
13-06-2021, 07:37 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,466
الدولة :
|
|
رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله
كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»
الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
حكم قراءة الفاتحة في حق الإمام والمنفرد
جمهور أهل العلم على وجوب قراءة الفاتحة في حقِّ الإمام والمنفرد، وأنه لا تصح صلاتُهما بدونها[1].
منهم مالك[2]، والشافعي[3]، وأحمد في المشهور، بل الصحيح عنه[4]، وإسحاق[5]، وعبدالله بن المبارك[6]، والأوزاعي[7]، وأبو ثور[8]، وداود[9]، وغيرهم، مستدلِّين بقوله تعالى: ï´؟ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ï´¾ [المزمل: 20]، وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين في قصة المسيء في صلاته، وفيه: ((ثم اقرأ ما تَيسَّرَ معك من القرآن))، وقوله بعد ذلك: ((ثم افعَلْ ذلك في صلاتِك كلِّها))[10]، وهذا صريح في القراءة في كل ركعة، والفاتحة أيسَرُ القرآن.
كما استدَلوا بحديث عبادة رضي الله عنه في الصحيحين: ((لا صلاة لمن لم يَقرَأْ بفاتحة الكتاب))، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم: ((كل صلاة لا يُقرَأُ فيها بأم القرآن فهي خِداجٌ))، وغيرها من الأحاديث[11].
كما استدَلوا - أيضًا - بمداومة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه على قراءتها، كما في حديث أنس وعائشة رضي الله عنهما[12]، وبما ثبت من النقل عن عامة السلف من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم مِن المداومة على قراءتها، بل ومن القول بوجوبها، وأنه لا تصح الصلاة بدونها[13].
واختلَفوا هل تجب قراءتها في كل ركعة؟ وهذا قول أكثرهم، وقيل: يكفي قراءتُها في أكثر الركعات، وبهذا قال مالك، وقيل: يكفي قراءتها في ركعتين، وقيل: تكفي قراءتها في ركعة واحدة من الصلاة، والصحيح الأول.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا تتعيَّن قراءة الفاتحة، وأن الغرض أو الواجب: هو قراءة أقل ما تَيسَّرَ من القرآن، ورُوي هذا عن الحسن[14]، والأوزاعي والثوري[15]، وقال به أبو حنيفة وأصحابه.
قال أبو حنيفة: أقل ما تيسَّر مقدارُ آية. وقال صاحباه أبو يوسف ومحمد: أقلُّه ثلاث آيات، أو آية طويلة[16]، ورُوي عن الإمام أحمد مثل قول أبي حنيفة[17].
واستدل من ذهب إلى هذا القول بقوله تعالى: ï´؟ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ï´¾ [المزمل: 20]. وقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: ((ثم اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن))؛ متفق عليه[18].
وحملوا حديث عبادة رضي الله عنه: ((لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)) وما في معناه، على أن المعنى: لا صلاة كاملة؛ أي: على نفي الكمال، لا على نفي الجواز[19].
والصحيح ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم، بأنه تتعيَّن قراءة الفاتحة في الصلاة، وأن الصلاة لا تصح بدونها؛ للأدلة الصريحة الصحيحة الدالة على ذلك، والتي فيها تفسير لقوله تعالى: ï´؟ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ï´¾ [المزمل: 20]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((ثم اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن))؛ إذ لا أيسَرَ من قراءة الفاتحة[20]؛ ولهذا حمَلَه مسلم وغيره على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وبوَّب له بها، كما تقدم في تخريجه.
وأيضًا قد يحمل ï´؟ مَا تَيَسَّرَ ï´¾ في الآية والحديث على ما زاد على الفاتحة[21]، كما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "أُمرِنا أن نَقرَأَ بفاتحة الكتاب وما تيسَّر"[22].
ولم أرَ ما يدعو لذِكر الأدلة كلِّها على وجوب قراءة الفاتحة، وأنها ركن لا تصح الصلاة بدونها، وتفصيل القول فيها، خاصة في حق الإمام والمنفرد؛ نظرًا لضعف الخلاف في هذه المسألة، فليس مع المخالف من الأدلة ما يستلزم بسط القول في ذكر أدلة الوجوب التي لا تُحصى كثرة من السُّنة الصريحة الصحيحة، والآثار الثابتة الصحيحة عن سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين.
ونظرًا لأن هذه الأدلة سيأتي ذكرها ضمن أدلة القول الأول والثاني في المسألة التالية، وهي حكم قراءة الفاتحة في حق المأموم؛ لأن دلالة هذه الأدلة على وجوب قراءة الفاتحة في حق الإمام والمنفرد أَولى من دلالتها على وجوب قراءة الفاتحة في حق المأموم.
[1] انظر: "تفسير ابن كثير" (1/ 27 -28)، "نيل الأوطار" (2/ 234 -238).
[2] انظر: "المدونة" (1/ 65 -67)، "الكافي في فقه أهل المدينة" (1/ 107)، "الاستذكار" (2/ 168)، "التمهيد" (11/ 31)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 119).
[3] انظر: "الأم" (1/ 107)، "أحكام القرآن" للشافعي ص(77)، "المهذب" (1/ 79)، "تفسير ابن كثير" (1/ 27 -28).
[4] انظر: "مسائل الإمام أحمد" رواية ابنه عبدالله ص(71)، "الفقرات" (255، 276، 277، 278، 279)، "مسائل الإمام أحمد" رواية النيسابوري (1/ 51)، "مسائل الإمام أحمد" لأبي داود ص(32)، "المسائل الفقهية" (1/ 117)، "المغني" (2/ 156)، "تنقيح التحقيق" (2/ 859)، "آداب المشي إلى الصلاة" ص(88).
[5] انظر: "الأوسط" (3/ 101)، "الاستذكار" (2/ 168).
[6] انظر: "سنن الترمذي" (2/ 26).
[7] انظر: "المغني" (2/ 156)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 119).
[8] انظر: "الاستذكار" (2/ 168).
[9] انظر: "المحلى" (3/ 236).
[10] سيأتي تخريج هذا الحديث.
[11] سيأتي ذكر هذه الأحاديث وتخريجها.
[12] سبق تخريجهما.
[13] انظر: "المصنف" لعبدالرزاق (1/ 93 -95، 120)، "المصنف" لابن أبي شيبة (1/ 360 -361، 373 -375)، "خير الكلام في القراءة خلف الإمام" للبخاري، "الأوسط" (3/ 98) وما بعدها، "المحلى" (3/ 236) وما بعدها، "القراءة خلف الإمام" للبيهقي، "الاستذكار" (2/ 166) وما بعدها، "نيل الأوطار" (2/ 234) وما بعدها.
[14] أخرجه عبدالرزاق، الأثر (2630).
[15] ذكره عنهما ابن الجوزي في "زاد المسير" (1/ 18)، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 118)، وابن كثير في "تفسيره" (1/ 28).
[16] انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (1/ 18 -23)، "المبسوط" (1/ 18 -19)، "فتح القدير" لابن همام (1/ 331 -332).
[17] انظر: "المسائل الفقهية" (1/ 117)، "التحقيق" ص(316)، "زاد المسير" (1/ 18).
[18] أخرجه من حديث أبي هريرة البخاري في الصلاة - باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يُتم الركوع بالإعادة (793)، ومسلم في الصلاة - باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (397)، وأبو داود (856)، والنسائي (851).
[19] انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (1/ 21 -23).
[20] انظر: "المحلى" (3/ 239).
[21] انظر: "القراءة خلف الإمام" للبيهقي ص(16)، "التحقيق" (1/ 319)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 123).
[22] سبق تخريجه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|