عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-04-2021, 01:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شكر الله على نعمة الرجلين








ومن العبادات كذلك: خدمة الوالدين، وقضاء حوائج المسلمين، والسعي على الأرملة واليتيم والمسكين، والشفاعة الحسنة للناس، والمشي إلى نصرة المظلوم.












فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ فقال: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم: تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دَينًا أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني مسجد المدينة- شهراً، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام)[12]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله تعالى قدميه يوم تزل الأقدام)[13].












أيها المسلمون، ومن العبادات التي تؤديها الرجلان: الخروج لطلب العلم النافع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة)[14]." أي: من مشى إلى تحصيل علم شرعي قاصداً به وجه الله تعالى جازاه الله عليه بأن يوصله إلى الجنة مسلمًا مكرمًا"[15].












وقد ضرب علماؤنا السابقون رحمهم الله أروع الأمثلة في المشي إلى طلب العلم وقطعوا المسافات الطوال لإدراك بغيتهم من العلم[16]. حتى لقد سار جابر بن عبد الله رضي الله عنهما من المدينة إلى عبد الله بن أنيس رضي الله عنه في الشام من أجل حديث واحد![17].












ومن العبادات التي تؤديها الرجلان أيضًا: الخروج إلى طلب الرزق من أجل الاستعانة بذلك على عبادة الله، وإعفاف النفس عن الآخرين، وتوفير القوت للأهل والأولاد والتصدق على المحتاجين. قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك: 15].












عباد الله، ما أجمل أن يمشي المسلم إلى زيارة أخيه المسلم وتفقد أحواله وتجديد عهد المحبة بينهما، فالمشي إلى ذلك عبادة من العبادات، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً زار أخًا له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملَكًا فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه[18].












أما إذا كان المَزور مريضًا فالأجر أعظم، والأثر أكبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عاد مريضًا أو زار أخاً له في الله ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا)[19].












ومن حق المسلم على أخيه المسلم المشي إلى إجابة دعوته، وتشييع جنازته، كما قال عليه الصلاة والسلام: (حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه)[20].












ولمواضع العبرة نصيب للرجلين من العبادة، فالسير في الأرض للتفكر والنظر في بديع خلق الله، ورؤية مصارع العصاة والحائدين عن الحق عبادة، قال تعالى: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [الأنعام: 11].












ومشي المسلم إلى المقابر للاتعاظ والاعتبار عبادة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإن فيها عبرة) [21].












أيها الأحبة الفضلاء، إن الإنسان إذا انحرف عن الهداية انحرفت قدمه عن الصراط المستقيم، فمشت رجلاه إلى أفعال سخط الله، أو مواضع غضبه تبارك وتعالى، وحينما نتكلم عن المشي بالرجلين إلى الحرام فإن ذلك يشمل من وصل إلى الحرام على قدميه أو على مركب، فلا فرق في ذلك.












فمن مشى إلى قتل نفس بريئة أو أخذ مال معصوم أو ممارسة فاحشة فقد عصى الله وما شكر ربه تعالى على نعمة المشي وغيرها من سائر النعم.












ومن سعى برجليه إلى الفتن واستشرافها فما أدى شكر نعمة المشي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن يشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذ به)[22].












إن من سيئات الرجلين: أن يمشي بهما المسلم إلى النميمة أو تفرقة الصف المسلم أو إثارة الحقد والبغضاء بين المسلمين، فما أشد ما ينتظر هذا الماشي من العقاب، فعن ابن عباس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)[23].












ومن سيئات الرجلين: الاختيال في المشي تكبراً وزهواً، فالمسلم مأمور بالتواضع في المشي والبعد عن التكبر فيه، قال تعالى: ﴿ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان: 18] ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 19]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل رأسه يختال في مشيته، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة) [24].












وقال ابن إسحاق لما سرد قصة أبي دجانة وأخْذه السيف من رسول الله يوم أحد وتبختره بين الصفين به: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أبا دجانة يتبختر: (إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن)[25].












ومن سيئات الرجلين لدى المرأة: كشف قدميها وما فوقهما من الرجلين لينظر إليهما من لا يحل له النظر إلى ذلك، والمشي في الطرقات والأسواق بإصدار صوت الحذاء أو النعل للفت الأسماع والأنظار إليها ليعلم ما عندها من الحسن والزينة، قال تعالى: ﴿ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور: 31]. واللائق بالمؤمنة ستر زينتها إلا لمن أحل الله له النظر إليها، والمشي بين الناس بحياء من غير استدعاء النظر إليها، قال تعالى عن ابنة صاحب مدين: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ [القصص: 25].












ومن السيئات كذلك: أن يصيب الإنسان بقدمه أو رجله أحداً ظلمًا، ركلاً أو رفسًا، فمن فعل ذلك اقتص منه يوم القيامة.





ومن سيئات الرجلين أيضًا: الذهاب إلى أماكن اللهو والمجون كدور الرقص والغناء، وكذلك تتبع النساء وملاحقتهن في الأسواق والطرقات، فإن هذا العمل المشين لا يليق بذي خلق كريم، ولا بامرئ يخاف الله العظيم، ويخشى على حرماته. يذكر بعض أهل الأدب في القرون السالفة أن امرأة قدمت مكة للحج أو العمرة فطافت يومًا بالبيت وحدها، فجعل أحد الماجنين يتتبعها ويريد منها أن تكلمه وهي تأبى، وفي اليوم التالي جاءت لتطوف مع أخيها فجاء ذلك الرجل لملاحقتها، فلما رأى أخاها معها انكف وانزجر، فقالت متمثلة بقول أحد الشعراء:





تَعْدُو الذئابُ على مَنْ لا كِلاَبَ له *** وتَتّقي صَوْلَةَ المُسْتأسِدِ الحامي[26].





أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.











الخطبة الثانية





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:





أيها المسلمون، إن استقامة المرء في رجليه، بلزومها طريق الحق، وعدم انحرافهما عنها، دليل على محبة الله لصاحبها، فما أحسن أن يكون المسلم كذلك، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها)[27]. والمعنى: أن الله يسدده في هذه الجوارح فلا يقع منه بها إلا الخير.












وأما من لم تستقم رجلاه على صراط الحق فليتذكر أنهما ستشهدان عليه يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس: 65]، وعن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: هل تدرون مما أضحك؟ قال: قلنا الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب، ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيختم على فيه فيقال لأركانه: انطقي قال: فتنطق بأعماله قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام قال: فيقول: بعداً لكن وسحقًا فعنكن كنت أناضل)[28].












عباد الله، ألا من كان منحرف الخطى عن الجادة سالكًا مناهج الغضب فليتب إلى ربه وليكن مثل ذلك القائل الكريم:












لعمرك ما أهويتُ كفّي لريبةٍ

ولا حملتني نحو فاحشةٍ رجلي



ولا قادني سمعي ولا بصري لها

ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي



ولست بماشٍ ما حييتُ بمنكر

من الأمر ما يمشي إلى مثله مثلي[29]












فعلى المسلم العاقل أن يسارع إلى مسالك الخيرات، ومواضع الطيبات، وخصال الصالحات، وليستغل نعمة المشي إلى ذلك قبل أن يندم حينما يحبس عن ذلك، وليكن له قدوة بأولئك الصالحين الذين يسارعون إلى الخير مع وجود الإعاقة في أرجلهم، فهذا عمرو بن الجموح رضي الله عنه كان رجلاً أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه، وقالوا له: إن الله عز وجل قد عذرك، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك، وقال لبنيه: ما عليكم أن لا تمنعوه؛ لعل الله أن يرزقه الشهادة، فخرج معه فقتل يوم أحد[30]، رضي الله عنه وأرضاه.












هذا وصلوا وسلموا على خير البشر...















[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في: 5/جمادى الأولى/1440هن 11 /1 /2019م.



[2] رواه النسائي، وهو صحيح بشواهده.



[3] حلية الأولياء (3/ 243).



[4] رواه مسلم.



[5] رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وهو صحيح..



[6] رواه محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة بسند حسن.



[7] متفق عليه.



[8] رواه ابن خزيمة، وهو صحيح.



[9] رواه الطبراني في الأوسط، وهو حسن.



[10] متفق عليه.



[11] رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.



[12] رواه الطبراني في الكبير، وهو حسن.



[13] رواه أبو نعيم وأبو الشيخ الأصبهاني، وهو حسن.



[14] رواه مسلم.



[15] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (9/ 421).



[16] ينظر في هذا الموضوع كتاب: الرحلة في طلب الحديث، للخطيب البغدادي.



[17] جامع بيان العلم وفضله - مؤسسة الريان (1/ 186).



[18] رواه مسلم.



[19] رواه ابن ماجه، وهو صحيح.



[20] رواه مسلم.



[21] رواه أحمد، وهو حسن صحيح.



[22] متفق عليه.



[23] متفق عليه.



[24] متفق عليه.



[25] سيرة ابن هشام (2/ 66).



[26] كتاب الأغاني، للأصفهاني (1/ 88).



[27] رواه البخاري.



[28] متفق عليه.



[29] أمالي القالي (ص: 241).



[30] سيرة ابن هشام (2/ 90).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.90 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.35%)]