التسليم لله وإحسان العمل هو سبيل الوصول إلى الله
إذاً: أسكتَ الله كل من ادعى أنه على الدين الحق، وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [النساء:125]، أي: ووحد الله في عباداته كلها، عقائد وأقوالاً وأفعالاً؛ لأن ملة ودين إبراهيم قام على أساس ألا يُعبد إلا الله، فهو مال عن كل العبادات، وأعرض عن كل الآلهة والباطل إلى الحق فقط.واستعرضوا مواقف إبراهيم في القرآن، قال تعالى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67]، وهذا رد على اليهود والنصارى لما ادعوا أنهم على ملة إبراهيم، وأن إبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً، إذ أين اليهودية والنصرانية؟ بينهم وبين إبراهيم أكثر من ألفين سنة، لكن أكبتهم الله وأخزاهم بقوله: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا [آل عمران:67]، إذ ما كانت اليهودية إلا على عهد موسى، فكيف كان إبراهيم يهودياً أو نصرانيا؟ فهذه ردود الله تعالى على دعاوى اليهود والنصارى.والشاهد عندنا هو قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:26-28].فإبراهيم كان حنيفاً مسلماً ووالله ما كان من المشركين، وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [النساء:125]، فأولاً وقف حياته على الله عز وجل، فلا يتزوج إلا لله، ولا يطلق إلا لله، ولا يطلب وظيفة إلا لهه، ولا يترك وظيفة إلا لله تعالى.واقرءوا لذلك قول الله عز وجل: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، وهذه الآية قد سميناها آية الوقفية، إذ إن حياة المؤمن وقف على الله تعالى، وكما قدمنا ازرع واحصد من أجل الله، وابن واهدم من أجل الله؛ إذ حياتك كلها لله، وهكذا أمر الله رسوله أن يعلنها ليتبعه أتباعه والمؤمنون به، إِنَّ صَلاتِي [الأنعام:162]، ويدخل فيها كل العبادات، وَنُسُكِي [الأنعام:162] كذلك، وإن كان المراد به الذبح لله، فكل العبادات نسك؛ لأنها تطهر النفس وتزكيها، وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي [الأنعام:162]، هل بقي شيء؟ لا، لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162].قال: وَهُوَ مُحْسِنٌ [النساء:125]، أتدرون ما الإحسان؟ هل الإحسان يعني التصدق على الفقراء والمساكين؟ اليهود والنصارى يتصدقون! إذاً ما هو الإحسان؟ الإحسان فسره لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل: ما الإحسان يا رسول الله؟ فقال: ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه )، فإن عجزت ولم تكن تراه فلتعلم أنه يراك، فهاتان مرتبتان، الأولى عليا والثانية دنيا، فإن عجزت عن الأولى فلا تفوتك الثانية، فإذا توضأت وكأنك تنظر إلى الله لينظر إلى وضوئك كيف يتم، ولما تكبر وتدخل في الصلاة صل كأنك تنظر إلى الله وأنت تصلي أمامه، فلا تستطيع أن تلتفت بعينك وأنت مع الله، ومن ثم تحسن أداء العبادة، ولا تغشها ولا تدخل فيها ما ليس منها، والذي يدخل العبادة وليس من هذا النوع فلن يستفيد شيئاً.( أن تعبد الله كأنك تراه )، لما يختبرك المعلم كيف يكون حالك ساعة الاختبار؟ تجتهد في أن تؤدي ذلك العمل على ما يحب هذا المختبر، وذلك خشية أن تخيب وتخسر، ولذلك لو عرفنا هذا وكنا من أهله ما نزلنا من علياء السماء إلى هذه الأرض.قال: وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [النساء:125]، أي: مائلة عن كل ألوان الباطل وصنوف الشرك والضلال إلى الحق المبين وهو عبادة الله وحده، وأخيراً: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [النساء:125]، وما دام الله قد جعله خليلاً له إذاً فملته من أكمل الملل وأعظمها؛ لأن الله اتخذ صاحب هذه الملة خليلاً له.
إخبار الله سبحانه عن سعة ملكه وعلمه وقدرته
ثم قال تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [النساء:126]، لا تفهموا أن الله محتاج إلى إبراهيم، فلهذا صاحبه وأحبه واتخذه خليلاً! والخليل من تخلل حبه قلب المحبوب، فإبراهيم تخلل حبه قلبه، والدليل على أن الله ما اتخذ إبراهيم خليلاً لحاجته إليه وافتقاره إليه: أن له ما في السموات وما في الأرض، والذي يملك ما في السموات والأرض يزاحمك على غرفة أو على سيارة؟! وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا [النساء:126]، احتراس من أن يقال: إذاً الله في حاجة إلى إبراهيم، فقد اتخذه خليلاً له ليعينه أو يساعده، فهذا الكلام باطل؛ لأن الله ليس بعاجز وليس بمحتاج أو فقير، بدليل أن له ما في السموات وما في الأرض، وهو بكل شيء محيط؛ لعظم ذاته وقدرته.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
والآن بعدما درسنا هذه الآيات فهيا نسمعها من التفسير؛ ليتأكد علمنا الذي علمناه بإذن الله تعالى.
معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ روي أن هذه الآية: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123] نزلت لما تلاحى مسلم ويهودي وتفاخرا ] والملاحاة: كلمة من هذا وكلمة من هذا، قال: [ فزعم اليهودي أن نبيهم وكتابهم ودينهم وجد قبل كتاب ونبي المسلمين ودينهم فهم أفضل، ورد عليه المسلم بما هو الحق، فحكم الله تعالى بينهما ]، أي: اختصما فحكم الله بينهما، [ بقوله: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123]، أيها المسلمون، وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ]، وإنما مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:123].قال: [ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123] من يهود ونصارى، أي: ليس الأمر والشأن بالأماني العذاب، وإنما الأمر والشأن في هذه القضية ] هو [ أنه سنة الله تعالى في تأثير الكسب الإرادي على النفس بالتزكية أو التدسية، فمن عمل سوءاً من الشرك والمعاصي، كمن عمل صالحاً من التوحيد والطاعات يجز بحسبه، فالسوء يخبث النفس فيحرمها من مجاورة الأبرار، والتوحيد والعمل الصالح يزكيها فيؤهلها لمجاورة الأبرار ويبعدها عن مجاورة الفجار ]. مرة أخرى، قال: [ وإنما الأمر والشأن في هذه القضية أنه سنة الله تعالى في تأثير الكسب الإرادي ]، ما معنى الكسب الإرادي؟ أن تعمل العمل وأنت واع لست بسكران ولا مجنون ولا نائم، أما الخطأ والنسيان والنوم والجنون فلا يؤاخذ به الإنسان إن عمل عملاً، فالكسب الإرادي هو الذي يسلب إرادتك.قال: [ في تأثير الكسب الإرادي على النفس ] بماذا؟ [ بالتزكية أو التدسية ] فإذا كانت الكلمة طيبة أنتجت حسنة، وإن كانت الكلمة خبيثة أنتجت سيئة، وكذلك كل حركة يعملها الإنسان.قال: [ فمن عمل سوءاً من الشرك والمعاصي، كمن عمل صالحاً من التوحيد والطاعات يجز بحسبه ] أي: بحسب عمله، [ فالسوء يخبث النفس فيحرمها من مجاورة الأبرار ] في الدار الآخرة، [ والتوحيد والعمل الصالح يزكيها فيؤهلها ] ويعدها [ لمجاورة الأبرار، ويبعدها ] في نفس الوقت [ عن مجاورة الفجار ] والكفار.قال: [ وقوله تعالى: وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:123]؛ لأن سنن الله كأحكامه لا يقدر أحد على تغييرها أو تبديلها، بل تمضي كما هي، فلا ينفع صاحب السوء أحد، ولا يضر صاحب الحسنات أحد. فقوله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [النساء:124]، فإنه تقرير لسنته تعالى في تأثير الكسب ]، أي: العمل [ على النفس والجزاء بحسب حال النفس زكاة وطهراً وتدسية وخبثاً، فإنه من يعمل الصالحات وهو مؤمن تطهر نفسه ذكراً كان أو أنثى، ويتأهل بذلك لدخول الجنة، ولا يظلم مقدار نقير فضلاً عما هو أكثر وأكبر. وقوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [النساء:125]، إشادة منه تعالى وتفضيل للدين الإسلامي على سائر الأديان؛ إذ هو قائم على أساس إسلام الوجه لله، وكل الجوارح تابعة له تدور في فلك طاعة الله تعالى مع الإحسان الكامل، وهو إتقان العبادة وأداؤها على نحو ما شرعها الله تعالى، واتباع ملة إبراهيم بعبادة الله تعالى وحده والكفر بما سواه من سائر الآلهة.وقوله تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [النساء:125]، فيه زيادة تقرير فضل الإسلام الذي هو دين إبراهيم الذي اتخذه ربه خليلاً.وقوله تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا [النساء:126]، زيادة على أنه إخبار بسعة ملك الله تعالى وسعة علمه وقدرته وفضله؛ فإنه رفعٌ لما قد يتوهم من خلة إبراهيم أن الله تعالى مفتقر إلى إبراهيم أو أنه في حاجة إليه، فأخبر تعالى أن له ما في السموات والأرض خلقاً وملكاً، وإبراهيم في جملة ذلك، فكيف يفتقر إليه أو يحتاج إلى مثله وهو رب كل شيء ومليكه؟! ].
لطيفة
لطيفة: فاز إبراهيم عليه السلام بالخلة، فهل هناك خليل للرحمن سوى إبراهيم؟ نعم وهو رسولنا صلى الله عليه وسلم. قال: [ وقد شرُف بالخلة محمد صلى الله عليه وسلم ]، والخلة هي الحب الذي يتخلل القلب ويسري في كل أجزائه.قال: [ وقد شرف بالخلة محمد صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين ] أي: البخاري ومسلم، [ أنه صلى الله عليه وسلم خطبهم آخر خطبة ] أي: خطب المؤمنين آخر خطبة في حياته، [ فقال: ( أما بعد: أيها الناس! فلو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر بن أبي قحافة خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله ) ]. أتعرفون أبا بكر ؟ ملايين من إخوانكم المسلمين يكفرونه ويبغضونه ويلعنونه، ويتقربون بذلك إلى الله! فأي عمى أكثر من هذا العمى؟! وأي موتٍ أعظم من هذا الموت؟! ولا يسألون ولا يفكرون بعقولهم، إذ إن أبا بكر هو صاحب رسول الله في الغار، والشاهد عندنا هو الجهل الذي غطى هذه الأمة وعماها وأضلها.
هداية الآيات
والآن مع هداية هذه الآيات الأربع، قال المؤلف: [ من هداية الآيات: أولاً: ما عند الله لا ينال بالتمني ولكن بالإيمان والعمل الصالح أو التقوى والصبر والإحسان ]، وأخذنا هذا من قول الله تعالى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123]. قال: [ من هداية الآيات: أولاً: ما عند الله ]، أي: من النصر والفوز، ومن النعيم المقيم في الجنة، [ لا ينال بالتمني، ولكن بالإيمان والعمل الصالح ]، وإن شئت فقل: [ أو التقوى والصبر والإحسان]، وأخذناها هذا من قوله تعالى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123]، بل مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:123]. قال: [ ثانياً: الجزاء أثر طبيعي للعمل ]، فلو تأخذ إبرة وتغرزها في لحمك فإنك تتأذى، ولو تشرب سماً فإنك تهلك، ولو تقوم الآن وتسب أحد الإخوان فإنه سيرد عليك، إذاً فالجزاء أثر طبيعي لا يتخلف أبداً، [ وهو معنى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ [النساء:123-124].ثالثاً: فضل الإسلام على سائر الأديان ]، وأخذنا هذا من قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [النساء:125]، فمن يسلم وجهه لله سوى المسلم؟ المسلم الذي يعطي قلبه ووجهه لله، وكل حياته وقف على الله عز وجل حتى يموت، وفي نفس الوقت هو موحد لا يلتفت إلى غير الله، ولا يعرف من يدعوه أو يناديه أو يستغيث به غير الله، فهو على ملة إبراهيم عليه السلام.قال: [ رابعاً: شرف إبراهيم عليه السلام باتخاذه ربه خليلاً ]، وسبب اتخاذ ربه له خليلاً أنه أول من هاجر في سبيل الله، فترك دياره وأهله وأولاده وأمواله، وذلك لما حُكِم عليه بالإعدام فنجاه الله وسلمه، وقال: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات:99-100]، وترك أرض بابل والعراق واتجه غرباً حتى وصل إلى مصر، وهذه واحدة، والثانية: أنه امتحن بأن يبني لله بيتاً في جبال فاران، وأعظم من هذه أن الله ابتلاه بأن يذبح ولده، فهل تردد إبراهيم؟ لا والله، بل أخذت هاجر إسماعيل وطيبته وألبسته أحسن الثياب، ثم أتى به إبراهيم إلى منى وتله على جبينه على الأرض والمدية في يده وأراد ذبحه؛ لأن الله أمره بذلك. قال: [ خامساً: غنى الله تعالى عن سائر مخلوقاته، وافتقار سائر مخلوقاته إليه عز وجل ]، وأخذنا هذا من قول الله تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا [النساء:126]، والله تعالى أسأل أن يرد إخواننا وأمتنا إلى كتاب الله عز وجل، فيجتمعون عليه في مساجدهم ويتعلمون الكتاب والحكمة، فتنتهي المذهبية والفرقة والعنتريات وأوضار الحياة وأوساخها؛ إذ والله لا نجاة إلا بهذا، إما أن نعود إلى كتاب الله وسنة رسوله بصدق، فإذا أذن المغرب لن تجد رجلاً في الأسواق ولا في الشوارع ولا في البيوت، إذ كل المؤمنين في بيت ربهم، وطول العمر وهم كذلك، فهل يبقى جاهل؟ لا والله، بل إذا انتفى الجهل لا يبقى الظلم والشر والخبث، ولا حيلة إلا هذه، ولنذكر أن الشيوعية لما بدأت كانت تلزم المواطنين بأن يجتمعوا حتى في الصحراء ليتلقوا معارف البلشفية الحمراء، حتى في عدن فعلوا بهم هذا، ونحن يؤذن المؤذن لصلاة فتجد هذا يغني، وهذا يلعب، وهذا يرقص، إذاً فكيف نرجع إلى الله؟ مستحيل بدون علم، إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، ومن شك فلينظر أعلمنا في أي قرية أتقانا لله عز وجل والله العظيم، وأجهلنا بالله أخبثنا، أتريد بياناً أعظم من هذا؟فهيا نعود على الله تعالى، ما نستطيع، لم؟ مقيدون مكبلون؟! لا والله، وإنما شهواتنا وأطماعنا وشياطيننا، وإلا فالأصل أنه إذا دقت الساعة السادسة توضأ واحمل زوجتك وأولادك إلى المسجد القريب منك، وصلوا المغرب واجلسوا جلوسنا هذا لتتعلموا الكتاب والحكمة، وعند ذلك لا يبقى جاهل أو ظالم، وهذا هو الطريق، فاللهم اهد هذه الأمة إليه.وصلى الله على سيدنا محمد.