عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 23-05-2021, 03:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,819
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كفكفة لـ "دموع الرجال"

وينهال على صديقه هذا تقريعًا ولومًا على ما ارتكبه في حقِّ قصيدته:



يَا مَانِحَ الجِسْمِ الصَّحِيحِ دَوَاءَهُ

احْفَظْ دَوَاءَكَ إِنْ أَرَدْتَ شِفَاءَ







لأنَّ هذا الدَّواء وهذا التَّعديل والتغيير في القصيدة، وإن ناسب هذا الصديق، هو سمُّ قاتل تغلغل في ثنايا القصيدةِ، وأضْعف أعضاءَها وشوَّهها.



فَارْحَمْ قَصِيدَتَنَا وَلا تَعْرِضْ لَهَا

وَانْظِمْ هُنَاكَ قَصِيدَةً عَصْمَاءَ




لَيْسَ البَرَاعَةُ أَنْ تُهَدِّمَ شَامِخًا

إِنَّ البَرَاعَةَ أَنْ تُقِيمَ بِنَاءَ







رثاء المفاهيم والقيم:

وقد تفرَّد شاعرُنا أبو أنس بِرِثاء أصنافٍ أُخرى لم يشاركه فيها أحد، فقد خصَّ عدَّة مفاهيم وقيم إنسانيَّة بقصائد رثائيَّة، عندما وجد هذه القِيَم والمفاهيم تتلاشى وتَموت في مُجتمعاتِنا العربيَّة والإسلاميَّة، وتحلُّ مكانَها المادِّيَّة والأثرة، فرثى "الأُخُوَّة"، و"الحياء"، و"الأمل"، و"الرُّجولة"، وبكى "الرَّحيل"، و"الغربة".



ففي رثائِه للأخوَّة، يمثِّل نفسه بلبلاً صدَّاحًا، أعرض عنه أصحابُه، مع أنَّ وشائجَ القُرْبى والدِّين واللُّغة تشدُّه إليْهِم، ومع ذلك تَجاهلوه وأهْملوه وعدُّوه غريبًا عنهم:



كَيْفَ عَدُّونِي غَرِيبًا وَأَنَا

مُسْلِمُ الدِّينِ وَأَرْضِي عَرَبِيَّهْ؟!




أَتُرَاهُمْ وَجَدُوا فِي لَهْجَتِي

لُكْنَةً مَدْخُولَةً أَوْ أَعْجَمِيَّهْ؟







ويتعجب من إعراضِهم عن إنشادِه مع أنَّه يصدر عنه بلا مقابل:



فَلِمَاذَا أَعْرَضَ الصَّحْبُ فَلَمْ

يَطْرَبُوا مِنْ عَزْفِ أَلْحَانِي الشَّجِيَّهْ؟




أَيَضُوعُ العُشْبُ لَمَّا يُشْتَرَى

وَيَضِيعُ الوَرْدُ إِنْ جَاءَ هَدِيَّهْ؟!







ويَختم رثاءه لهذه الأخوَّة التي طُعِنت فسالت دماؤُها:



نَزَفَ الجُرْحُ فَسَالَتْ دَفْقَةٌ

فَوْقَ أَوْتَارِي وَلِلنَّزْفِ بَقِيَّهْ







وفي رثائه للرُّجولة في أسواق النِّخاسة، يرى أنَّ الأسواق غَلَتْ فيها الأشياء المادِّيَّة ورخصت الرِّجال، فصرتَ عاجزًا عن شراء الخضروات لغلاء ثَمنها، ولم يبقَ رخيصًا أمامك إلا البشر،

فأنت:



لا تَشْتَرِي فُجْلاً وَلا بَصَلاً

لا تَشْتَرِي خَسًّا وَلا جَزَرَا







فإذا رغبت في الشِّرَاء وأنت قليلُ ذات اليد، فاشتَرِ الرِّجال فهُم أرخص من الخضروات، وأسعارُهم مغرية!



إِنْ شِئْتَ شَيْئًا هَانَ مَطْلَبُهُ

شَيْئًا رَخِيصًا فَاشْتَرِ البَشَرَ







وهؤلاء الرجال فيهم المكار والكذاب، والمزوِّر والمرتشي، وباعة الأوطان وفاقدو الدين، وهم مع رخص أسعارهم يشكِّلون بضاعة فاسدة، لا تستحقُّ أن يدفع فيها أي ثمن، لذلك:



دَعْ هَذِهِ الأَشْكَالَ تَنْسِفُهَا

هَوْجَاءُ تَمْحُو الزَّيْفَ وَالقَذَرَا







ولم يبْقَ يستحقُّ الوصْف بالرُّجولة إلا مَن يَخوض المعارك البطوليَّة والتضحيات في كابول والقُدس، وفي سجون الظالمين والمستعمرين، وفي مَحاريب العابدين، فهم الذين يعلِّق عليهم الآمال، ويراهم نُجومًا تضيء للسَّارين دروبَهم:



يَا أَيُّهَا النَّجْمُ الصَّغِيرُ أَضِئْ

دَرْبَ الأَمَانِي بَعْدَمَا اعْتَكَرَا

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.89 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.92%)]