وسائل الإعلام
الرائي (التلفزيون)
د. فهمي قطب الدين النجار
رأي آخر عن تأثير الرائي (التلفزيون):
يرى بعضُ الباحثين المُحدَثين أن الطفل السويَّ لا يتأثَّر ببرامج العنف وغيرها من البرامج السيئة في التلفزيون، وليس هو الذي يتسبَّب في انحراف الأطفال، إلا أنه يساعد المُنحرِِف بطبيعته بأن يُقدِّم له الوسيلة التي تُساعِده في تنفيذ السلوك السيئ.
أما الأطفال الأسوياء الذين تربوا في بيئة نظيفة خيِّرة، وعندهم أساس من السلوك الخير، بالإضافة إلى التوجيه المستمر من الأسرة لأبنائها، فإن هؤلاء لا يؤثِّر فيهم التلفزيون إلا تأثيرًا طفيفًا، وتربية الأسرة هي الغالبة على تأثيره.
ويَرُدُّ على هذا الرأي الدكتور إبراهيم إمام بقوله: "تأخُذ الدول الغربية في معظمها بنتائج البحوث الأخيرة التي تُهوِّن من التأثير الضار للتلفزيون على جميع الأطفال باعتبار أن الطفل العادي الطبيعي السوي هو المعيار الذي ينبغي القياس عليه، ولكن الحقيقة أن وسائل الإعلام - وخاصة التلفزيون - أصبحَت جماهيريَّة بحكم طبيعتِها، ومِن ثَمَّ فإن تأثيرها وبائيٌّ عام، ولا يُمكن القول بأن الوباء غير ضارٍّ إذا نجا منه بعض الأفراد، وحتى المريض الذي يشفى من آثار الوباء ويظلُّ مُعتدلاً أو مصابًا بمضاعفات أخرى، لا يمكن إهماله أو التهوين من شأنه.
ولا شكَّ أن إصلاحيات الأحداثِ تُعطي لنا أمثلةً حيَّةً وواقعية لضحايا المُجتمَع من التلوث الإعلامي بوجه عام، والتلفزيون بوجه خاص، صحيح أن التلفزيون ليس هو السبب الوحيد للانحِراف وجنوح الأحداث، كما أنه ليس مسؤولاً وحده عن الأمراض النفسية والعُضوية التي قد تُصيب الأطفال، ولكن لا يُمكن في الوقت نفسه إنكار أثر التليفزيون في تلوث بيئة الطفل"[14].
القيم الإسلامية للرائي:
إن برامجَ الرائي بوضعها الحالي خطرة على كلِّ قيمة إسلامية، أخلاقية وتاريخية ولُغوية، وبنظرة واحدة نُلقيها على البرامج التلفزيونية العربية، سنَجِد رُكامًا هائلاً ورهيبًا من المسلسلات والأغاني المائعة والخليعة والتمثيليات، والصور الرخيصة، والمناظر الداعرة، وحتى أفلام الكرتون المخصَّصة للأطفال وأصبَح الكبار يُشاهِدونها، لا تخلو من المناظر الفاسِدة.
ماذا نَنتظِر من هذه البرامج، سوى فِقدان القدرة على التمييز بين الخير والشر، وبين النافع والضار، بين الأخلاق القويمة والأخلاق الزائفة؟
وننظُر مرة أخرى إلى واقع التليفزيون في أكثر البلاد العربية، فماذا نجد؟
1- إن التلفزيون لا يُقدِّر رجالَ الأمة من العلماء والمُهندِسين والأطباء وأساتذة الجامعات بقدر تقديره (للفنانات) والراقصين والراقصات، ونجوم الكرة والمُطرِبين والمُطرِبات، الذين يَحتفِل بهم دائمًا، ويُهيِّئ لهم المقابلات التلفزيونية في أجواء جذَّابة براقة تَخلب الألباب، بشكل يجعلهم قدوةً للجيل التليفزيوني.
2- إن البطل في تصوُّر جيل التليفزيون ليس هو الرجل المؤمن المُجاهِد، الذي لا يَخاف الموت، الجريء في الحق، مِن أمثال الصحابة والتابعين وأبطال الإسلام على مرِّ الزمان، بل هو من أبطال الأفلام والمسلسلات كما يُطلِق عليهم مُخرِجو الأفلام، الذين يقومون بأدوار خليعة، فاسدة، أو بأدوار مُجرمين يَقتلون الناس.
3- المسلسلات التليفزيونية، في معظمها تُظهِر المُمثلات الفاسِدات بأبهى صورة وكذلك المُمثلون، بينما تُظهِر رجال الإسلام من العلماء إن اضطروا لإظهاره - أو هم قاصِدون إظهاره - بأسوأ منظَر، وأسوأ سلوك، وكأنهم يقولون للمُشاهد: هؤلاء قدوتُنا ونماذجنا للحياة، لا أولئك!
4- أكثر المسلسلات تدور حول الحب والعِشق، بين الشباب والشابات مِن طلبة الجامِعات، وتُظهِر الاختلاط في النوادي والمُنتزهات؛ لتُعوِّد المشاهِدين على هذه المناظر، ويتقبَّلها على أنها لا بدَّ منها، وإن كانت حرامًا.
5- كثير من العادات السيئة، والأمور المُحرَّمة، يُبرِزها التلفزيون أثناء التمثيليات؛ مثل: (شرب الخمر والتدخين، وإطالة الشعر على هيئة الهيبيين)، وثبَتَ أن الشباب يُقلِّد فسقةَ المُسلسَلات في هذا.
6- تَشيع في التلفزيون القيمُ السلوكية الفاسدة؛ مثل (الكذب، والخداع، والتآمُر على الآخرين، والغيبة والنميمة بين النساء)، عن طريق الإعلانات والمُسلسلات التمثيليَّة، فيعيش عليها الأطفال والشباب، ونجد الصعوبة بعد ذلك في غرْس القيم الإسلامية الأصيلة في نفوسِهم.
7- اللغة العامية والسوقية التي يَستخدِمها التلفزيون في التمثيليات والمسلسلات يُقلِّدها الأطفال، وخاصة ما يُرافِقها من حركات مائعة وسلوك شائن، ويُردِّدها الأطفال في البيت والشارع والمدرسة، ولا تُجدي نصائح الأبوَين والمُعلِّمين في ترْك هذه الألفاظ؛ لأن التأثير التراكمي للتلفزيون أقوى أثرًا وأبعد مدى.
8- تزوير التاريخ الإسلامي في كثير من المسلسلات التاريخية، ويَصدُر هذا إما عن نيَّة خبيثة، وهذا هو الأرجح ما دام القائمون على التلفزيون بعيدين عن الإسلام وتصوراته، وإما لتلميع بعض المواقف - بنظرهم - حيث يجب ألا يَخلو الموقف التاريخيُّ أو المسلسل من مواقف الحب والغرام، والأمثلة على هذا كثيرة جدًّا؛ إذ إن كل المسلسلات التاريخية لا تخلو من هذا الأمر.
9- بعض المسلسلات تَخدم العدو اليهودي أكثر مما يُراد من إظهار قسوة العدو وتعذيبه وسجنِه بطريق غير مباشر، وخاصة تلك المسلسلات التي يظهَر فيها العدو وهو يُقدِّم أعداءه الفلسطينيِّين إلى المحاكم القضائية، مع حرية الدفاع عن أنفسهم، ونصْب المحامين لذلك، وتبرئة البعض وسجن البعض الآخر، وهذا تلميعٌ لوجه العدو.
10- وحتى البرامج المخصَّصة أصلاً للأطفال، مثل أفلام (الكرتون) أو القصص الأجنبية المُترجَمة، نجدها لم تُنتَج للأطفال المسلمين، وإنما لأطفال الغرب، بل إن المجتمع الغربي ذاته نبذ أنواعًا كثيرة منها، مثل أفلام الخيال العِلمي المثيرة، بل أفلام الفضاء، والقتال الدائر في الفضاء... إلخ، وتبيَّن للعلماء ضررُها في تخريب نفسية الأطفال؛ إذ تُسوِّغ أعمال العنف في نفوسهم، وتجعلهم يتعوَّدون عليها، فضلاً عن الاستغراق في الخيال وضرره على الأطفال، بالإضافة إلى كثير من أفلام الرسوم المتحرِّكة (الكرتون) تتضمَّن قصص الحب والغَرام، حتى بين الكلاب والحَيوانات الأخرى، والقتال مِن أجْل الأنثى، واللصوصيَّة والاحتيال والكذب وغيرها من الصفات غير الأخلاقية، فهل يدعونا هذا إلى إعادة النظَر فيها؟
يتبع