما أعلم أن يبلغنا به, وجزاه الله خيراً.
وقال الشيخ رحمه الله: وبهذا انتهى الكلام على صفة الحج والعمرة, واعلم أن كل ما ذكرناه فإنه مبنى على ما نعلمه من الأدلة, ومع هذا لو أن إنساناً اطلع على دليل يخالف ما قررناه فالواجب إتباع الدليل, لكن هذا جهد المقل, نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا.
قال الشيخ رحمه الله: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم, ولا عن خلفائه الراشدين, ولا عن الصحابة فيما أعلم, ولا عن الأئمة وأتباعهم التفريق بين تكبيرات الانتقال.
عدم إلزام الشيخ الآخرين برأيه في المسائل الاجتهادية:
قال الشيخ رحمه الله: طالب العلم لا بد له من التأدب بآداب, نذكر منها: أن يكون صدره رحباً في مواطن الخلاف الذي مصدره الاجتهاد, لأن مسائل الخلاف بين العلماء, إما أن تكون مما لا مجال للاجتهاد فيه, ويكون الأمر فيها واضحاً, فهذه لا يعذر أحد بمخالفتها, وإما أن تكون مما للاجتهاد فيها مجال فهذه يعذر فيها من خالفه.
وقد عمل الشيخ رحمه الله بما ذكره, فقد سئل عن حكم التبرع بالأعضاء ؟
فأجاب رحمه الله: هذه المسألة صدر فيها فتوى من هيئة كبار العلماء بأنها جائزة, أما أنا فلا أرى الجواز....ومع ذلك فإني أرى أن من أخذ بقول الجماعة فلا حرج عليه, لأن المسألة مسألة اجتهاد, ومسائل الاجتهاد لا إلزام فيها, لكن نظراً لأنه لا يحل لي كتمان العلم الذي أعلمه من شريعة الله بينته هنا, وإلا كان يسعني أن أقول قد صار بها فتوى فمن أرادها فليرجع إليها, لكن نظر إلى العلم أمانة, وأن الإنسان لا يدري ما يواجه به الله عز وجل فإنه لا بد أن أبين ما عندي, وأسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم لما اختلف فيه من الحق بإذنه.
تقيد الشيخ للفوائد المهمة:
قال الشيخ رحمه الله: كم من فائدة تمُرُّ بالإنسان فيقول: هذه مسألة سهلة لا تحتاج إلى قيد, ثم بعد مدة وجيزةٍ يتذكرها ولا يجدها, لذلك احرص على اقتناص الفوائد التي يندر وقوعها, أو التي يتجدد وقوعها...فكم من مسألة نادرة مهمة تمرُّ بالإنسان فلا يقيدها اعتماداً على أنه لن ينساها, فإذا به ينساها ويتمنى لو كتبها, وقال رحمه الله في: ابن القيم رحمه الله كتابه ( بدائع الفوائد)..على اسمه, فيه من الفوائد شيء كثير, لا تكاد تجده في غيره لكنه يشبه كتاباً لابن الجوزي رحمه الله من بعض الوجوه يسمى "صيد الخاطر " يعنى ما طرأ على خاطره قيده....وهكذا ينبغي لطالب العلم أيضاً إذا عنت له فائدة فريدة يقلُّ وجودها في الكتب, أو يقل وجودها في الواقع أن يقيدها لئلا ينساها
وقال رحمه الله: كم من مسألة مُهمة تمرُّ بالإنسان فلا يُقيدها اعتماداً على أنه لن ينساها, فإذا به ينساها ويتمنى لو كتبها.
وقال رحمه الله: من المهم بالنسبة للطالب أن يعتني بكتابة الأشياء النفسية التي رُبما تغيب عن باله فيما يستقبل, ويعجز عن إدراكها.
وقد عمل الشيخ رحمه الله بما ذكره, فقال: فقد كنت أقيد بعض المسائل الهامة التي تمر بر حرصاً على حفظها, وعدم نسيانها, في دفتر وسميتها " فرائد الفوائد " وقد انتقيت منها ما رأيته أكثر فائدة وأعظم أهمية وسميت ذلك " المنتقى من فرائد الفوائد " أسأل الله تعالى أن ينفع به, وأن يجعل لطلبة العلم فيه أسوة, ومن سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة
ترك الشيخ لهمه بتدوين أخطاء المفتين خشية أن يكون ذلك ممن تتبع عوراتهم:
قال الشيخ رحمه الله: بعض الناس يتتبع أخطاء الآخرين, ليتخذ منها ما ليس لائقاً في حقهم, ويشوش على الناس سمعتهم, وهذا من أكبر الأخطاء.
وقد عمل الشيخ بما ذكره, فقد قال: صارت المسألة فوضى, صار كل إنسان يفتى, أحياناً تأتى الفتاوى تبكي وتضحك, وكنتُ أهمُّ أن أدون مثل هذه الفتاوى ولكن كنت أخشى أن أكون ممن تتبع عورات إخوانه فتركته تحاشياً مني, وإلا لنقلنا أشياء بعيدة عن الصوب, بعد الثريا عن الثرى.
ترك الشيخ لسنة الصلاة في النعلين بالمسجد لترتب مفسدة عليها:
قال الشيخ رحمه الله: فعل السنن إذا ترتب عليه مفسدة صار تركها أفضل.
وقد عمل الشيخ بما ذكره, فقد قال: الصلاة في النعلين سنة, لأن النبي صلى اله عليه وسلم كان يصلى في نعليه, وكان الصحابة يصلون في نعالهم...وكنتُ أرى أن هذا من السنة وأفعله, وبقيت سنوات أفعله _ أي أصلى في النعلين _ فبدأ الناس إذا دخلوا المسجد يمشون بالنعال, وإذا وصلوا الصف خلعوها, فأتوا بالمفسدة وتركوا السنة, فرأيت أن العدول عن هذا أولى, وخصوصاً بعد أن فُرشت المساجد بهذه الفرش, وكانت بالأول مفروشة بالرمل.
كتب الشيخ رحمه الله، التي تم الاستفادة منها في هذا المبحث:
الشرح الممتع على زاد المستقنع
مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ/ جمع وترتيب الشيخ فهد السليمان
فتاوى في الطهارة والصلاة
فتاوى في الصلاة والجنائز
فتاوى في الزكاة والصيام
فتاوى في الحج والعمرة
أحكام من القرآن الكريم
فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام
شرح رياض الصالحين
شرح الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية
شرح حلية طالب العلم
التعليق على مقدمة المجموع
المنتقى من فرائد الفوائد