عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 27-01-2021, 04:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,842
الدولة : Egypt
افتراضي رد: إن الدين عند الله الإسلام

إن الدين عند الله الإسلام
د. عدنان علي رضا النحوي




وقد انتشرت في هذا العصر فرق في أوربا وأمريكا انضم إليها عدد من المنتسبين إلى الإسلام. وتتلخص عقيدة هذه الفرقة بأن الديانات الكبرى كاليهودية والنصرانية والهندوكية والبوذية وغيرها هي أديان صحيحة ومقبولة عند الله سبحانه وتعالى. وأن المخلصين من أتباعها يصلون إلى الحق وينجون من النار ويدخلون الجنة دون حاجة في كل هذا إلى الدخول إلى الإسلام.

تحريف وضلالة، ثم خلاف وشقاق، ثم دعوة إلى هذا الانحراف والتحريف، وجاء القول الحق والبيان الفصل من عند الله يردّ على كل تحريف وضلالة.

ثم يردّ عليهم القرآن الكريم الردَّ المفحم ليكشف زيف دعواهم:
﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ. هَا أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [ آل عمران:65-68].

وهل هناك ردّ أشدّ من ذلك ؟! إنه ردٌّ يكشف زيفهم وزيف ادعاءاتهم: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ!

إنها قضية كبيرة جداً تمسُّ أخطر قضية في حياة البشرية كلها. إنها تمس مصير الإنسان ومصير البشريّة كلها! فلا عجب إذا أخذت في كتاب الله القرآن الكريم هذه المساحة الواسعة. كثرت إدعاءات اليهود الباطلة حتى زعموا أنهم أولياء لله، فردَّ الله عليهم دعواهم:

﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ. قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ الجمعة:6-8].

ومع كثرة أخطائهم وانحرافهم عاقبهم الله بظلمهم بأن حرّم عليهم طيبات أُحلّت لهم:
﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا ﴾ [ النساء:160].

نزلت عليهم اللعنة على لسان أنبيائهم ذلك بما عصوا وبما كانوا يعتدون، وبما كانوا يتولّون الذين كفروا، وبما كانوا يرتكبون من المنكر ولا يتناهون عنه: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [ السجدة:22].

لقد أنعم الله على بني إسرائيل نعماً كثيرة تذكرهم بالله وبفضله، وكان من أجلِّ هذه النعم أن بعث فيهم موسى عليه السلام، وآتاه الكتاب، أي التوراة، ليكون هدى لبني إسرائيل، وليتأكّد لهم التذكير بعد التذكير. فانقسم بنو إسرائيل إلى فريقين: فريق آمن واهتدى وأسلم فكان من المسلمين: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [ السجدة:24].

وفريق آخر كفر وكان ظالماً حين أعرض عن آيات الله، كما ذكرنا قبل قليل في الآية (22) من سورة السجدة، ونعيدها هنا للتأكيد: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [ السجدة:22].

فريقان: المسلمون ﴿ ... أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ، والفريق الأخر هم اليهود: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ...!

والخطاب في كتاب الله إلى بني إسرائيل في كثير من الأحيان، ثم يبيّن فيه لنا الله سبحانه وتعالى حقيقة الذين يوجّه إليهم الخطاب، فإما مؤمنون مصدّقون فهم من المسلمين، وإما مكذّبون منكرون فهم اليهود، كما بيّنّا في صفحات سابقة.

ومن الضروري أن نفرّق بين خطاب وخطاب، وفريق وفريق، وقد يحمل الخطاب نداءً واحداً: يا بني إسرائيل! ليذكّر كُلّ فريق بأصل دينه الإسلام، دين إسرائيل، دين يعقوب عليه السلام:

﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ. كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ۖ وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ. وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ
[ طه:80 -82].

ومن المواقف المهمة التي يجب أن ندرك فيها من هو المخاطب وعلى أيّ أساس، خطاب موسى لقومه كما نعرضه في الصفحات المقبلة.

ولما كان الدين الحق من عند الله ديناً واحداً هو الإسلام، فلا بُدَّ أن يكون المنتسبون إلى هذا الدين الحق الواحد مسلمين، وأن يكونوا مع الدهر كله أمّة واحدة تعبد ربّاً واحداً وتدين بدين واحد هو الإسلام. ولذلك جاء قوله سبحانه وتعالى ليبيَّن لنا هذه الحقيقة، ففي سورة الأنبياء، بعد أن يذكر الله سبحانه وتعالى عدداً من الرسل والأنبياء: إبراهيم، ولوطاً، وإسحاق، ويعقوب، ونوحاً، وداود، وسليمان، وأيوب، وإسماعيل، وإدريس، وذا الكفل، وذا النون يونس، وزكريا ويحيى، عليهم السلام جميعاً، ثم يذكر الله سبحانه وتعالى مريم التي أحصنت فرجها فنفخ الله فيها من روحه وجعلها وابنها عيسى عليه السلام آية للعالمين، بعد أن يذكر الله سبحانه وتعالى هؤلاء الرسل والأنبياء، يبيّن لنا الله سبحانه وتعالى أن أتباعهم من الأنبياء يمثلون أمة واحدة تعبد ربّاً واحداً وتدين بدين واحد هو الإسلام: ﴿ إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [ الأنبياء:92].

ربٌ واحد هو الله سبحانه وتعالى، ودين واحد بعث به جميع الرسل والأنبياء، وأمة مسلمة واحدة.

ومن هنا يتبيّن لنا خطورة الانحراف والتحريف الذي قام به أهل الكتاب حتى فرّقوا المؤمنين طوائف وأحزاباً وشيعاً.

﴿ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ. فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ [ المؤمنون: 53- 54].

نعم! إن الدين عند الله واحد، هو الدين الحق، دين الإسلام، بعث به جميع الأنبياء والمرسلين. ومع ذلك فقد يحسب بعضهم أن الدين مختلف وليس ديناً واحداً، بسبب اختلاف بعض نواحي التشريع بين دين وآخر. ولكنّ هذا الاختلاف في بعض نواحي التشريع لا يغير حقيقة الدين وجوهره. ذلك لأن أساس الدين هو عقيدة التوحيد، ثم التشريع العام الثابت مع كل رسالة. فجميع الرسالات تحرّم الظلم والعدوان والكذب والزنى والسرقة والفواحش كلها والافتراء وجميع ما هو عام في حياة الإنسان من فتنة وفساد. ولا يمنع هذا أن يكون هنالك تشريع خاص مختلف في بعض القضايا الخاصة بالمرحلة والواقع والأمة، لا تمثل الجزء الرئيس من الرسالة الربانية. ولذلك نجد سورة الأعراف نعرض لرسالة بعض الأنبياء والرسل ونبيّن شدة التشابه أو المساواة أو الاتحاد:

﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 59-62].

وكذلك:
﴿ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً ۖ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [ الأعراف:73].

ونلاحظ من هذا العرض السريع الموجز وحدة الرسالات التي جاء بها الأنبياء والمرسلون من ربهم. فنوح عليه السلام وهو أول رسول يبعث إلى الناس يقول: ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي... ﴾، وجاءت كلمة رسالات بصيغة الجمع لتوحي بأن الرسالة هذه وما يليها رسالة واحدة، وكذلك قال هود عليه السلام: ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴾. وأما صالح عليه السلام فإنه يختتم دعوته بقوله: ﴿ فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ﴾! فجاءت هنا بصيغة المفرد: " رسالة ربي "، وكأنها تؤكد أن جميع الرسالات كما وردت على لسان نوح وهود هي رسالة واحدة من عند الله. ويعود شعيب عليه السلام فيأتي بصيغة الجميع: ﴿ فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ۖ فَكَيْفَ آسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَافِرِينَ!

نعم! هي رسالات متعددة ولكنها في جوهرها وحقيقتها رسالة واحدة لدين واحد يقوم على التوحيد الخالص لله، وعلى كل تشريع ينبع من التوحيد نفسه.

ومن المناسب أن نقف هنا مع الآية الكريمة من سورة المائدة آية (48) لنرى مدى انسجام ما قدمناه عن الرسالات والرسالة والدين أعلاه:

﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [ المائدة:48].

فقد أنزل الله سبحانه وتعالى كتابه المبين، القرآن الكريم، على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالحق. وهذه حقيقة أساسية هي أن القرآن الكريم حقٌّ من عند الله. وجاء هذا الحق مصدّقاً للكتب السابقة كالتوراة والإنجيل والزبور وليس مناقضاً لها أو مخالفاً لها، فهي كلها من عند الله جاءت بالدين الحق، إلا أن القرآن الكريم كان يمثل الرسالة الخاتمة، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان الرسول الخاتم، فلا نبيَّ بعده ولا رسول، ولا كتاب متنزلاً بعد القرآن الكريم. فجاءت الرسالة الخاتمة مهيمنةً على ما سبقها، حالَّة مكانها، رسالة الله الخاتمة إلى عباده جميعهم، إلى الناس كافّة، بينما جميع الرسالات السابقة كان كلُّ نبيٍّ يُبْعَث إلى قومه خاصَّة، ومع ذلك ظل الدين الحق من عند الله ديناً واحداً هو الإسلام، يحمل جوهر الدين وأساسه وهو عقيدة التوحيد والتشريع العام الثابت للناس جميعاً، وتشريعاً خالصاً بكل قوم ومرحلة، كما جاء في الحديث الشريف:

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " أعطيت خمساً لم يُعْطَهُنَّ أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ، وأحلّت لي الغنائم ولم تحلَّ لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبيّ يبعث إلى قومه خاصة وبُعِثْتُ إلى الناس كافة ". [الشيخان والنسائي][2].

وأمر الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين الناس بهذه الرسالة الخاتمة، ولا يتبع أهواء أهل الكتاب الذين حرّفوا التوراة والإنجيل، فقد جعل الله لكلِّ قوم شرعة خاصة بهم ومنهاجاً خاصّاً بهم مع رسالة التوحيد الجامعة والتشريع العام، ولو شاء الله لجعل الرسالات كلها واحدة بكل أجزائها، ولكن جاء الاختلاف في التشريع الخاص ابتلاءً من الله سبحانه وتعالى وتمحيصاً لهم، ولتتسابق كل أمة إلى طاعة الله بعمل الخيرات والإحسان. ويوم القيامة ينبئهم الله بما كانوا فيه يختلفون.

ولنتدبر هذه الآية الكريمة أيضاً:
﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ [ الشورى:13].

فما وصّى الله به نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى " وكذلك سائر الأنبياء والمرسلين " من الدِّين هو الذي أوصى به محمداً صلى الله عليه وسلم.

نخلص من ذلك إلى الحقيقة الرئيسة ألا وهي أن الدين عند الله واحد هو الإسلام، بعث الله به جميع الرسل والأنبياء. وما كان ليقع الاختلاف بين الناس في الدين وما أنزل الله لولا البغي والظلم والهوى.

إذن: فالله حق واحد لا شريك له، والدين حق واحد هو الإسلام. هو الحق من عند الله، وهو ما تقبله الفطرة، وما تكشف عنه رحمة الله بعباده وعدالته، بعث الله رسله بهذا الدين الحق الواحد في رسالات متعددة تحمل كلها الدين ذاته.

وبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم النبي والرسول الخاتم، فلا نبيّ ولا رسول بعده، بُعث بالدين ذاته دين الإسلام، بالرسالة الخاتمة المهيمنة على الرسالات كلها والمصدّقة لها:

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا. مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَٰكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
[ الأحزاب:39-40].

ولنتذكر قوله سبحانه وتعالى مما ذكرناه في الصفحات السابقة، وكذلك قوله سبحانه وتعالى:
﴿ .. ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا...[المائدة:3].


[1] صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني رقم (7063) .

[2] صحيح الجامع الصغير وزيادته : (1056) .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.32 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.91%)]