عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 03-06-2021, 04:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها

صــ 1إلى صــ 18
الحلقة (22)

أورد أبو داود رحمه الله باب السواك.وذلك بعد أن أورد أبو داود رحمه الله التراجم المتعلقة بالاستنجاء والاستجمار وآداب قضاء الحاجة، وهي أبواب متعددة تتعلق بآداب قضاء الحاجة وبما يكون به إزالة أثر الخارج بعد ذلك، ثم انتقل إلى الطهارة وإلى الوضوء وكذلك تطهير الفم وتنظيفه حتى تكون رائحته طيبة، وذلك باستعمال السواك،
وقد جاء في سنن النسائي أنه قال عليه الصلاة والسلام: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)، فالسواك فيه فائدة دنيوية وهي كونه مطهرة للفم، وفيه فائدة دنيوية وأخروية وهي أنه مرضاة للرب؛ لأن رضا الرب عز وجل فيه الفوائد الدنيوية والأخروية، وفيه سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، فالنبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث بين الفائدة والحكمة من مشروعية السواك، وأن فيه طهارة ونظافة ونزاهة ورائحة طيبة،
وفيه رضا الله سبحانه وتعالى حيث قال عليه الصلاة والسلام: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب).وهذا الحديث فيه الجمع بين ذكر الفائدة العاجلة والآجلة؛ لأن الفائدة العاجلة هي في كونه مطهرة للفم، والفائدة العاجلة والآجلة هي كونه مرضاة لله سبحانه وتعالى؛ لأن مرضاة الله عز وجل فيها الفوائد العاجلة والآجلة، ويشبه هذا
-أي: الجمع بين الفائدتين: العاجلة والآجلة- ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه في مرض موته لما طعنه المجوسي الطعنة التي نال الشهادة بها وتحقق بذلك ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم أنه شهيد، وأيضاً استجاب الله دعاءه بأن ينال الشهادة في سبيل الله وأن يكون ذلك في بلد رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه دعا بهذه الدعوة في إحدى سفراته،
كما في صحيح البخاري أنه قال:
(اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل وفاتي في بلد رسولك صلى الله عليه وسلم)، وقد حقق الله له ذلك رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وطعن وهو يصلي بالناس صلاة الفجر، طعنه رجل مجوسي، وبقي أياماً وبطنه مفتوحة، وكانوا يسقونه اللبن فيخرج من جوفه، ويسقونه الماء فيخرج من جوفه، وكان يغمى عليه ويفيق، فكان الناس يعودونه، فممن عاده رجل شاب جاء إليه وأثنى عليه ومدحه،
وقال:
هنيئاً لك يا أمير المؤمنين! صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسنت صحبته، ثم صحبت أبا بكر، ثم وليت، ثم شهادة،
ثم كذا وعدد له أشياء يمدحه فيها فقال: (وددت أن يكون ذلك كفافاً لا علي ولا لي)، وهذا من تواضع أولياء الله،
كما قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:60] فلما ذهب الغلام وإذا ثوبه يمس الأرض فقال: (ردوا علي الغلام.فردوه إليه،
فقال:
يا ابن أخي! ارفع ثوبك؛ فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك)،
أنقى لثوبك يعني:
لا يتوسخ ولا يصيبه شيء من الأذى إذا رفعته، وهذه فائدة عاجلة وفائدة دنيوية،
والفائدة العاجلة والآجلة في قوله:
(وأتقى لربه)؛ لأن تقوى الله عز وجل فيها الفوائد الدنيوية والأخروية،
كما قال الله عز وجل:
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3]، وقال عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]،
وقال سبحانه:
{إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال:29].
فأرشده رضي الله تعالى عنه وأرضاه إلى هذه الفوائد العاجلة والآجلة بقوله: (ارفع ثوبك؛ فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك) فهذا من جنس ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)، ففي الحديث فائدة دنيوية وفائدة دنيوية وأخروية، وعمر رضي الله عنه وأرضاه قال هذا الكلام مع ما هو فيه من الشدة، فمع ما هو فيه من الشدة ما تساهل في أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، والذي نبهه رجل أثنى عليه ومدحه مدحاً عظيماً، ولكنه لما رأى هذا الأمر المنكر نبهه عليه، وهذا يدلنا على أن الأمور المحرمة ينبه عليها، ولا يتساهل في بعض الأمور كما يقال في هذا الزمان بعض العبارات الخاطئة،
كقولهم:
الدين فيه لباب وقشور! وبعض الناس يتكلم في القشور ويترك اللباب.وهذا كلام ساقط؛ فإن الدين كله لباب ولا قشور فيه، وإذا كان عمر رضي الله عنه وأرضاه قد نبه على تحريم الإسبال والابتعاد عنه مع ما هو فيه من الشدة وما هو فيه من المرض الشديد والألم الشديد، فهذا يدلنا على أن أمور الدين كلها يجب العناية بها، ولكن عندما تكون هناك أمور مجتمعة يبدأ بالأهم فالأهم،
يعني:
إذا كان هناك أمر خطير وقع فيه الإنسان وأمر آخر دونه بكثير فلا يذهب ويتكلم في الأمر اليسير ويترك الأمر الخطير، بل الواجب البداءة بالأمر الخطير والأمر الشديد والعظيم، ثم بعد ذلك يؤتى بما وراءه، كما فعل رسل الله الكرام عليهم الصلاة والسلام؛ فإن كل نبي من الأنبياء كان يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ثم بعد ذلك ينبه على الأخطاء التي وقع فيها قومه، مثل الذين كانوا ينقصون المكاييل والموازين، فإن نبيهم بعدما دعاهم إلى التوحيد نبههم على ما عندهم من الأخطاء وما عندهم من الأمور المحرمة، فبدأ بالأهم فالأهم.
والرسول صلى الله عليه وسلم لما أرسل معاذاً إلى اليمن قال له:
(إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، وهذا يبين لنا تقصير الذين ينتسبون إلى الدعوة في هذا الزمان ويعنون بأمور فرعية وأمور جزئية وهي في الحقيقة مهمة، ولكن أهم منها إخلاص العبادة لله عز وجل والابتعاد عن الشرك وتحقيق التوحيد، وهذا هو الأهم، وهذا هو الذي يجب البداءة به ويجب العناية به، والأمور الأخرى تأتي تبعاً، لكن لا تكون هي كل شيء وهي الشغل الشاغل، والشيء الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم هو الذي يهمل وهو الذي يغفل عنه، فقد يرى بعض هؤلاء الناس يطوفون بالقبور ويستغيثون بالأموات ولا يحرك ذلك عندهم ساكناً، وتكون هناك أمور جزئية وأمور فرعية يشتغلون بها ولا يلتفتون إلى هذا الوباء وهذا الضرر الكبير الذي يقع فيه كثير من المسلمين في كثير من أقطار الأرض، ومع ذلك لا ينبهون على هذه الأخطاء ولا يتكلمون فيها.فالواجب هو التنبيه على ما هو أخطر، ثم بعد ذلك ينتقل إلى ما هو دونه، والذي يغفل الجانب الأعظم والجانب الأهم الذي هو التوحيد فإنه مثل الإنسان الذي يرى إنساناً فيه جرح ينزف ويرى فيه دمل في أحد أطرافه فيأتي ليعالج الدمل ويترك الجرح الذي ينزف على ما هو عليه مع أن ذاك يؤدي إلى الهلاك وهذا أمره أخف! فالواجب هو العناية بأصول الدين وفروعه كلها،
ولا يجوز أن يقال:
إن الدين فيه لباب وقشور، بل كله لباب، ولكنه متفاوت في الأهمية، فهذا اللباب ليس على حد سواء، بل هو متفاوت، وأهم شيء وأعظم شيء يدعى إليه وينبه عليه هو إفراد العبادة لله عز وجل والابتعاد عن معصيته وعن الشرك الذي هو محبط للذنوب والذي لا يغفره الله عز وجل وكل ذنب دونه فهو تحت مشيئة الله عز وجل.وهذا الذي جاء في هذا الحديث تحت هذه الترجمة التي هي باب السواك، فيه بيان فائدة السواك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا الحديث الذي عند النسائي والمشتمل على أنه مطهرة للفم ومرضاة للرب.والحديث يجر بعضه بعضاً، وقد دعا ذلك إلى أن نذكر المثال المناسب الموافق له، ثم بيان ما كان عليه عمر رضي الله عنه من الاعتناء بجميع أمور الدين،
وأن هذا الذي يقال: إنه عندما ينبه الإنسان إنساناً يجر الثياب يكون هذا اشتغالاً بالقشور، هذا قول باطل، ثم ليتهم حين يتركون هذا يدعون إلى التوحيد أو ينبهون الناس على فضل التوحيد؛ وإنما يدعون إلى أمور أخرى هي شغلهم الشاغل، ولا يتكلمون إلا فيها في الليل والنهار! وقد انتهى أبو داود رحمه الله من الأحاديث المتعلقة بالاستنجاء والاستجمار وآداب قضاء الحاجة وما يتعلق بذلك، ثم انتقل إلى الطهارة وبدأ بالطهارة التي تسبق الوضوء وتعقبه سواء كان الإنسان على وضوء أو على غير وضوء قبل الوضوء وبعد الوضوء عند الوضوء وعند الصلاة، فكون الإنسان يستاك ليس له وقت معين،
ولكنه جاء فيه ما يدل على استعماله في بعض الأحوال وفي بعض المناسبات مثل:
عند الوضوء، وعند الصلاة، وعند القيام من النوم، وعند دخول المنزل، وكذلك عند تغير رائحة الفم، وفي مناسبات جاءت بها السنة.وعلى كل حال السواك ليس له أوقات معينة، فيمكن الإنسان أن يستاك في أي وقت.
ثم أورد المصنف حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
[(لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)
وفي بعض الروايات:
(لولا أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، وهذا يدل على أهمية السواك وأنه ينبغي استعماله وأن يحرص عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما منعه من أن يأمر به أمر إيجاب إلا خوفه من المشقة على الناس، لكن بقي الاستحباب وبقي الندب؛
لأن قوله:
(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)،
يعني: أمر إيجاب؛ وأما الأمر بالندب فموجود وقائم، ولكن الذي ما حصل هو الإيجاب،
ولهذا استنبط بعض أهل العلم من هذا الحديث فائدتين أصوليتين إحداهما:
أن الأصل في الأوامر الوجوب؛ لأن قوله: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم) فيه أنه لو لم يكن الأصل في الأمر الوجوب ما قال هذا رسول الله؛ لأنه لو أ
[تراجم رجال إسناد حديث: (لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء وبالسواك عند كل صلاة)]
قوله:
[حدثنا قتيبة بن سعيد].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن سفيان].سفيان هو ابن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.وإذا جاء سفيان يروي عنه قتيبة فالمراد به سفيان بن عيينة؛ لأن سفيان بن عيينة متأخر عن سفيان الثوري، فـ سفيان الثوري توفي سنة (161هـ)، وابن عيينة توفي سنة (197هـ) يعني: قريباً من المائتين، فهو متأخر وقتيبة عمر؛ لأن عمره بلغ تسعين سنة، فقد ولد سنة (150هـ) ومات سنة (240هـ) فأدرك عشر سنوات من حياة الثوري، لكن عندما يأتي سفيان يروي عنه قتيبة فالمراد به ابن عيينة المكي.
[عن أبي الزناد].
أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان مشهور بلقبه أبي الزناد، وهو لقب على صفة الكنية؛ لأن أبا الزناد ليس كنية وإنما هو لقب على صيغة الكنية، وكنيته أبو عبد الرحمن.وهو عبد الله بن ذكوان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج].
الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، والأعرج لقب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة رضي الله عنه قد مر ذكره.وأحاديث أبي هريرة يأتي فيها كثيراً أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، والأعرج أحياناً يأتي بلقبه وأحياناً يأتي باسمه عبد الرحمن بن هرمز، والأعرج لقب وقد ذكرنا فيما مضى أن معرفة الألقاب ومعرفة الكنى مهمة،
فائدتها:
ألا يظن الشخص الواحد شخصين فيما لو ذكر باسمه مرة وبقلبه مرة أخرى، فإن من لا يعرف ذلك قد يظن أن هذا شخص وهذا شخص مع أن الواقع أن الاسم واللقب كليهما يرجعان إلى شخص واحد وليس إلى شخصين.
وقوله:

[عن أبي هريرة يرفعه].
كلمة (يرفعه) تعادل (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: بدل ما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يرفعه) فهذه الصيغة تعادل (قال رسول الله).
فقوله:
(يرفعه) يعني: يرفعه ويسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه من العبارات التي تدل على الرفع وليس فيها التصريح بإضافة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنها بمعناه وبحكمه،
ومثلها:
يبلغ به، ورواية،
وقد سبق أن ذكرنا في الدروس الماضية أن قوله: (رواية) يعني: يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
لأنه لو كان من كلامه ما قال فيه:
يرفعه،
ولا قال:
رواية،
وإنما يقول:
عن أبي هريرة قال كذا،
يعني:
فيكون موقوفاً عليه، لكن حيث يأتي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يرفعه أو ينميه أو رواية أو يرويه وما إلى ذلك فإن هذه الصيغ كلها بمعنى الرفع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وإسناد الحديث إليه وأنه من كلامه صلى الله عليه وسلم وليس موقوفاً على الصحابي، وكما هو معلوم أيضاً أن لفظ الحديث لا يمكن أن ينطق به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
لأن قوله:
(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) هذا لا ينطق به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن أن يكون من كلام الصحابي، بل هو من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
[شرح حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)]
قال المصنف رحمه الله تعالى:
[حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، قال أبو سلمة: فرأيت زيداً يجلس في المسجد وإن السواك من أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، فكلما قام إلى الصلاة استاك].
أورد أبو داود حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، وهذا الحديث لفظه مثل لفظ حديث أبي هريرة إلا أنه بلفظ (أمتي) وهناك بلفظ: (على المؤمنين) وهناك زيادة ذكر العشاء وتأخير العشاء، وهنا خاص بالسواك.
وقوله:
[(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)] الكلام فيه كالكلام في حديث أبي هريرة المتقدم.ثم أخبر أبو سلمة الذي يروي عن زيد بن خالد أن زيد بن خالد رضي الله عنه كان يصطحب معه السواك ويكون من أذنه منزلة القلم من أذن الكاتب، وأنه كان إذا قام إلى الصلاة استاك.وهذا يدل على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من المبادرة ومن الملازمة لتنفيذ الأحكام وتنفيذ السنن وتطبيقها، وأنهم كانوا يستسلمون وينقادون لما يأتي عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فهم السباقون إلى كل خير والحريصون على كل خير، ما كان مثلهم قبلهم ولا يكون بعدهم مثلهم رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم خير الناس وأفضل الناس وهم أسبق الناس إلى كل خير، وهم أحرص الناس على كل خير، وكل خير في اتباعهم، وكل شر في اتباع من خلف ولم يكن من السلف.
[تراجم رجال إسناد حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)]
قوله:

[حدثنا إبراهيم بن موسى].
إبراهيم بن موسى هو الرازي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عيسى بن يونس].
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إسحاق].
هو محمد بن إسحاق بن يسار المدني صدوق مدلس، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن إبراهيم التيمي].
محمد بن إبراهيم التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن خالد الجهني].
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.والله أعلم.
شرح حديث: (أن رسول الله أُمر بالوضوء لكل صلاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا أحمد بن خالد حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الله بن عبد الله بن عمر قال: قلت: أرأيت توضؤ ابن عمر رضي الله عنهما لكل صلاة طاهراً وغير طاهر عمَّ ذاك؟ فقال: حدثتنيه أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنهما حدثها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمر بالوضوء لكل صلاة طاهراً وغير طاهر، فلما شق ذلك عليه أُمر بالسواك لكل صلاة)، فكان ابن عمر يرى أن به قوة، فكان لا يدع الوضوء لكل صلاة.قال أبو داود: إبراهيم بن سعد رواه عن محمد بن إسحاق قال: عبيد الله بن عبد الله].
سبقت ترجمة أبي داود لباب السواك، ومر ذكر بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي فيها بيان تعظيم شأن السواك والحث عليه والترغيب فيه، وأنه لم يكن واجباً، ولكنه كان مندوباً إليه مرغباً فيه؛
حيث قال عليه الصلاة والسلام:
(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).ثم أورد أبو داود رحمه الله أن محمد بن يحيى بن حبان سأل عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن وضوء عبد الله بن عمر لكل صلاة طاهراً أو غير طاهر، يعني: سواء كان على وضوء أو كان على غير وضوء: ما هو المستند في هذا؟ وما هو الدليل؟ أو ما الذي عول عليه في ذلك؟ فـ ابن عمر رضي الله عنه كان يتوضأ لكل صلاة سواء جاء وقت الصلاة وهو على وضوء أو أنه جاء وقد أحدث، فكان يتوضأ لكل صلاة،
فسأل محمد بن يحيى بن حبان ابنه عبد الله بن عبد الله بن عمر عن فعله هذا:
على أي شيء بناه؟ وعلى أي شيء أتى به؟
فقال عبد الله بن عبد الله حدثتني أسماء بنت زيد بن الخطاب عن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر:
(أن النبي عليه الصلاة والسلام أُمر بالوضوء لكل صلاة طاهراً وغير طاهر فلما شق ذلك عليه أُمر بالسواك عند كل صلاة)، فكان عبد الله بن عمر يرى أن به قوة، فكان يتوضأ لكل صلاة.
يعني: سواء كان على طهارة أو غير طهارة.
والحديث أورده أبو داود من أجل قوله: (ثم أمر بالسواك)، هذا هو المقصود من إيراد الحديث تحت هذه الترجمة، وقد سبق أن مر أن السواك سنة وليس بواجب،
وقيل:
إن ما جاء في هذا الحديث يدل على وجوبه، ولكن قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) يدل دلالة واضحة على أنه غير واجب؛
لأنه لو كان واجباً لم يكن هناك حاجة إلى أن يقول:
(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، فهو مرغب فيه ومستحب، وهو مطهرة للفم مرضاة للرب، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.وأما الوضوء لكل صلاة فقد كان أُمر به صلى الله عليه وسلم أولاً فشق ذلك عليه، فخفف ونسخ ذلك، وأمر بالسواك، عند كل صلاة، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يرى أن به قوة، فالذي نسخ هو الوجوب، وأما الاستحباب فلا يزال باقياً، ولذلك كان يتوضأ لكل صلاة على أساس أنه مستحب، وأن هذا أكمل وأفضل، ولا شك أن تجديد الوضوء سائغ، وعدم تجديده والبقاء على الوضوء الأول كافٍ ومجزئ ولا يلزم التجديد، لكنه إذا جدد الوضوء فإن ذلك حسن وهو خير إلى خير، وابن عمر رضي الله عنه وأرضاه رأى أن ما حصل آخراً إنما هو نسخ للوجوب، وأنه انتقل إلى الاستحباب، فكان ابن عمر رضي الله عنه يرى أن به قوة، ولذا كان يتوضأ لكل صلاة سواء كان على طهارة أو على غير طهارة،
يعني:
إما أن يتوضأ ابتداءً أو يتوضأ تجديداً للوضوء.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أُمر بالوضوء لكل صلاة)
قوله:

[حدثنا محمد بن عوف الطائي].
محمد بن عوف الطائي ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي في مسند علي أو في خصائص علي.
[حدثنا أحمد بن خالد].
أحمد بن خالد صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة والأدب المفرد وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا محمد بن إسحاق].
هو محمد بن إسحاق المدني صدوق يدلس، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن يحيى بن حبان].
محمد بن يحيى بن حبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عبد الله بن عمر].
هو عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنيه أسماء بنت زيد بن الخطاب].
أسماء بنت زيد بن الخطاب قيل: لها صحبة، وحديثها أخرجه أبو داود.
[أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر].
عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر قيل:
له صحبة، وحديثه أخرجه أبو داود.فـ أسماء بنت زيد بن الخطاب وعبد الله بن حنظلة بن أبي عامر كل منهما خرج حديثه أبو داود، فلا يأتي هذا الرجل وهذه المرأة في الكتب الستة إلا عند أبي داود؛ لأنهما ممن انفرد بالرواية عنه أبو داود، وعبد الله بن حنظلة هذا أبوه هو الغسيل المشهور بغسيل الملائكة؛ لأنه كان على جنابة فسمع الدعاء للجهاد والنداء للجهاد فخرج مسرعاً ولم يغتسل، فقتل واستشهد، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه رآه تغسله الملائكة،
فكان يقال له: الغسيل أو يقال له: غسيل الملائكة، وعبد الله هذا هو ابن حنظلة الغسيل.
ثم بعد ذلك قال أبو داود:
(إبراهيم بن سعد رواه عن محمد بن إسحاق وقال: عبيد الله بن عبد الله)، وإبراهيم بن سعد هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.ومحمد بن إسحاق مر ذكره.
والخلاف بين هذه الرواية والرواية السابقة أن الرواية السابقة فيها:
عبد الله بن عبد الله وهذه الرواية فيها: عبيد الله بن عبد الله أخوه، وعبيد الله بن عبد الله هذا هو شقيق سالم الذي هو أحد الفقهاء السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديث عبيد الله بن عبد الله أخرجه أصحاب الكتب الستة، فسواء كان هذا أو هذا فإن كلاً منهما ثقة، وحيثما دار الحديث فهو يدور على ثقة، فاختلاف الرواية التي فيها أنه عبد الله مع الرواية التي فيها أنه عبيد الله لا يؤثر ذلك في الحديث؛ لأن كلاً منهما ثقة.
الأسئلة
[حكم تقديم حضور الدرس على صلاة النافلة]
q بعض الطلاب إذا صلى الفرض استدبر القبلة واستقبل حلقة الدرس -التي تكون وسط المسجد- ولم يصل الراتبة التي بعد الفرض، فهل عملهم هذا صحيح؟

a ليس هذا بصحيح، بل على هؤلاء الطلاب أن يصلوا الراتبة، والإنسان إذا وصل إلى المكان الذي هو قريب يمكن أن يصليها في مكانه وذلك بأن يستقبل القبلة ويصلي، وإذا فرغ من الصلاة فإن مكانه محجوز به، ولا أحد ينافسه فيه، فيجمع بذلك بين الإتيان بالسنة الراتبة وبين حضور الدرس، والسنن الرواتب على الإنسان أن يحافظ عليها، وهي: أربع قبل الظهر وثنتان بعدها وثنتان بعد المغرب وثنتان بعد العشاء وثنتان قبل الفجر.والله أعلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.84 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.72%)]