عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 22-01-2021, 02:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,167
الدولة : Egypt
افتراضي االله يتجلى ضاحكا

االله يتجلى ضاحكا


د. أحمد إبراهيم خضر


تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا محمَّد وعلى آلِه وصحبِه وسلم.


نعيشُ في هذا الكُتَيِّبِ بعض المشاهد النورانيَّة حينما يَأمُر الله - عزَّ وجلَّ - جبريل - عليه السلامُ - بأنْ يرفع حِجابه ليراه عِباده، فنرى كيف أنْجَزَ الله وعدَه لعباده بالنظَر إلى وجهه الكريم، وكيف يُشرِفُ على أهل الجنَّة بنوره ويُسلِّم عليهم ويتجلى لهم ضاحكًا، وكيف يزداد طيب الجنَّة ما نظَرَ الله إليها، وكيف أنَّ النَّظرة إلى وجه الرحمن تُنسي كلَّ نعيمٍ، ثم نرى أنَّ الله يُجالس ويُحادث أهلَ الجنَّة، ثم يجمع الناس يوم القيامة في صَعِيدٍ واحد، ويأمر كلَّ إنسانٍ بأنْ يتبع ما يَعبُدُ، ثم يطلع على المسلمين ويُثبِّتهم ويعرفهم بنفسه، ثم يمرُّون على الصِّراط بسرعة، وبعد أنْ يدخل أهل الجنَّةِ الجنَّةَ ويدخل أهل النارِ النارَ يُقال لأهل الجنَّة: يا أهل الجنة، خلودٌ ولا موت، ويا أهل النار، خلودٌ ولا موت، ثم يسلك باليهود والنصارى إلى جهنَّم، ثم نعرف أنَّ في الجنَّة سوقًا، وفيه يزورُ الناس الله تعالى، وتُوضَع لهم منابرُ من لؤلؤ وياقوت وذهب، ويجلسُ أدناهم على كثبان المسك والكافور.
الملائكة تحفُّ بسوق الجنَّة، والسحابة تمطر طيبًا، والنساء تلاحظن جمال وطيب أزواجهنَّ بعد أنْ يكونوا قد جالسوا ربهم الجبَّار، ثم ننتقل إلى مشهد يوم الجمعة في الآخِرة وهُبوط الجبَّار من عرشه، ثم ارتفاعه عن كرسيه.
كلُّ هذه المشاهد نجدُها في هذا الكتيب رقم (22) في سلسلة "مختارات من كتاب التراث الإسلامي"، ونحن نُواصِل رحلتنا مع الشيخ ابن القيِّم في كتابه "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" الذي حقَّقه الدكتور "السيد الجميلي"، ونسأله - عزَّ وجلَّ - لذَّة النظَر إلى وجهه والشوق إلى لقائه.


القلوبُ مفطورةٌ على محبِّة الكمال ومَن قامَ به، والله - سبحانه وتعالى - له الكمالُ المطلق من كلِّ وجهٍ، لا نقص فيه بوجهٍ ما، وهو سبحانه الجميلُ الذي لا أجمل منه، بل لو كان جمال الخلق كلِّهم على رجلٍ واحد منهم وكانوا جميعهم بذلك الجمال، لما كان لجمالهم قط نسبة إلى جمالِ الله، بل كانت النِّسبة أقل من نسبة سِراجٍ ضعيف إلى حذاء جرم الشمس؛ ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ﴾ [النحل: 60].
وقد رُوِي عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قولُه: ((إنَّ الله جميلٌ يحبُّ الجمال))؛ (انظر: ابن القيم 420)، ومن أسمائه الحسنى: (الجميل)، ومَن أحقُّ بالجمال ممَّن كلُّ جمالٍ في الوجود من آثار صُنعه، فله جمالُ الذات، وجمال الأوصاف، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء، فأسماؤه كلُّها حُسنى، وصِفاته كلها كمال، وأفعاله كلها جميلة، ولا يستطيع بشرٌ النظَر إلى جلاله وكماله في هذه الدار.
1- لو كشَف الله حجاب نورِه لأحرَقتْ أنوار وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقِه:
جاء في "صحيح البخاري" من حديث أبي موسى - رضِي الله عنه - قال: قام فينا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بخمس كلمات فقال: ((إنَّ الله لا ينامُ، ولا ينبغي له أنْ ينام، يخفضُ القسطَ (العدلَ والميزانَ) ويرفعُه، يُرفَعُ إليه عملُ الليل قبل عمل النهار، وعملُ النهار قبل عملِ الليل، حجابه النورُ لو كشَفَه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصَرُه من خلقه)).
2- دعاء الرسول بنور وجه الله:
دعا النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يوم الطائف: ((أعوذُ بنور وجهك الذي أشْرقَتْ له الظُّلمات وصلح عليه أمرُ الدنيا والآخِرة أنْ يحلَّ عليَّ غضبُك، أو ينزل علي سخطُك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله))؛ (رواه الطبراني في "المعجم الكبير"، "المحقق").
وفي الصحيحين من حديث أبي بكرٍ - رضِي الله عنه - في استفتاح النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قيام الليل: ((اللهمَّ لك الحمدُ أنت نور السَّماوات والأرض ومَن فيهن))، وقال عبدالله ابن مسعود - رضي الله عنه -: نور السَّماوات والأرض من نور وجهه، تفسير لقوله تعالى: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [النور: 35].
3- الله - عزَّ وجلَّ - يُشرِفُ على أهل الجنَّة بنوره ويُسلِّم عليهم:
في "سنن ابن ماجه" قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بَيْنَا أهل الجنَّة في نعيمهم إذ سطَع لهم نورٌ، فرفعوا رؤوسهم فإذا الربُّ قد أشرف عليهم من فوقهم فيقول: السلام عليكم يا أهل الجنَّة، وذلك قوله: ﴿ سَلاَمٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ[يس: 58]، فيرفعون رؤوسهم فينظُرون إليه وينظُر إليهم، ولا يلتفتون إلى شيءٍ من النعيم حتى يحتجب عنهم، فيبقى نوره وبركته عليهم وعلى ديارهم ومنازلهم)).
4- دعاء الرسول بلذَّة النَّظر إلى وجه الله - عزَّ وجلَّ -:
ذكَر الإمام أحمد والنسائي وابن حبان في "صحيحه" أنَّه كان من دعاء النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أسألك لذَّة النظَر إلى وجهك والشَّوْق إلى لقائك)).
5- الله - عزَّ وجلَّ - يُنجز وعدَه لعباده بالنظر إلى وجهه الكريم:
عن عليِّ بن أبي طالبٍ - رضي الله عنه - قال: إنَّ الله إذا أسكن أهل الجنَّةِ الجنَّةَ وأهل النارِ النارَ بعَث إلى أهل الجنَّة الروح الأمين فيقول: يا أهل الجنَّة، إنَّ ربَّكم يُقرِئكم السلام، ويأمُرُكم أنْ تزوروه إلى فناء الجنَّة، وهو أبطح الجنَّة (المكان الفسيح الذي يمرُّ به السيل فيترك الحصى) تربته المسك وحَصباؤه (حَصاه) الدرُّ والياقوت، وشجره الذهب الرطب، وورقُه الزمرد، فيخرُج أهل الجنَّة مستبشِرين مسرورين، فثَمَّ يجمعهم وثَمَّ كرامة الله والنظر إلى وجهه، وهو موعد الله أنجَزَه لهم، فيأذن الله لهم في السَّماع والأكل والشرب، ويُكسَوْن حُلَلَ الكرامة، ثم يُنادي مُنادٍ: يا أولياء الله، هل بقي ممَّا وعدَكُم الله (ربكم) شيء؟ فيقولون: لا، وقد أنجزنا ما وعدنا، فما بقي شيءٌ إلا النظر إلى وجهه، فيتجلَّى لهم الرَّبُّ - تبارك وتعالى - في حُجُبٍ فيقول: يا جبريل، ارفَعْ حجابي لعبادي كي ينظُروا إلى وجهي، قال: فيرفع الحجاب الأوَّل فينظرون إلى نورٍ من نور الرب فيخرُّون له سُجَّدًّا فيُناديهم الرب: يا عبادي، ارفَعُوا رُؤوسكم؛ فإنها ليستْ بدار عملٍ إنما هي دار ثواب، فيرفع الحجاب الثاني فينظرون أمرًا هو أعظم وأجل، فيخرُّون لله حامِدين ساجِدين، فيُناديهم الربُّ: أنِ ارفَعُوا رُؤوسكم؛ إنها ليست بدار عملٍ، إنما هي دار ثواب ونعيم مقيم، فيرفع الحجاب الثالث فعند ذلك ينظُرون إلى وجه ربِّ العالمين فيقولون حين ينظرون إلى وجهه: سُبحانك ما عبدناك حقَّ عبادتك، فيقول: كرامتي أمكنتكم من النظر إلى وجهي وأحلَّتْكم داري، فيأذن الله للجنة: أنْ تكلَّمي، فتقول: طُوبى لمن سكنني، وطُوبى لمن يخلد فِيَّ، وطوبي لمن أُعدِدت له؛ وذلك قوله تعالى: ﴿ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾ [الرعد: 29] وقوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23]، (انظر: ابن القيم ص424).
6- ما بين أهل الجنَّة والنَّظر إلى وجه الله الكريم:
وفي الصحيحين من حديث أبي مُوسى - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((جنَّتان من ذهبٍ آنيتهما وحليتهما وما فيهما، وجنَّتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أنْ ينظُروا إلى ربهم إلا رِداء الكِبرياء على وجهه في جنَّة عدن)).
7- طيب ومسك وحُسن وجمال وأعياد:
ذكر الدَّارمي عن جَرِير بن عبدالحميد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالله بن الحارث، عن كعبٍ قال: ما نظَر الله إلى الجنَّة إلا قال: طيبي لأهلك، فزادَتْ طيبًا على ما كانت، وما من يومٍ كان عيدًا في الدُّنيا إلا يخرُجون في مِقداره إلى رياض الجنَّة، ويبرز لهم الرَّبُّ - تبارك وتعالى - وينظُرون إليه وتسفى (تحمل) عليهم الريح بالطيب والمسك فلا يسألون ربهم - تبارك وتعالى - شيئًا إلا أعطاهم، فيَرجِعون إلى أهلهم وقد ازدادوا على ما كانوا عليه من الحُسن والجمال سبعين ضعفًا.
8- خدم ونعيم وسُرر مسيرة ألف سنة:
قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ أدنى أهل الجنَّة منزلة مَن يَنظُر إلى خدمه ونعيمه وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله مَن ينظُر إلى وجهه غدوة وعشيَّة، ثم تلا هذه الآية: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23].
9- النظرة إلى وجه الرحمن تُنسِي كلَّ نعيم:
ذكر الدارمي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - رفعه إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ أهل الجنَّة إذا بلَغ منهم النعيم كلَّ مبلغ وظنُّوا ألا نعيم أفضل منه تجلَّى لهم الرب - تبارك وتعالى - فنظروا إلى وجه الرحمن فنسوا كلَّ نعيم عايَنُوه حين نظَرُوا إلى وجه الرحمن)).
10- الله يُجالس ويُحادث أهل الجنَّة:
ذكر النسائي من حديث الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: "... فإنَّكم سترَوْن ربكم حتى إنَّ أحدكم ليُحاضره محاضرة فيقول: عبدي، هل تعرفُ ذنب كذا وكذا؟ فيقول: يا رب، ألم تغفرْ لي؟! فيقول: بمغفرتي صِرتَ إلى هذا".
11- رضوان بلا سخط أبدًا:
في الصحيحين من حديث مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيدٍ الخُدري - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله تعالى يقولُ لأهل الجنَّة: يا أهل الجنَّة فيقولون: لبَّيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رَضِيتم؟ فيقولون: ما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تُعْطِ أحدًا من خلقك! فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب، وأيُّ شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدًا)).


يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.34 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.51%)]