عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 13-06-2021, 08:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,212
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»

الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

ما يؤخذ من سورة الفاتحة من فوائد وأحكام (3)



ثانيًا: من قوله تعالى: ï´؟ لِلَّهِ ï´¾ ومعناه: المألوه المعبود، ولا سبيل إلى معرفة كيفية عبادته، وما يعبد به إلا من طريق الرسل والنبوات.



ثالثًا: من قوله تعالى: ï´؟ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الفاتحة: 2]؛ إذ الرب يتعهد مربوبه بالتربية والإصلاح، ومقتضى ذلك إرسالُ الرسل، وإنزال الكتب؛ لدعوة الناس إلى الخير، وتحذيرهم من الشر في دينهم ودنياهم.



قال ابن القيم[12]: "فلا يليق به أن يترك عباده سدىً هملًا، لا يعرِّفهم ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم، وما يضرهم فيهما، فهذا هضم للربوبية، ونسبة الرب تعالى إلى ما لا يليق به، وما قدَرَه حق قدره من نسبه إليه".



رابعًا: من قوله تعالى: ï´؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ [الفاتحة: 3]؛ فإن مقتضى رحمته ألا يترك العباد بلا رسل تبلغهم وحي الله، كما قال تعالى: ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ï´¾ [الأنبياء: 107].



قال ابن القيم[13]: "فإن رحمته تمنع إهمال عباده، وعدم تعريفهم ما ينالون به غاية كمالهم، فمن أعطى اسم (الرحمن) حقَّه عرف أنه متضمن لإرسال الرسل، وإنزال الكتب أعظم من تضمُّنِه علمَ إنزال الغيث، وإنبات الكلأ، وإخراج الحَبِّ، فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح، لكن المحجوبون إنما أدرَكوا من هذا الاسم حظَّ البهائم والدواب، وأدرك منه أولو الألباب أمرًا وراء ذلك".



خامسًا: من قوله: ï´؟ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾ [الفاتحة: 4] فإن من تمام ملكه أن يكون له رسل وكتب يبُثُّها في أقطار مملكته لتبليغ أوامره ونواهيه.



سادسًا: من قوله تعالى: ï´؟ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾ إذ كيف يحاسب ويجازي الخلق إلا بعد إقامة الحجة عليهم بإرسال الرسل، كما قال تعالى: ï´؟ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ï´¾ [النساء: 165].



قال ابن القيم[14]: "فإنه اليوم الذي يدين الله العباد فيه بأعمالهم، فيثيبهم على الخيرات، ويعاقبهم على المعاصي والسيئات، وما كان الله لِيُعذِّبَ أحدًا قبل إقامة الحجة عليه، والحجة إنما قامت برسله وكتبه، وبهم استحق الثواب والعقاب، وبهم قام سوق يوم الدين، وسِيقَ الأبرار إلى النعيم، والفجارُ إلى الجحيم".



سابعًا: من قوله تعالى: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾؛ لأن الله لم يتعبد خلقه بالجهل، ولا طريق لمعرفة كيفية عبادته وبماذا يُعبَد إلا بواسطة الرسل والكتب.



ثامنًا: من قوله تعالى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾؛ فإن من أقسام الهداية هداية البيان والدلالة والإرشاد، ولا يكون ذلك إلا من طريق الرسل والكتب المنزلة عليهم من عند الله تعالى، ولا يمكن معرفة الطريق المستقيم الموصِّل إلى الله، والمؤدي إلى السعادة في الدارين إلا من طريق الرسل والكتب.



تاسعًا: من قوله تعالى: ï´؟ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾ وهم النبيون ومن ذكر الله معهم في قوله تعالى في سورة النساء: ï´؟ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ï´¾ [النساء: 69]، فإن معرفة المنعم عليهم ومعرفة طريقهم، ومعرفة النعمة التي من أجلها استحَقُّوا أن يُذكَروا بها على سبيل التشريف والتعظيم، كلُّ ذلك لا يمكن معرفته إلا من طريق الرسل والكتب.



عاشرًا: من قوله تعالى: ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ [الفاتحة: 7]؛ إذ لا يمكن معرفة طريق المغضوب عليهم، وطريق الضالين ليجتنبهما العبد إلا من طريق الرسل والكتب.



الحادي عشر: من قوله تعالى: ï´؟ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ [الفاتحة: 7]؛ لأن انقسام الناس إلى هذه الأقسام الثلاثة إنما حصل بسبب إرسال الرسل، فمن عرف الحق الذي جاؤوا به واتبعه، فهو من أهل النعمة، ومن عرفه وعانده، فهو من أهل الغضب، ومن جهل الحق، فهو من أهل الضلال.



ويتفرع عن هذا أنه إذا كانت السورة متضمنة إثبات الرسالات والنبوات، اقتضى ذلك إثبات صفة التكلم والتكليم له جل وعلا؛ قال ابن القيم[15]: "فإن حقيقة الرسالة تبليغ كلام المرسِل، فإن لم يكن ثَمَّ كلامٌ فماذا يبلِّغ الرسلُ؟ بل كيف يعقل كونه رسولًا؟ ولهذا قال غير واحد من السلف: من أنكَرَ أن يكون الله متكلمًا، أو أن يكون القرآن كلامه، فقد أنكَرَ رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، بل ورسالة جميع الرسل التي حقيقتُها تبليغ كلام الله تبارك وتعالى".



64 - تضمَّنت السورة الدلالة على سَعة علم الله عز وجل وخبرته، وتعلق علمه بالجزئيات، والرد على من أنكر ذلك من وجوه؛ لأن كونه محمودًا موصوفًا بصفات الكمال يقتضي أن يعلم أحوال العالم وتفاصيل جزئياته، وكونه إلهًا معبودًا يقتضي أن يعلم من يعبده ممن يعبد سواه، وكونه ربًّا للعالمين يقتضي أن يكون عالمًا بتفاصيل مخلوقاته مدبِّرًا لها، وكونه رحمانًا رحيمًا يقتضي أن يعلم أحوال المرحومين، وكونه مالكًا ليوم الدين يقتضي أن يعرف أحوال مملكته ورعيته ليجازي كلًّا بعمله، كما أن كونه مستعانًا به، ومسؤولًا الهداية، وهاديًا ومنعمًا على من أطاعه، ويغضب على من عصاه، كلُّ ذلك يدل على تعلق علمه بالجزئيات وشموله لها[16].



65 - اشتمل قوله تعالى: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ [الفاتحة: 6] وما بعده إلى آخر السورة على الرد على جميع طوائف الكفر والضلال، وذلك على سبيل الإجمال؛ لأن الحق في معرفة ما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم والسير على نهجه، وما عداه من المسالك والسبل الملتوية والمعوجة مردودةٌ باطلة.



وقد عقد ابن القيم[17]، فصلًا في اشتمال الفاتحة على الرد على جميع المُبْطِلين من أهل المِلَلِ والنِّحَل، والرد على أهل البدع والضلال من هذه الأمَّة. قال: وهذا يُعلَم بطريقين مجمل ومفصلٌ.



وبعد أن ذكر رحمه الله ما فيها من ردٍّ على جميع المبطلين بطريق الإجمال، بيَّن اشتمالها على الردِّ على جميع المبطلين بطريق التفصيل، فذكر الردَّ منها على الملاحدة، وإبطال قولهم وبيان ضلالهم، والرد على المجوس والقدَريَّة، وعلى الجهمية، وأهل الإشراك في ربوبيته وإلهيته، وعلى الجهمية معطِّلة الصفات، وعلى الجبرية، وعلى القائلين بالموجب بالذات دون الاختيار والمشيئة، وإثبات أن الله فاعل مختار، والرد على منكري تعلُّق علمه بالجزئيات، ومنكري النبوات، وإثبات صفة التكلم لله عز وجل، والرد على من قال بقدم العالم، وكل هذا سبقت الإشارة إليه.



وختم ابن القيم هذا الفصل في بيان تضمُّنها للرد على الرافضة، فقال: "وذلك من قوله: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ [الفاتحة: 6] إلى آخرها. قال: ووجه تضمنه إبطال قولهم: أنه سبحانه قسم الناس إلى ثلاثة أقسام: "منعم عليهم"، وهم أهل الصراط المستقيم، الذين عرَفوا الحق واتبَعوه، و"مغضوب عليهم" وهم الذين عرفوا الحق ورفضوه، و"ضالون" وهم الذين جهلوه فأخطؤوه، فكل من كان أعرَفَ للحق وأتْبَعَ له، كان أولى بالصراط المستقيم، ولا ريب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم هم أولى بهذه الصفة من الروافض؛ فإنه من المحال أن يكون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم - جهلوا الحق وعرَفَه الروافض، أو رفضوه وتمسَّكَ به الروافض.



ثم إنَّا رأينا آثار الفريقين تدل على أهل الحق منهما؛ فرأينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحوا بلاد الكفر وقلَبوها بلاد إسلام، وفتحوا القلوب بالقرآن والعلم والهدى، فآثارهم تدل على أنهم أهل الصراط المستقيم، ورأينا الرافضة بالعكس في كل زمان ومكان، فإنه قط ما قام للمسلمين عدوٌّ من غيرهم إلا كانوا أعوانهم على الإسلام، وكم جرُّوا على الإسلام وأهله من بليَّة... ولهذا فسَّر السلف الصراط المستقيم وأهله بأبي بكر وعمر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم، وهو كما فسَّروه، فإنه صراطهم الذي كانوا عليه، وهو عين صراط نبيِّهم... وأشد الأمة مخالفة له الرافضة... فقد تبيَّن أن الصراط المستقيم صراط أصحابه وأتباعه، وطريق أهل الغضب والضلال طريق الرافضة، وبهذه الطريقة - بعينها - يُرَدُّ على الخوارج؛ فإن معاداتهم الصحابة معروفة".



66 - تضمنت السورة شفاء القلوب، كما تضمنت شفاء الأبدان، قال ابن القيم[18]: "فأما اشتمالها على شفاء القلوب، فإنها اشتملت عليه أتمَّ اشتمال فإن مدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين: فساد العلم، وفساد القصد، ويترتب عليهما داءان قاتلان، وهما الضلال والغضب، فالضلال نتيجة فساد العلم، والغضب نتيجة فساد القصد، وهذان المرَضانِ هما ملاك أمراض القلوب جميعها.



فهداية الصراط المستقيم تتضمَّن الشفاء من مرض الضلال؛ ولذلك كان سؤال هذه الهداية أفرض دعاء على كل عبد وأَوْجَبَه عليه كل يوم وليلة في كل صلاة؛ لشدة ضرورته وفاقته إلى الهداية المطلوبة، ولا يقوم غيرُ هذا السؤال مقامَه. والتحقق بـï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ علمًا ومعرفة وعملًا وحالًا يتضمن الشفاء من مرض فساد القلب والقصد... إلى أن قال: ثم إن القلب يعرض له مرَضانِ عظيمان، إن لم يتداركهما العبد تراميا به إلى التلف ولا بد، وهما الرِّياء والكِبر، فدواء الرياء بـï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾، ودواء الكبر بـï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾، وكثيرًا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية - قدَّس الله روحه - يقول: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ تدفع الرياء، ï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ تدفع الكبرياء"، فإذا عوفي من مرض الرياء بـï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾، ومرضِ الكبر والعُجب بـï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾، ومن مرض الضلال والجهل بـï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾؛ عوفي من أمراضه وأسقامه، ورفل في أثواب العافية، وتمَّت عليه النعمة، وكان من المنعم عليهم، غير المغضوب عليهم، وهم أهل فساد القصد الذين عرَفوا الحق وعدلوا عنه، والضالين وهم أهل فساد العلم، الذين جهلوا الحق ولم يعرفوه.



وحُقَّ لسورة تشتمل على هذين الشفاءين أن يُستشفى بها مِن كل مرض؛ ولهذا لما اشتملت على هذا الشفاء، الذي هو أعظم الشفاءين، كان حصول الشفاء الأدنى بها أولى".



ثم ذكر الدليل من السُّنة على شفائها للأبدان، وهو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة اللديغ، وقد سبق ذكره في أسماء الفاتحة، كما استشهد بقواعد الطب وما دلت عليه التجرِبة[19].







[1] في "مدارج السالكين" (1/37 -38).



[2] رواه أحمد (1/435، 465)، وابن حبان (6، 7)، والحاكم (2/239، 318)، وصححه ووافقه الذهبي. وفيه عاصم بن بهدلة متكلَّم في حفظه. وللحديث شاهد من حديث جابر عند أحمد (3/397)، وابن ماجه - في المقدمة (11) وصححه الألباني.



[3] انظر: "مدارج السالكين" (1/92).



[4] في "أضواء البيان" (1/42 -43).



[5] انظر: "مجموع الفتاوى" (17/132).



[6] أخرجه أبو داود في اللباس - باب في لبس الشهرة (4031) من حديث ابن عمر، وكذا أحمد (2/5)، وصححه الألباني.



[7] أخرجه مسلم في الصلاة (771)، وأبو داود في الصلاة (760، 761)، والنسائي في الافتتاح (862)، والترمذي في الصلاة (266) - من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.



[8] انظر: "جامع البيان" (1/195، 197)، "مدارج السالكين" (1/34 -36).



[9] في "مدارج السالكين" (1/36 -37).



[10] انظر: "مدارج السالكين" (1/30 -34، 94 -96).



[11] في "مدارج السالكين" (1/94).



[12] في "مدارج السالكين" (1/30).



[13] في "مدارج السالكين" (1/31).



[14] في "مدارج السالكين" (1/31).



[15] في "مدارج السالكين" (1/96).



[16] انظر: "مدارج السالكين" (1/93 -94).




[17] انظر: "مدارج السالكين" (1/85 -98)، وانظر: "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة" (4/1222 -1225).



[18] في "مدارج السالكين" (1/79 -82).



[19] أكثرت من النقل عن كتاب "مدارج السالكين" لابن القيم، وأطلت في ذلك؛ لأني لم أجد من تكلَّم عن هذه السورة بمثل كلامه رحمه الله، وأشفقت أن أختصر كلامه، فتجيء عبارتي قاصرة عن الوفاء بمضمون كلامه، الذي هو في غاية الدقة والتحقيق، وحسبي أني أحلت إليه.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.01 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]