عرض مشاركة واحدة
  #154  
قديم 17-03-2021, 01:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,314
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثانى
[مباحث الحجر]
صـــــ 310 الى صــــــــ
320
الحلقة (115)

[مباحث الحجر]

الحجر معناه في اللغة: المنع،
يقال:
حجر عليه حجرا من باب قتل منعه من التصرف، وهو بفتح الحاء وكسرها، ولذا سمي الحكيم حجرا لأنه منع من الكعبة وقطع منها، وسمي العقل حجرا لأنه يحجر صاحبه ويمنعه من فعل القبيح،
قال تعالى:
{هل في ذلك قسم لذي حجر} أي لذي عقل.وأما معنا في الشرع، فإن فيه تفصيلا في المذاهب (1) .
[أسباب الحجر]
يرجع سبب الحجر في الشريعة الإسلامية على التحقيق إلى شيء واحد، وهو مصلحة النوع الإنساني كما هو الشأن في كل قضية من قضاياها الكريمة، فهي دائما ترمي في تشريعها إلى ما فيه سعادة الإنسان جماعة وأفرادا. فمن قواعدها العامة وأسسها القويمة أنها قضت بضرورة التعاون بين الناس، فعرضت على القوي أن يعين الضعيف بقدر ما يتاح له، وحتمت على الكبير أن يساعد الصغير الذي يتولى أمره ويخلص له كل الإخلاص حتى لا تضيع عليه فرصة ينتفع بها في دينه ودنياه. فمن ابتلاه الله من الأطفال بفقد من يعطف عليه عطفا طبيعيا من والد أو أخ أو قريب كان له في غيره عوضا، فقد كلف الله الحاكم أن يختار له من يقوم يأمر تربيته، والنظر في مصلحته والعمل على تنمية ثروته، كما يقوم بذلك أقرب الناس إليه والصقهم به. وقد أوصى الله تعالى الأولياء والأوصياء على اليتامى والمساكين، وحذرهم عاقبة إهمالهم والطمع في أموالهم، بما تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ويخافون بطشه وعقابه.
وقال تعالى:
{وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا، إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما، إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} وقال تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح،
فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم وقال تعالى:
{وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح، فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم، ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا، ومن كان غنيا فليستعفف، ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} وفي الآية دلالة على أنه يصح للوصي الفقير أن يأخذ أجر عمله من مال القاصر بما هو معروف بين الناس، فانظر كيف حذر الله الأوصياء في الآية الأولى بما هو ممكن قريب الوقوع؟ وكيف رغبهم في حكم معاملة القاصر؟ فإن الوصي الذي له أولاد صغار ضعاف قد يموت ويتركهم، فلينظر على أي وجه يحب أن يعامل الناس أولاده فيعامل به من أقامه الله وصيا عليه، ليعلم أنه إذا اتقى الله تعالى في قوله وفعله كان قدوة حسنة لأبنائه فينقلون عنه الفضيلة، فضلا عما في ذلك من ترك حسن الذكرى وطيب الأثر ولذلك في قلوب الناس منزلة رفيعة تحبب إليهم مودة ذريته الضعيفة، ويسهل عليهم خدمتهم.ثم انظر إلى الوعيد الشديد للطامعين في أموال اليتامى الذي يقومون عليهم، وأي زجر أشد من أن شبه الله ما يأكلون من ذلك بالنار التي توقد في البطون، فهم وإن كانوا يجدون في أكله لذة مؤقتة في هذه الحياة الدنيا ولكنهم سيصلون سعيرا يوم القيامة تلتهب في أحشائهم، فيعلمون أنهم إنما كانوا يأكلون نارا وجحيما. وفي ذلك منتهى التحذير والتخويف من قربان أموال اليتامى. ولهذا الكلام بقية ذكرناها في حكمة تشريع الحجر في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق.وكما أن الشريعة الإسلامية حثت الكبير على أن يعين الصغير، كذلك حثت من آتاه الله عقلا على أن يعين من حرم منه وإن كان كبيرا، لأن من ابتلاه الله بضعف العقل وفقد ادراك فقد جعله كالأطفال في هذه الحياة وإن كان كبير الجسم والسن، فإن العقل هو الذي يمتاز به الإنسان عن الحيوان، فإذا ذهب أصبح الإنسان كالأطفال، فلا يصح تركه وشأنه حتى يقضي عليه الأشرار،
فالحجر بسبب الصغر والجنون لمصلحتهما أمر متفق عليه بين أئمة المسلمين:
أما الحجر على الكبير العاقبل بسبب سوء التصرف، والسفه والتبذير ونحو ذلك مما يأتي فذلك محل خلاف (2) . ولكن جمهور الأئمة وعلماء الإسلام على أنه في حكم المجنون والصغير،لأن النتيجة التي شرع من أجلها الحجر متحققة في السفيه، فالسفيه الذي لا يحسن التصرف لا يلبث أن يقضي على ماله كما يقضي عليه الصغير والمجنون تماما، ومتى كان الحجر لمصلة المحجور عليه كان لزاما أن يحجر على السفيه لمصلحته أيضا، بل ولمصلحة الناس،
لأنه لا بد أن يعامل الناس فيقضي على أموالهم ومن أجل ذلك قال الله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما} ومن أسباب الحجر لمصلحة الناس: الحجر بسبب الدين.
ويتضح من هذا أن أسباب الحجر المعروفة التي عليها العمل غالبا ثلاثة: أحدها: الصغر.
ثانيها:
الجنون، ومثله العته.
ثالثها:
السفه.وهناك أسباب أخرى كالرق. فإن الرقيق محجور عليه لكونه ليس أهلا للملك، فلا يصح له أن يتصرف في ملك غيره إلا بإذنه وغير ذلك.
[الحجر على الصغير]
الصغير وصف في الإنسان من حين ولادته إلى أن يبلغ الحلم،
وسبب الصغر: عدم تكامل قوى الإنسان البشرية. وهو وإن كان لازما لغالب أفراد الإنسان، إلا أن الإنسان قد يوجد كبيرا فيختلف عنه الصغر، ولكن ذلك نادر كما في آدم وحواء.
[ما يعرف به بلوغ الصغير]
يعرف بلوغ الصغير تارة بالسن، وتارة بعلامات تدل على أنه قد بلغ وإن لم يبلغ حد السن المقرر، وفي بيان ذلك تفصيل المذاهب(3) .
[مبحث إذا بلغ الصبي غير رشيد]
وإذا بلغ الصبي غير رشيد فإنه لا يسلم إليه ماله، بل يحجر عليه بسبب السفه. وفي ذلك تفصيل المذاهب(4) .
[مبحث الولي أو الوصي]
ولي الصبي وغيره من المحجور عليهم: أبوه إن كان له أب أهل للولاية كأن لم يكن مجنونا أو محجورا عليه، وأما غير الأب ففيه تفصيل في المذاهب(5) .
(1) الحنفية - قالوا: الحجر: هو عبارة عن منع مخصوص، متعلق بشخص، عن تصرف مخصوص، أو عن نفاذ ذلك التصرف، فالحجر منع للصغير والمجنون ونحوهما عن التصرف في القول رأسا إن كان ضررا محضا، فإذا طلق الصبي زوجه أو أعتق عبده فإن قوله هذا لا ينعقد أصلا لأنه ضرر محض فلا ينعقد من أصله، ومثله المجنون.
أما إن كان نفعا محضا كما إذا وهبه أحد مالا فقال: قبلت ونحو ذلك مما فيه منفعة محققة له فإن قوله ينعقد صحيحا نافذا ولا يتوقف على إذن الولي، فإن كان قوله يحتمل النفع والضرر كبعت واشتريت ونحوهما، فإن كان يعقل معنى البيع والشراء بحيث يدرك أن السلعة يقابلها الثمن، فلا يمكن أن يأخذ السلعة ولا يدفع ثمنها انعقد بيعه وشراؤه موقوفا على إجازة الولي فللولي أن يجيزه بشرك أن لا يكون فيه غبن فاحش وقد تقدم بيانه. أما إن كان الصبي لا يعقل أصلا فإن تصرفه في ذلك لا ينعقد من أصله.
أما الحجر في الأفعال فإن الصغر والجنون لا يوجبه، فإذا كان الطفل نائما فانقلب على زجاجة وكسرها فعليه ضمانها، فإن كان له مال يؤخذ ثمنها من ماله.
وكذلك المجنون إذا أتلف شيئا فإنه يكون مسؤولا عنه، إذا كان الفعل متعلقا بحكم يدرأ بالشبهة كالحدود والقصاص، فإن عدم القصد في الصبي والمجنون يرفع عنهما العقوبة، فإذا زنى الصبي أو قتل فإنه لا يحد، لأن النية مفقودة كما سيأتي، وقد يفسر الحجر بمعنى عدم ثبوت حكم التصرف، وعلى هذا فيكون الصبي والمجنون محجورا عليهما بالنسبة لذلك، فليس محجورا عليهما بالنسبة لفعل الزنا والقتل ونحوهما من كل ما يوجب الحد. لأن الفعل لا يمكن منعهما منه خصوصا بعد وقوعه وإنما هما محجور عليهما بمعنى أن حكم عملهما هذا معدوم فلا يترتب على عملهما حد وعقوبة.
المالكية - قالوا: الحجر: صفة حكمية "يحكم بها الشرع" توجب منع موصوفها من نفوذ تصرفه فيما زاد على قوته، كما يوجب منعه من نفوذ تصرفه في تبرعه بزائد على ثلث ماله. فدخل بالأول:الحجر على الصبي والمجنون والسفيه والمفلس ونحوهم، فإن هؤلاء يمنعون عن التصرف فيما زاد على قوتهم، فإذا باع أحد منهم شيئا أو اشتراه أو تبرع به وقع تصرفه هذا موقوفا، ولا ينفذ إلا بإذن الولي كما تقدم في البيع.
ودخل بالثاني وهو قولنا: كما يوجب منعه في نفوذ تصرفه في تبرعه بزائد على ثلث ماله": الحجر على المريض والزوجه، فإنهما لا يمنعان من التصرف في البيع والشراء، وإنما يمنعان من التبرع بشرط أن يكون زائدا على ثلث مالهما، فيصح للمريض أن يتبرع بثلث ماله لغيره. كما يصح للزوجة ذلك. أما ما زاد على ثلث مالهما فإنه لا يصح لهما التبرع به.
الشافعية - قالوا: الحرج شرعا: منع التصرف في المال لأسباب مخصوصة، فخرج بقوله منع التصرف في المال: التصرف في غيره فلا حجر فيه. فيصح للسفيه والمفلس والمريض أن يتصرفوا في الأمور الأخرى كالخلع والطلاق والظهار والإقرار بما يوجب العقوبة. وكالعبادة البدنية سواء كانت واجبة أو مندوبة. أما العبادة المالية فإنه لا ينفذ منها إلا الواجبة كالحج. بخلاف المندوبة كصدقة التطوع فإنها لا تنفذ منهم. أما الصبي والمجنون فإنهما لا يصح تصرفهما في شيء مطلقا.
الحنابلة - قالوا: الحجر هو: منع مالك من تصرفه في ماله، سواء كان المنع من قبل الشرع كمنع الصغير والمجنون والسفيه. أو كان من قبل الحاكم كمنع الحاكم المشتري من التصرف في ماله حتى يقضي الثمن الحال عليه
(2) الحنفية - قالوا: الذي قال إن السفه ليس سببا من أسباب الحجر هو الإمام أبو حنيفة وحده، أما صاحباه فقد قالا كما قال جمهور الأئمة وهو أن السفيه يحجر عليه كالصغير والمجنون ويظهر أن الإمام يميل إلى عدم حبس الأموال، فمن كان أهلا للتصرف فأحسن استثمار ماله فذاك، ومن لم يكن أهلا وبذر فيه فجزاؤه أن ينتقل المال من يده إلى أيد متصرفة تنتفع به وتنفع الناس.
ومن أجل ذلك يقول الإمام: إن الوقف لا يلزم إلا بحكم الحاكم كما سيأتي في بابه.
فالحر العاقل لا يحجر عليه، سواء كان فاسقا أو مبذرا على أنه يقول: إن من أسباب الحجر على العاقل أن يعمل عملا يتعدى ضرره إلى غيره، كالطبيب الجاهل الذي لا يحسن الطب فيضر الناس.
ومثله المفتي الجاهل الذي يضلل الناس، أو الماجن الذي يفتيهم بالحيل الباطلة. وكذلك الرجل يحتال على الناس فيأخذ أموالهم، ومثله له بالمكاري المفلس، وهو الذي يكري للناس جمالا ونحوها ويجحذ أجرتها وليس عنده شيء منها، حتى إذا جاؤوا ليأخذوها هرب منهم وأضاع عليهم أموالهم.
وقد يقال: كيف يقول الإمام بالحجر على هؤلاء الثلاثة مع أنه قرر أنه لا يصح الحجر على الحر العاقل؟ والجواب: أنه لا يريد الحجر عليهم بمعناه الشرعي المتقدم وهو عدم نفاذ تصرفهم، وإنما يريد منعهم بالفعل، فالحاكم لا يبيح للطبيب الجاهل أن يزاول مهنة الطب، ولا يبيح للمفتي الماجن أن يفتي بين الناس وهكذا. أما إذا وقع منهم تصرف صحيح كما إذا أتفى الماجن بحكم صحيح فإنه ينفذ
(3) الحنفية - قالوا: يعرف البلوغ في الذكر: بالاحتلام وإنزال المني وإحبال المرأة، وفي الأنثى: بالحيض والحبل. فإذا لم يعلم شيء من ذلك عنهما فإن بلوغهما يعرف بالسن، فمتى بلغ سنهما خمس عشرة سنة فقد بلغا على الحلم على المفتى به، وقال أبو حنيفة: إنما يبلغان بالسن إذا أتم الذكر ثماني عشرة سنة، والأنثى سبع عشرة سنة.
ويستمر الحجر على الصغير إلى أن يبلغ إما بالسن، أو بعلامة من العلامات المذكورة، ثم ينظر في أمره بعد البلوغ، فإن ثبت رشده بعد اختباره فإنه يسلم إليه ماله، وإن لم يظهر رشده فإنه لا يسلم غليه. وحد الرشد هو: أن يثبت أنه صالح لإدارة ماله فلا يضيعه إذا سلم إليه. فلو كان فاسقا بترك الصلاة ونحوها فإنه لا يمنع من تسليم ماله، أما إذا كان فاسقا بالشهوات التي تذهب بالأموال كالزنا والقمار ونحو ذلك فإنه يحجر عليه لذلك، لأنه لم يكن صالحا لإدارة ماله في هذه الحالة، ولكن الصاحبين اللذين يقولان بالحجر على السفيه، يحكمان باستمرار الحجر عليه ما دام سفيها. وحتى ولو قضى طول حياته وهو على هذه الحالة. أما الإمام أبو حنيفة الذي يقول بعدم الحجر على السفيه فإنه يقول: إنه لا يسلم إليه ماله أيضا إلا بعد خمس وعشرين سنة. وذلك لأنه وإن كان حرا عاقلا وهو ما لا يصح الحجر عليه، إلا أنه لما بلغ هذا السن الذي يكون الإنسان فيه كالجد الذي له أحفاد ولم يتأدب فلا أمل في تأديبه بعد ذلك، ولا معنى لحبس ماله عنه، فليعط ماله يفعل فيه كيف شاء.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 51.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 50.98 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.22%)]