عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 21-01-2021, 04:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,091
الدولة : Egypt
افتراضي إتحاف الأصحاب والأتباع بأن الأجر والثواب في الاتباع لا في الابتداع

إتحاف الأصحاب والأتباع بأن الأجر والثواب في الاتباع لا في الابتداع
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد




إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70- 71].

أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كلِّ قولٍ وعملٍ يقرِّب إلى النار، اللهم آمين.
قال سبحانه: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾[آل عمران: 32].

فإن أردتم الرحمة - يا عباد الله - فعليكم بالطاعة لله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال سبحانه: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران: 132]، والرحمة أيضا تأتي بالعمل، قال سبحانه: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النور: 56].

فيا أيها المسلمون! إن أردتم الأجر والثواب فعليكم بالاتباع لا الاختراع في العبادة والابتداع، عليكم بما جاء عن نبيكم صلى الله عليه وسلم تفلحوا، عَنْ أَبي نَجِيحٍ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: (وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ)، فَقَالَ رَجُلٌ: (إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟!) قَالَ: ("أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه،ِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ")، -أي السمع والطاعة لولي الأمر في غير معصية- ("وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، -أي ولي الأمر هذا ولو كان عبدا حبشيا فاسمع وأطع- ("فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ؛ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ")[1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: 59].

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله تعالى عنه - عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»[2].

إن أردنا القوة، إن أردنا العزة، إن أردنا الكرامة، إن أردنا النصر والتمكين، إن أردنا هذا وغيره من العلو والرفعة فعلينا بطاعة الله جل جلاله، وطاعةِ رسوله صلى الله عليه وسلم، والاعتصام بالجماعة وعدم التفرق، قال سبحانه: ﴿ وأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 46].

أيها المسلمون! لا تشددوا على أنفسكم في الطاعات، ولا تشددوا على أنفسكم في العبادات، ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾[البقرة: 185]، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله تعالى عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ". [3]، ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾[الطلاق: 7].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ[محمد: 33]، لا تبطلوها بما يفسدها، اجعلوها خالصة لوجه الله عز وجل، صوابا على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومحبة الله لعبده وإن ادعاها فلا تنال إلا بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران: 31].

إن نبينا ورسولنا محمدا صلى الله عليه وسلم، ما ترك بابا من أبواب الخير إلا دلنا عليه، ولا بابا من أبواب الشر إلا وحذرنا منه، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: (تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا طَائِرٌ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا عِنْدَنَا مِنْهُ عِلْمٌ). [4]، لذلك مادامت عندنا هذه العلوم الجمة؛ فنحن في غنىً عن أفكار الشرق ومناهج الغرب، وحلول المفكرين، وآراء المستشرقين والمستغربين، فكلُّه قائم على الرأي والظنّ، وما عند الله قائم على اليقين، قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ[الأنعام: 116- 117].

لذا حذر رب العزة سبحانه من مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم، وقال جلّ من قائل: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63]، المخالفون لأمره صلى الله عليه وسلم معرضون للفتن والعذاب الأليم.

إن الذي يخالفون أمره صلى الله عليه وسلم هؤلاء يرفضون دخول الجنة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَنْ يَأْبَى؟!) -أي من يرفض دخول الجنة؟- قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى»[5].

إن الكافرين العاصين لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم يتمنَّون يوم القيامة لو أنه خسفت الأرض من تحت أقدامهم، ﴿ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء: 42].

والمخالفون لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين على نوعين، منهم من خالفه خلاف معصية وذنب وخطيئة، ومنهم من خالفه خلاف هوى وابتداعٍ واختراع، وخطر الخلاف الثاني أشد من الخلاف الأول.
فالأول: هو العاصي ويعلم أنه عاص، فيستغفر من ذنبه، ويتوب من معصيته، ويؤوب عن خطيئته.

بينما الثاني: يرى أنه على صواب في هواه، ويتقرب إلى الله في ابتداعه، ويرى أنه أفضل من غيره في اختراعه، فكيف يتوب من صوابه وتقربه وأفضليته.

فيخترعون عبادة، فإذا أرشدهم مرشد بعدم شرعيتها سألوه هذا السؤال: هل عبادة الله حرام؟ وهل ذكر الله ممنوع؟

الجواب عن ذلك ما ورد عن السلف، فقد [روى البيهقي بسند صحيح عن سعيد بن المسيب -رحمه الله-؛ (أنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين، -والمطلوب منا أربع ركعات بعد طلوع الفجر، ركعتان سنة وركعتان فريضة، فرآه يصلي أكثر من ذلك، قال:- يكثر فيها الركوع والسجود، فنهاه)، فقال: (يا أبا محمد!) -كنية سعيد- (أيعذبني الله على الصلاة؟!) قال: (لَا! ولكن يعذبك على خلاف السنة)]، شيء وضعتَه في غير موضعه على هذا تعذب وبهذا تكون المخالفة.

وهذه بعض الأمثلة لبيان ذلك:
نهينا - يا عباد الله - عن تخصيص ليلة الجمعة بالقيام، وعن يومِها بالصيام، فخولف هذا النهي بأعذار واهية، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ("لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ")، (فَإِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ، فلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ")، ("إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ")، وفي رواية: (إلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا")[6].

وَعَنْ قَيْسِ بْنِ سَكَنٍ قَالَ: (مَرَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ رضي الله) -تعالى- (عنه عَلَى أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهُمْ صِيَامٌ)، فَقَالَ: (أَقْسَمْت عَلَيْكُمْ لِتَفْطُرُنَّ، فَإِنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ)[7].


ونهينا عن الصلاة وأمامنا قبر من القبور، فخالف من خالف وبنوا على بعض القبور مبانيَ وجعلوا أضرحةً يحجُّ الناس إليها ويصلون فيها، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("لَا تُصَلُّوا إِلَى قَبْرٍ")، - أي لا تجعلوه في قبلتكم - ("وَلَا تُصَلُّوا عَلَى قَبْرٍ")[8].

نهينا عن التطوع بعد أذان الفجر غير سنة الفجر والفريضة، فما حلا لبعضهم التطوع إلا بعد الفجر، تاركين قيام الليل، عَنْ يَسَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: (رَآنِي ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما وَأَنَا أُصَلِّي بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ)، فَقَالَ: (يَا يَسَارُ! إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ)، فَقَالَ: ("لِيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ، لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الْفَجْرِ إِلَّا سَجْدَتَيْنِ")[9].

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فلَا صّلَاةَ إِلَّا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ")[10].

من السنة صلاة بعض السنن في البيوت، فخالف من خالف وجعلها في المساجد، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا")[11].

فالبيت الذي لا يصلى فيه يعتبر قبر من القبور، وفي رواية: ("صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا"). [12]، الفريضة في المسجد، والنافلة البعدية تكون في البيت.

حتى وصلت المخالفة إلى الأمور السهلة الميسورة، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ رضي الله عنه قَالَ: (نَهَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الضَّحِكِ مِنْ الضَّرْطَةِ)، وَقَالَ: ("لِمَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ؟!")[13].

فقد -كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي مَجْلِسٍ، يَضْحَكُونَ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ[14].

وقال النووي: فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الضَّحِكِ مِنْ الضَّرْطَةِ يَسْمَعُهَا مِنْ غَيْرِه، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَغَافَل عَنْهَا، وَيَسْتَمِرَّ عَلَى حَدِيثِهِ وَاشْتِغَالِه بِمَا كَانَ فِيهِ، مِنْ غَيْر اِلْتِفَاتٍ وَلَا غَيْرِه، وَيُظْهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ[15].

ومن الأمور المتيسر تَجَنُّبُها؛ النَّفْخُ وَالتَّنَفُّسُ فِي الطَّعَام والشراب، فقد: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ)[16].

واليوم لا يحلو الحديث بين العائلات والشباب والأصحاب إلا بعد العشاء، مخالفين بذلك هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا)[17].

نهينا عن التَّزَيُّنِ بِالْوَشْر والوشم فخالف من خالف من المسلمين والمسلمات فوشروا أسنانهم، أي بردوها حتى تبدوَ صغيرة، ووشموا على أجسادهم صورا وكلمات شتَّى، عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ الْأَزْدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوَشْرِ وَالْوَشْمِ)[18].

قال العلماء: -(الوشر): تَحْدِيدُ الْأَسْنَانِ، وَتَرْقِيقُ أَطْرَافِهَا، تَفْعَلُهُ الْمَرْأَة -العجوز ونحوها- تَتَشَبَّهُ بِالشَّوَابِّ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ -بعباد الله-، وَتَغْيِيرِ خَلْقِ الله[19].

ونهينا عن زواج البدل دون مهر، امرأة مقابل امرأة بلا صداق، فخالف من خالف ووقع في -هذه- المعصية، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: (نهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الشِّغَارِ)[20].

وَالشِّغَارُ: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: (زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي، أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي)، (بُضْعُ هَذِهِ صَدَاقُ هَذِهِ، وَبُضْعُ هَذِهِ صَدَاقُ هَذِهِ).

(«وَنَهَى") -صلى الله عليه وسلم- ("عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ»). [21]، فخالف بعض رجال هذه الأمة فلبس الذهب.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله -تعالى- عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأمُرُ بِالْبَاءَةِ)، أي -يأمر الشباب- بالزواج، (وَيَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا)، -ينهى عن الانقطاع عن الزواج نهيا شديدا،- وَيَقُولُ: ("تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ")، ("وَلَا تَكُونُوا كَرَهْبَانِيَّةِ النَّصَارَى"). [22]، فخالف كثير من هذه الأمة، فتبتَّلوا وانقطعوا الزواج ودون عذر مقبول.

ونهى عن صَلَاةِ الحاقن: وهو من يحبس بوله، والحاقب: هو من يصلي وهو يدافع الغائط، عَنْ ثَوْبَانَ -رضي الله عنه- مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ("لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ، وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا إِلَّا بِإِذْنِهِمْ")[23].

وثبت أن (رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا)، -بعض الأعداء- (انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا)، قَالَ: («أَيُّهَا النَّاسُ! لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ»)[24].

فبالمخالفة لذلك، تمنَّى بعضنا لقاءهم، فكانت النكبات والدمار، والقتل والتشريد.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.39 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]