عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 23-05-2021, 03:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,215
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كفكفة لـ "دموع الرجال"

فَمَا قِيمَةُ الأَوْطَانِ بَعْدَ مَمَاتِنَا

إِذَا كَانَتِ الدُّنْيَا مَمَرًّا وَمَعْبَرَا






وتكبر المصيبة مع كبر الفقيد:



وَمَنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا كَبِيرًا فَفَقْدُهُ

يَكُونُ لَنَا مِنْ كُبْرَيَاتِ المَصَائِبِ







ولن أطيل في هذه الأمور، التي يُشارك فيها غيره من شُعراء الرِّثاء، ففي ما تَميَّز به منهم كفاية.



رثاء الغوطة:

فها هو يرْثِي غوطة دمشق، فهي حبيبةٌ إلى قلبه، سعِد بِجمالِها، وتعلَّم الهوى من نسيمِها العليل، وكم اتَّكأ على مروجِها الخضراء، وكم سمِع تغريدَ طيورِها، وخريرَ شلاَّلاتِها الصَّغيرة، وكم تنشَّق عبيرَها، واستلذَّ ببرودة مياه أنْهارها، ولكنَّ كلَّ هذا الجمال والرَّوعة، قضت عليه وحشيَّة البشَر المتمدين، الذين استبْدلوا بكلِّ ذلك بنايات من الإسمنت المسلَّح، فدفنوه تَحت شواهق جدرانِها وسقوفها.



ويستعرض ما فيها من الأشْجار المُثْمِرة، والبلدان التي اشتهر كلٌّ منها بنوع من هذه الثِّمار، فالورد الدوماني (دوما)، والعنب الداراني (داريا)، والمشمش الكسواني (الكسوة)، والتوت الشامي.



أَمْ ذِي قَنَادِيلُ الثِّمَارِ تُضِيءُ بِال

عِنَبِ اللَّذِيذِ الفَاخِرِ الدَّارَانِي؟




بِالتُّوتِ وَالدَّرَّاقِ وَالخُوخِ انْثَنَتْ

أَغْصَانُهُ بِالمِشْمِشِ (الكسْوَانِي)




وَاسْتَنْزَعُوا (بَرَدَى) فَجَفَّ مَعِينُهُ

أَيَعِيشُ قَلْبٌ دُونَمَا شُرْيَانِ؟!




قَدْ مَاتَ مَشْنُوقًا كَمَيْتَةِ مُجْرِمٍ

فِي (المرْجَةِ) العَطْشَى عَلَى الشُّطْآنِ







بَل مات مسمومًا بما قذفوا فيه من نَجاسة الإنسان والحيوان، وسرى هذا السُّم إلى كل الحدائق الغنَّاء التي كانت تمتدُّ على جانبيْه، فتملأ الأرْض على رحبها، ولم يكْتَفوا بذلك:



طَرَدُوا الفَرَاشَاتِ الَّتِي دَأَبَتْ عَلَى

تَوْزِيعِ بَهْجَتِهَا بِكُلِّ مَكَانِ




طَرَدُوا الهَزَارَ، فَمَا سَمِعْتَ بِقَفْرِهَا

إِلاَّ نَعِيقَ البُومِ وَالغِرْبَانِ







وحلَّ مكان هذه الأصْوات العذْبة صريرُ المنشار يقطع الأشجار، وهدير الحفَّارات تشق الأرض، والخلاطات تغرس فيها الأسمنت والحديد؛ لعلَّه ينبت بدلاً من الأشجار!



والمجرمون بحقِّ البيئة والطبيعة أحالوها إلى مصانع ومساكن شاحبة تفتقد الحياة والحيويَّة، وبدلاً من أن يعمروا الأرْض الجرْداء، حوَّلوا الجنان إلى صحاري، لا شجَر فيها ولا ماء.



نَامَتْ نَوَاطِيرُ الكُرُومِ فَعَرْبَدَتْ

فِيهَا الثَّعَالِبُ مِنْ بَنِي (البُنْيَانِ)







وتبدو الغوطة ودمشق في عيْنَي الشَّاعر امرأةً جميلة في أوْج صباها، بخدَّيها المتورِّدين، وببراءة نظراتِها وصفاء نقيبتِها، وتعرُّضها للموت، بِموت شريانِها (بردى) وانتحاره، وارتِكاب البشر بِحقِّه وحقِّها جريمة الوأد والإعْدام.



ويَختِم قصيدتَه ببيت هو القمَّة فيها، فهذا الدَّمار أفقدها جمالها وروعتَها وأمنها، فدمارها وفقْدها هذا الأمنَ متلازمان، وما حلاَّ بِها إلا لفقد البشر الإيمان، ولا عودة لأمنها وجمالها إلا بالعودة إلى الإيمان:



غَابَ الأَمَانُ لِغَيْبَةِ الإِيمَانِ فَانْ

تَظِرُوا رُجُوعَ الأَمْنِ وَالإِيمانِ







رثاء قصيدة:

ومن ألْطف ما في ديوانه رثاؤه لقصيدة له! أرْسلها إلى إحدى المجلات لترى فيها الحياة، وتَخرج إلى النَّاس في أبهى زينتِها، ولكنَّها قطَّعت أوصالَها، وغيَّرت كلماتٍ فيها، فساءت معنى ومبنى وموسيقى، بل ماتت وأصبحتْ جثَّة هامدة مشوَّهة، دفنت بقاياها على صفحات تلك المجلَّة، فهال منظرُها صاحبَها، فهي فلذة منه، رواها بدمه، وغذَّاها بفؤاده، وكساها من سندس الضَّاد وآيات القُرآن، وحلَّق بها في الخيال، فكانت عنده غادة، ازَّينت وتبخْترت بين قصائِدِه، ولكنَّها استحالت جثَّة شوهاء على يد صديقِه الذي سامها خسفًا، من غير أن يأخذ رأي صاحب القصيدة، فرثاها صاحبها:



حَسْنَاءُ أَلْبَسَهَا القَرِيضُ بَهَاءَ

كَيْفَ اسْتَحَالَتْ جُثَّةً شَوْهَاءَ؟




حَوْرَاءُ كَحَّلَهَا (الذَّكِيُّ) كَأَنَّهُ

يَهَبُ الجَمَالَ، فَأَصْبَحَتْ عَمْيَاءَ
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.84%)]