عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25-05-2021, 03:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,379
الدولة : Egypt
افتراضي رد: جولة في ديوان "من يطفئ الشمس؟!"

ولا يفوته أن يغْني قصيدتَه بأشطُر من بائيَّة شوقي التي سارتْ بها الركبان، وترنَّمت بسماع أدائها الآذان: "أَبَا الزَّهْرَاءِ قَدْ جَاوَزْتُ قَدْرِي" "وَمَا نَيْلُ المَطَالِبِ بِالتَّمَنِّي" "وَمَا اسْتَعْصَى عَلَى قَوْمٍ مَنَالُ".







وهكذا يا رسول الله:





سَتَبْقَى النُّورَ مَا بَقِيَ الزَّمانُ

وَمَا زَانَ الرِّياضَ الأُقْحُوَانُ




وَمَا طَلَعَتْ عَلَى الآفَاقِ شَمْسٌ

وَمَا صَدَحَ الْمُؤَذِّنُ وَالْأَذَانُ












إخوانياته:



وفي إخوانياته أَثنى على عدد من زملائه ومعارفه، وهجا بعض مَن أساء إليه بغدره وقِلَّة وفائه، وداعَب آخرين بروح مَرِحة، ورثى مَن أدركهم الموتُ من الشخصيات الإسلامية المتميِّزة في الفكر الإسلامي والأدب والصحوة، ويُكِنُّ لهم المحبَّة والتقدير؛ منهم: محمود شاكر، وعبد العزيز بن باز، وعلي الطنطاوي، وكذلك رثى أخاه ووالدته.







رثاؤه لأمه:



وفي رثائه لوالدته تتفجَّر مكامن العاطفة في صدره، ويحزُّ في قلبه أنه لم يتمكَّن من رؤيتها قبل أن يبعدها عنه الرَّدى، فقد اضطرَّته الظروف إلى أن يقيم في المملكة بعيدًا عنها في بلده دير الزور في سورية، فيقول:





قَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَضُمَّ ثَرَاكِ

وَتَرَيْنَنِي قَبْلَ الرَّدَى وَأَرَاكِ




وَأُقَبِّلُ الْكَفَّ الطَّهُورَ مُتَمْتِمًا

بِالْآيِ آمُلُ أَنْ أَحُوزَ رِضَاكِ












ولكن يشاء الله - الذي لا رادَّ لقضائه - أن تقضي أمُّه وهو بعيد عنها؛ فيعيش في حسرتين: حسرة بُعده عنها، وحسرة وفاتها من غير أن يراها وينام بين يديها هانئًا سعيدًا كأنه طفل رضيع، وإن كان قد بدأ الشيب يغزو رأسه، وكان هذا المقطع الأول من القصيدة مفعَمًا بالحب والتَّوق إلى أمه:





وَأَنَامُ بَيْنَ يَدَيْكِ نَوْمَةَ هَانِئٍ

وَكَأَنَّنِي وَبِيَ الْمَشِيبُ فَتَاكِ




وَكَأَنَّنِي الطِّفْلُ الَّذِي رَضَعَ الْهُدَى

وَالدُّرَّ مِنْكِ وَدِفْأَهُ وَحَجَاكِ












ويرنو إلى وجهها موزِّعًا نظراته فيه فلا تشبع عينه من هذا التمتُّع، ويتبادل مع أمه نظرات السعادة والغِبطة:





وَتَجُولُ فِي الْوَجْهِ الْمُكَرَّمِ مُقْلَتِي

وَتَجُولُ فِيَّ سَعِيدَةً عَيْنَاكِ












وكل هذه الأماني طواها الرَّدى، وسبقته أمه في رحلتها الأبدية التي لا مفرَّ لأحد منها:





لَكِنْ سَبَقْتِ، وَكُلُّنَا فِي رِحْلَةٍ

يَجْتَازُهَا الرَّاضِي بِهَا وَالشَّاكِي












ولذلك يعود إلى ذكرياته معها لعلَّه يجد فيها ما يُسَلِّي به نفسه عن هذه الخسارة الفادحة، وأجلُّ هذه الذكريات مقابلته لها في حجها إلى الديار المقدَّسة، وهو فيها مقيم، فتُورِق فرحته ويتحقَّق حلمها برؤية ولدها وهي تمتطي إليه شوقها القديم، فيغمرها الرضوان وتبكي فرحًا لهذا اللقاء ولتأديتها الحج وهو أكبر أمنيَّاتها، ويشير إلى صبرها على ما لاقته من عَنَت الظالمين، حتى أراحها من أهوالهم الموت:





وَصَبَرْتِ وَالْأَهْوَالُ حَوْلَكِ جَمَّةٌ

صَبْرَ الْحَرَائِرِ فْي الْأَذَى الْفَتَّاكِ




حَتَّى لَقِيتِ الْمَوْتَ مُنْيَةَ وَامِقٍ

فَأَتَيْتِهِ مُشْتَاقَةً وَأَتَاكِ












ولا يفوت شاعرَنا في هذه القصيدة أيضًا أن يستحضر ما يتردد على أذهان السامعين وآذانهم، وألسنتهم من شعر ردَّدته الحناجر الندية فيُضمِّن منها "وَالذُّكْرَيَاتُ صَدَى السِّنِينِ الْحَاكِي" لأمير الشعراء شوقي.







فليتغمد الله برحمته هذه الأمَّ الحنون الصابرة على بُعد ولدها، وليلطف الله بهذا الولد البارِّ الذي عزَّ عليه اللقاء بأمه وصعب عليه فراقها الطويل فيصيح:





أُمَّاهُ، إِنْ عَزَّ اللِّقَاءُ وَفَاتَنِي

فَغَدًا يَطِيبُ عَلَى الْجَنَانِ لِقَاكِ

يتبع







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.83 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]