لحظات
إذا فاتت فلا وجه لاستدراكها
وصال تقة
منذ أيام فقط كنا نتحدث عن كيفية استقبال الشهر الفضيل، وعن خطوات عملية لتثبيت العرش قبل النقش، ولتخلية القلوبِ من الشوائب قبل تحليتها بما يُحييها.
وذاك الشوق والحنين قد عانَق فضاءات الرجاء وشساعة الأمل في موسم الخيرات، ونفحة من النفحات الإلهية التي جاد بها على عباده.
ها قد مرت أيام وأيام على دخول الشهر الكريم، وها هي ذي قلوبٌ تتوجَّع لقرب رحيل بات وشيكًا، إنما ينتظر أن تلفه الأيام وتطويه الليالي ولا يبقى من الحدَثِ سوى الذِّكرى، ومن الورد سوى العبق، ومن الشجرة السامقة سوى أوراقها المتساقطة قهرًا بتعاقُب الليل والنهار.
ترانا أحسنا الصيام والقيام وعبودية مولانا؟ أم أنها كانت أمانيَّ وأحلامًا وتسويفًا وإرجاءً؟
ترى ما حال قلوبنا مع القرآن؟ وما حال أخلاقنا التي وعدنا قبيل رمضان بإصلاحها وتزكيتها وأن نريَ اللهَ منها ما يحب؟
هل كنا ممن كان كل همهم أن يسددوا ويقاربوا وأن يشكروا الله على التوفيق وأن يعتذروا منه سبحانه عن التقصير؟ أم كنا ممن غرَّهم عملهم وانشغلوا بالتباهي بكثرة الختمات وبعدد الركعات عن مجاهدة سرائرهم وتجريد نيَّتاهم لله؟
هل كنا ممن علم بقصر المَوْسم وسرعة انقضاء الفرصة وعدم تعويضها، فشحَّ بوقته وكل لحظة من يومه فلم يضيِّعْها في المباحات فضلاً عن صرفها في المحرَّمات؟
إن كان كل حظنا مما مضى تقصيرًا وتسويفًا وانشغالاً بالسفاسف، فالبَدارَ البَدارَ للإحسان فيما بقي؛ "فالموفَّق من تلمَّح قِصَرَ الموسم المعمول فيه، وامتداد زمان الجزاء الذي لا آخر له، فانتهبَ حتى اللحظةَ، وزاحم كل فضيلة، فإنها إذا فاتت، فلا وجهَ لاستدراكها"؛ اهـ (صيد الخاطر، ابن الجوزي رحمه الله).