قبل الرحيل
خالد عبدالرحمن الكناني
الحمد لله ربِّ العالمين ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾، أشهد ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله عبد ربه حق عبادته حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وعلى آله وصحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله اتقوا الله حق التقوى واعلموا أنكم إليه راجعون، فقدموا لأنفسكم خيراً تجدوه عند ربكم. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
أيها المسلمون:
الدنيا دار عبور ولا بد لنا أن نرحل منها إلى دار البقاء والحبور قال تعالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ ﴾، أي : كل من على الأرض، من إنس وجن، ودواب، وسائر المخلوقات، يفنى ويموت ويبيد ويبقى الحي الذي لا يموت ﴿ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ ﴾، الموت حقيقة لا بد لكل نفس أن تتجرعه ، قال تعالى : ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ تناله لا محالة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على تذكره، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ»، يَعْنِي الْمَوْتَ.
أيها المسلمون: إن البقاء على قيد الحياة فرصة للمسلم أن يتزود من الأعمال الصالحة ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾.
قبل فوات الأوان والندم على ما فات عندها يتمنى الواحد منا أن لو بقي لحظات ليعمرها بالطاعات وقد فات منه ما فات.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.
عباد الله:
ينبغي على العبد أن يعمر أوقاته وساعات عمره فيما يقربه من خالقه سبحانه وتعالى ، ويعينه على صلاح حاله في معاشه ومعاده وأن يحذر من تضييع وقته فيما لا ينفعه لا في دنياه ولا في آخرته، حتى ولو كان في آخر لحظة من عمره ، عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ»
لقد تتابعت نصائح العلماء ووصايا الحكماء في الحث على اغتنام الأنفاس واللحظات والأيام والساعات فيما يرجع على العبد بالنفع والخيرات.
قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي.
وَقَالَ آخر:
من أمضى يومًا من عمره في غير حق قضاه أو فرض أداه أو مجد أثله أو حمد حصله أو خَيْر أسسه أو علم اقتبسه فقَدْ عق يومه وظلم نَفْسهُ. ولا تسأل عن ندمه يوم ينظر المرء ما قدمت يداه.
لا بد للمسلم العاقل أن يعلم أن العمر أشرف من أن يضيع منه لحظة، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ)).
الله الله، لازالت الفرصة أمامنا قبل انتهاء آجالنا وانقطاع أعمالنا.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ "
أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليما كثيرا.
أما بعد:
عباد الله: إن من ثمار الإيمان وكثرة الأعمال الصالحة والاستقامة على دين الله، البشارة للعبد المؤمن من لحظات الاحتضار ومفارقة الدنيا
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾)).
أيها المسلمون: الفرائض في مقدمة الطاعات ففي الحديث القدسي ((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ)).
وأعظمها بعد توحيد الله ، الصلوات الخمس حافظوا عليها فإنها طريق موصل إلى الجنة ، الله الله في الصلاة، وغيرها مما فرض الله على عبادة كالزكاة والصيام والحج في العمر مرة لمن استطاع، وبر الوالدين، أكثروا من النوافل وكل ما يقرب من رب الأرض والسموات ((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ..)).
أكثروا من ذكر الله تبارك وتعالى ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ، أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾
هذا وصلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى: قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾.