عرض مشاركة واحدة
  #492  
قديم 09-04-2021, 01:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,388
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (35)
الحلقة (259)

تفسير سورة النساء (40)


طاعة الله عز وجل ورسوله هي مفتاح دار السعادة، والله عز وجل ما أرسل الرسل إلا ليبلغوا الناس محاب الله فيأتوها، ويبينوا لهم مكاره الله فيجتنبوها، والتحاكم إلى غير الله ورسوله عصيان وضلال وكفر بعد إيمان، فيجب على كل مسلم التحاكم عند الخصام إلى كتاب الله وسنة رسوله، وقبول ذلك الحكم والتسليم له، ورضا القلب واقتناع النفس به، وأنه فيه صلاح العبد في الدنيا والآخرة.
تفسير قوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ...)
الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأحد من يوم السبت ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع سورة النساء المباركة ومع هاتين الآيتين المباركتين.إليكم تلاوة الآيتين بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فتأملوا وتدبروا في هاتين الآيتين؛ فإن فيهما العلم الكثير، والأجر العظيم.قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:64-65]. ‏
معنى قوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! يخبر تعالى عن نفسه فيقول: وَمَا أَرْسَلْنَا [النساء:64] نحن رب العزة والجلال والجمال وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ [النساء:64] وقد علمتم أن الرسل ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، أولهم نوح، وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، أما الأنبياء فعشرات الآلاف، مائة وأربعة وعشرون ألفاً، إلا أن النبي يتبع الرسول الذي تقدمه أو عاصره. وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64] أي: بأمر الله وإعلامه العباد بأنه إذا أرسل إليهم رسولاً يجب أن يطيعوه، فحاشاه تعالى أن يرسل رسولاً ويأذن للناس ألا يطيعوه، كيف يكملون ويسعدون؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ في أي زمان وفي أي مكان مع آية أمة إلا وقد أعلم تعالى وألزم الناس بطاعته إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64].وقد علمتم -زادكم الله علماً- أن طاعة الرسول من طاعة الله؛ إذ لا يأمر الرسول ولا ينهى إلا بما يحب الله أن يُفعل وبما يحب الرسول، فطاعة الله عز وجل هي مفتاح دار السعادة، والذي لا إله غيره ما سعد امرؤ حق السعادة بغير طاعة الله ورسوله، فلا ترهبن، ولا تخافن من كلمة الطاعة؛ لأن هذه الطاعة من أجل إكمالك في عقلك، في أدبك، في أخلاقك، في ذاتك، في آمالك، في حياتك، في أموالك.. لا تفهمن أبداً أن طاعة الله تنقصك شيئاً أو تؤذيك بأي أذى، أو تحدث لك شراً أو ضرراً! والله ما كان؛ لأن الله تعالى ولي المؤمنين فهو يأمرهم كالطبيب يأمر المريض بالأدوية ليشفى، وكالأم تأمر الطفل ليرضع من أجل أن يحيا وينمو، فالله عز وجل يأمر عباده وينهاهم، يأمرهم بما يزيد في كمالهم، وينهاهم بما يسبب خسرانهم أو ضياعهم، ثقوا في هذا، والذي لا إله غيره ما أمر تعالى أولياءه ولا نهاهم إلا من أجل إكمالهم وإسعادهم في الدنيا، وفي الآخرة لا تسأل؛ إذ الآخرة أي الحياة الآتية بعد هذه، ونحن نرحل واحداً بعد واحد، تلك الحياة السعادة فيها، وهي أن ينزل الإنسان في دار السلام، في الجنة دار الأبرار، في مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، لا ينزل عبد ولا أمة لا رجل ولا مرأة إلا إذا كان قد طهر نفسه وطيبها وزكاها، بأدوات التطهير والتطييب والتزكية، والله ما هي بالماء ولا الصابون، وإنما هي بطاعة الله والرسول.إذا أمر الله بأن تقول قل تلك القولة وفي لحظة وإذا هي انعكاسات على نفسك من طهارة وصفاء، إذا نهاك عن كلمة وتركتها له خوفاً منه أو حباً فيه، ما إن تتركها في تلك اللحظة وأقل من اللحظة، وإذ هي إشاعة نور في قلبك، وما ننسى القاعدة التي لا يجهلها إلا الضالون، وهي قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].وكل إلينا التزكية والتدسية أو لا؟ لأننا نحن الذين نباشر العمل الصالح والعمل الطالح، نحن الذين نعمل بالطاعة ونعمل بالمعصية، فالذين يعملون بطاعة الله ورسوله زكوا أنفسهم، طيبوها، طهروها، أصبحت قابلة للعروج والنزول في الملكوت الأعلى، والذين دسوها ولوثوها، وخبثوها وعفنوها، بمعصية الله والرسول، هؤلاء أرواحهم لا تقبل -والله- في الملكوت الأعلى، ويعرج بها ملائكة الموت، ملك الموت وأعوانه، وما إن يصل إلى السماء الأولى وهي سبع، فيستفتحون فلا يفتح لهم، وتعود إلى أسفل سافلين، ولنقرأ لذلك قول الله تعالى من سورة الأعراف: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:40-41].المجرمون والظالمون ما زكوا أنفسهم ولا طهروها، بل خبثوها ودسوها ولوثوها، من يقبلها في ذلك الملكوت الأعلى؟ وقد علق تعالى دخول هذه النفس الخبيثة إلى الجنة تعليق المستحيل، هل يعقل أن الجمل الأورق البعير الأكبر يدخل في عين الإبرة؟ مستحيل.. مستحيل.فذو النفس الخبيثة بالشرك والمعاصي والذنوب والآثام، هذه النفس الخبيثة يستحيل في حقها أن تدخل دار السلام، هذه حقيقة ينبغي لكل إنسان -ولا أقول: كل مؤمن فقط- أن يعيها ويفهمها. وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64] أي: بأمره وإعلامه بذلك، لماذا؟ لأن الله عز وجل لا يخاطب الناس واحداً واحداً ولا جماعة، وتعالى الله عز وجل على أن يسمع كلامه ويفهم مراد الله منه لأنهم أقل شأناً، فمن هنا يرسل الرسول ويوحي إليه ويكلمه وهو يبلغهم، فمن هنا ما أرسل من رسول إلا وأوجب طاعته بإذن الله؛ لأن طاعة الرسول هي: أن تعمل بمحاب الله فتزكو نفسك وتطيب وتطهر، وتتجنب مكاره الله ومساخطه فتسلم لك الطهارة، ويبقى لك الصفاء والطيب.
معنى قوله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك ...)
قال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ [النساء:64] سبق أن عرفنا أن منافقاً من منافقي المدينة، ويهودياً من يهود المدينة على عهد رسول الله قبل أن تنزل هذه الآيات، اختلفا في شأن من شئونهم، اختصما في قضية من قضايا دنياهم، فاليهودي قال: نتحاكم إلى محمد، لعلم اليهودي بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحكم بالحق، ويستحيل أن يجور أو يحيف أو يظلم، وهو يريد أن يأخذ الحق، والمنافق المشرك والعياذ بالله خاف من هذا العدل والحق فقال: نتحاكم إلى كعب بن الأشرف أو إلى فلان الكاهن، وهي زلة من أعظم الزلات.فها هو ذا تعالى يقول: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ [النساء:64] بأي ذنب؟ بالهروب من التحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو رسول الله والحاكم العام، وقل ما شئت، يكفي أنه نائب عن الله في إصدار أحكامه، وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ [النساء:64] بذاك الذنب، الرغبة عن التحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شبه كفر، ظلم. وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ [النساء:64] يا رسولنا، يأتونك إلى مسجدك، إلى روضتك، إلى بيتك، ما كان عنده صلى الله عليه وسلم قصور ولا حصون، جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ [النساء:64] أول خطوة أن يأتوا؛ لأنك صاحب الحق، فأعرضوا عنك هروباً من الحق وإحقاقه، فأولاً يأتوا بين يديك، ويستغفرون الله، يصلون إليك، ويقولون: نستغفر الله ونتوب إليه.. نستغفر الله ونتوب إليه.. نستغفر الله ونتوب إليه، ثم تستغفر لهم أنت، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ [النساء:64] ما قال كما في الأول: جاءوك، كان المفروض أن يقال: واستغفرت لهم: قال: واستغفر لهم الرسول؛ لأن هذه العظمة وهذا الجلال للرسول محمد صلى الله عليه وسلم لا من كونه محمد أو عربي، ولكن من كونه رسول الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:64] لتاب عليهم وغفر لهم ورحمهم.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.82 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.00%)]