ثم يُعادل بين هذه الصُّوَر الحسِّية التي يرسمها بخياله المبتكَر، كصورةٍ للإصرار، وبَيْن ما يقابله من معانٍ حسِّية وجدانيَّة، يستشعرها كلُّ من له إرادةٌ وعزم وإِصْرار:
دُرُوبُنَا مُضِيئَةْ
بِالشُّعَلِ الْخَبِيئَةْ
تُلْهِبُ فِي أَعْمَاقِنَا تَحَرُّكَ العُبُورْ
وَتَحْرِقُ الرُّوحَ عَلَى أَشْوَاقِنَا بُخُورْ
وَتَضْرِمُ التَّغْيِيرَ فِي أَعْتَى الْجُذُورْ[4]
إنَّه التغيير في أعماق هذه النَّفْس التي لا بدَّ لها من أن تتغيَّر لتستطيع التغيير والبناء المُثْمِر؛ تحقيقًا لِسُنَّة الله - عزَّ وجلَّ - في هذا التغيير: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].
ومن هذا نَجِد انتفاضة الشَّاعر في كلِّ من يمثِّل هذا القعود والخمول، والدَّعَة المُفْضِية إلى الموت:
لاَ بُدَّ هَذِي الأَوْجُهُ البَلِيدَةُ الرِّوَاءْ
ذَاتُ السُّكُوتِ الْمَيْتِ فِي انْتِفَاضَةِ الْمَسَاءْ
ذَاتُ الوُقُوفِ العَبْدِ فِي تَحَرُّكِ الفَضَاءْ
ذَاتُ الصَّدَى الْمَعْقُوفِ بِالْهَمْسَةِ لِلنِّدَاءْ
ذَاتُ السُّهُومِ الْحَاقِدِ النَّظْرَةِ لِلضِّيَاءْ
ذَاتُ الوُجُودِ القَابِعِ الْمُخْضَلِّ بِالْمَضَاءْ[5]
إنَّه في هذه الأبيات يصوِّر حالةَ الرُّكون والتثاقل المُميت الذي تتوقَّف معه مسيرةُ الحياة، ويتوقَّف معها نشاطُ الإنسان الخلاَّق.
وها هو يهلِّل فرحًا بنتيجة هذا الإصرار والعَزْم:
فَلْتَمْضِ لِلضِّفَافِ نَارُ زَحْفِنَا الرَّهِيبْ
يتبع