
30-03-2021, 10:50 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,240
الدولة :
|
|
رد: العفو الكريم جل جلاله
واجب المسلم نحو اسم الله العفو
طلب العفو من العفو جل جلاله:
أخي المسلم: من الواجب عليك أن تطلب العَفْوَ من العفوِّ جل جلاله حتى يرحمكم في الدنيا والآخرة، وتأمَّل أحوال المؤمنين كما أخبرنا رب العالمين في قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286].
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله العفو، فعن عبدالله بن عمر رضي الله أنه قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: ((اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي... الحديث))[14].
عن عوف بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "سمِعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على ميت، فسمعت من دعائه وهو يقول: ((اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعفُ عنه، وأكرم نزله، وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الخطايا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدَّنَس))[15].
وهذا الفضيل بن عياض أحد التابعين، يوم عرفة وهو يوم عفو مثل ليلة القدر، وقف يدعو: يا رب، اعف عني، اعف عني، فلما غربت الشمس بكى، والأصل أن يحسن الظن بالله ويستبشر، فسألوه: ألست مَنْ تُعلِّمنا حُسْنَ الظنِّ بالله؟ فقال: "لست أبكي لذلك؛ ولكن واخجلاه! واحيائي منه وإن عفا!".
يقول سليمان الدارني أحد التابعين: "لئن سألني يوم القيامة عن ذنوبي لأسألنَّه عن عفوه؛ لأني لا أجد لي مخرجًا إلا أن أسأله عن عفوه".
أقول قولي، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان، ولك الحمد أن جعلتنا من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، أما بعد:
اعفُ يعفو العفوُّ جل جلاله عنك:
أخي المسلم، هل تريد أن يعفو الله تعالى عنك؟
نعم كلنا يسعى لينال العفو الإلهي، والطريق أن نكون من أهل العفو، فنعفو عمَّن ظلمنا، وعمَّن أساء إلينا، ونسامحه حتى يسامحنا الله تعالى، ويعفو عنَّا، والجزاء من جنس العمل؛ عن أبى هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلَّا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله))[16].
عن أنس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس؛ إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال عمر: ما يضحكك يا رسول الله؟ فقال: ((رجلان من أُمَّتي جثيا بين يدي ربِّ العزَّة، فقال أحدهما: يا رب، خذ لي مظلمتي من أخي، فقال الله تبارك وتعالى: أعط أخاك مظلمته، فقال: يا رب، لم يبق من حسناتي شيء، فقال الله للطالب: كيف تفعل ولم يبق من حسناته شيء، فقال: يا رب، يتحمَّل من أوزاري))، قال: وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء، ثم قال: ((إن ذلك يوم عظيم، يوم يحتاج الناس إلى أن يحمل عنهم من أوزارهم، قال: فقال الله للطالب: ارفع رأسك، فرفع رأسه، فقال: يا رب، أرى مدائن من فضة مرتفعة، وقصورًا من ذهب مكللة باللؤلؤ، فلأي نبي، أو صديق، أو شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن، قال: يا رب، ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: بم يا رب؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب، إني قد عفوت عنه، قال الله: خذ بيد أخيك فأدخله الجنة))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ((اتقوا الله، وأصلحوا ذات بينكم؛ فإن الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة))[17].
عفو النبي صلى الله عليه وسلم عمَّن أساء إليه:
عن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد، مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه، فضحك، ثم أمر له بعطاء"[18].
عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًّا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: ((رب اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون))[19].
عفو أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
فهذا هو أبو بكر الصديق خير الناس بعد الأنبياء، كان من قرابته مسطح بن أثاثة، وكان أبو بكر ينفق عليه، ويحسن إليه، فلمَّا خاض مسطح فيمن خاض في حادثة الإفك، حلف أبو بكر ألا يحسن إليه كما كان يحسن في السابق، فعاتبه ربُّه عز وجل وأنزل: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، فقال: بلى، أحب أن يغفر الله لي، وعاد إلى ما كان عليه من الإحسان إليه وكفَّر عن يمينه[20].
عفو عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولًا كانوا أو شبانًا، فقال عيينة لابن أخيه: يا بن أخي، لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: هي يا بن الخطاب، فو الله ما تعطينا الجزل[21]، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى همَّ به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافًا عند كتاب الله[22].
عفو بلال رضي الله عنه:
ووقع في يوم من الأيام بين أبي ذر رضي الله عنه وبلال رضي الله عنه خصومة، فيغضب أبو ذر وتفلَّت لسانه بكلمة يقول فيها لبلال: يا بن السوداء، فيتأثر بلال، يوم أكرمه الله بالإسلام، ويذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويشكو أبا ذرٍّ، ويستدعي النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذرٍّ، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق على صحته: ((أعيَّرته بأُمِّه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية))، فيتأثر أبو ذر، ويتحسَّر ويندم، ويقول: وددت والله لو ضرب عنقي بالسيف، وما سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأخذ بلال رضي الله عنه - كما روي - ويضع خده على التراب، ويقول: ((يا بلال، ضع قدمك على خدي، لا أرفعه حتى تضعه))، فتذرف عينا بلال رضي الله عنه الدموع، ويقول: يغفر الله لك يا أبا ذرٍّ، يغفر الله لك يا أبا ذرٍّ، والله ما كنت لأضع قدمي على جبهة سجدت لله رب العالمين، ويعتنقان ويبكيان، ذهب ما في القلوب[23].
عفو ميمون بن مهران رحمه الله:
روي عن ميمون بن مهران أن جاريته جاءت ذات يوم بطبق فيها مرقة حارة، وعنده ضيوف فعثرت فصبَّت المرقة عليه، فأراد ميمون أن يضربها، فقالت الجارية: يا مولاي، استعمل قوله تعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ [آل عمران: 134]، قال لها: قد فعلت، فقالت: اعمل بما بعده ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 134]، فقال: قد عفوت عنك، فقالت الجارية: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]، قال ميمون: قد أحسنت إليك، فأنت حرَّة لوجه الله تعالى[24].
عن عطاء قال: مرَّ عمر رضي الله عنه برجل وهو يكلم امرأة فعلاه بالدِّرَّة، فقال: يا أمير المؤمنين، إنها امرأتي، قال: ها فاقتص، قال: قد غفرت لك يا أمير المؤمنين، قال: ليس مغفرتها بيدك؛ ولكن إن شئت أن تعفو فاعف، قال: قد عفوت عنك يا أمير المؤمنين، قال: ثم مرَّ من فوره إلى منزل عبدالرحمن وهو يقول: ويل أمك يا عمر، تضرب الناس ولا يضربونك، وتشتم الناس ولا يشتمونك حتى دخل على عبدالرحمن، فقص عليه القصة، فقال: ليس يا أمير المؤمنين، إنما أنت مؤدب[25].
الدعاء.
[1] نونية ابن القيم، ص 207.
[2] كتاب العين: 2/ 258.
[3] رواه ابن ماجه، وحسَّنه الألباني: 1790.
[4] معجم مقاييس اللغة: 4/ 57.
[5] الأسماء والصفات؛ للبيهقي، ص75، وتفسير أسماء الله؛ للزجاج، ص82، وشرح أسماء الله؛ للرازي، ص339.
[6] تفسير المنار (4/ 158).
[7] تفسير ابن كثير، ط دار طيبة (7/ 208)، المسند (1/ 85).
[8] أخرجه الحاكم (4/ 382)، وابن عدي في الكامل (7/ 201)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1779).
[9] أحمد في المسند 1/ 419 (3977)، وانظر: السلسلة الصحيحة 4/ 181(1638).
[10] الترمذي في كتاب الدعوات 5/ 534 (3513)، وانظر: صحيح الجامع (4423).
[11] المعجم الكبير (7/ 53)، الصحيحة: 3391، صحيح الترغيب والترهيب: 3164.
[12] مسند أحمد، ج 4، ص 105، حديث رقم: 17012.
[13] أخرجه الطيالسي (ص 289، رقم 2179)، وأحمد (3/ 16، رقم 11143)، والبخاري (4/ 1671، رقم 4305)، ومسلم (1/ 167، رقم 183).
[14] أبو داود في الأدب، باب: ما يقول إذا أصبح 4/ 318، رقم (5074)، الأدب المفرد (1200).
[15] مسلم في الجنائز، باب: الدعاء للميت في الصلاة 2/ 662 (963).
[16] رواه مسلم (2588)، والترمذي (2530)، والموطأ (2/ 1000).
[17] رواه الحاكم في "المستدرك" 4/ 576، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
[18] البخاري، الفتح 10 (6088)، واللفظ له، ومسلم (1057).
[19] البخاري، الفتح 12 (6929) واللفظ له، ومسلم (1792).
[20] تفسير الطبري 19/ 123، تحفة الواعظ للخطب والمواعظ؛ للشيخ السيد مراد سلامة.
[21] الجزل: الكريم المعطاء، والعاقل الأصيل الرأي.
[22] البخاري، الفتح 8 (4642)، تحفة الواعظ للخطب والمواعظ؛ للشيخ السيد مراد سلامة.
[23] موسوعة البحوث الإسلامية 7، وأصل القصة في البخاري، الفتح1 (30)، ومسلم (1661).
[24] والعافين عن الناس (ص 16) تحفة الواعظ للخطب والمواعظ؛ للشيخ السيد مراد سلامة.
[25] الحجة في بيان المحجة؛ لأبي القاسم الأصبهاني 381، تحفة الواعظ للخطب والمواعظ؛ للشيخ السيد مراد سلامة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|