شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
المواضع التي نهي عن البول فيها
صــ 12إلى صــ 25
الحلقة (26)
فرض الوضوء
[شرح حديث: (لا يقبل الله صدقة من غلول ولا صلاة بغير طهور)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فرض الوضوء.حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله عز وجل صدقة من غلول، ولا صلاة بغير طهور)].
أورد أبو داود باب فرض الوضوء.
يعني: أنه فرض ولا زم، وأنه مما فرضه الله عز وجل، وأن الصلاة لا بد لها من وضوء أو ما يقوم مقام الوضوء، والذي يقوم مقام الوضوء هو التيمم، فإن التيمم يقوم مقام الوضوء عند فقد الماء أو عند عدم القدرة على استعماله.
أورد أبو داود حديث أسامة بن عمير رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صدقة من غلول)،
الغلول هو: الأخذ من الغنيمة خفية،
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يقبل الله صدقة من غلول)؛ لأن المال الحرام لا يقبل الله الصدقة منه؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، والحرام لا يتصدق به، وليس مصدراً للإنفاق؛ لأن التصرف فيه حرام؛ لأنه أخذه من حرام، وإخراجه كذلك حرام؛ لأنه ليس مالاً ولا حقاً له، فهو تصدق بشيء لا يملكه، وإنما هو محرم عليه، فلا يقبل الله صدقة من غلول؛ لأنها ليست من ماله ولا من ملكه، والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وهي ليست من الطيب، بل هي من الخبيث الذي جاء عن طريق الغلول.
وقوله: (ولا صلاة بغير طهور) يعني: ولا يقبل الله صلاة بغير طهور، فالإنسان إذا صلى بدون وضوء أو بدون تيمم فصلاته باطلة، ولا عبرة بها ولا قيمة لها، بل يتحتم على المسلم ويلزمه عند إرادة الصلاة أن يتوضأ،
كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6]،
أي: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم، فهذا فرض لازم، وإذا صلى الإنسان على غير طهارة وهو قادر على استعمال الماء أو التيمم عند فقد الماء فإن صلاته لا تصح ولا تكون مقبولة عند الله، أما إذا كان الإنسان ليس قادراً على الماء، ولا على التيمم، فإنه يصلي على حسب حاله؛
لقوله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، ولا تسقط عنه الصلاة، فإذا عجز الإنسان عن الماء والتيمم كالذي يكون مربوطاً في سارية، ويأتي وقت الصلاة وهو لا يستطيع الوضوء ولا التيمم،
لا يقال: إنه لا صلاة عليه وإن الصلاة تسقط عنه، وإنما ما دامت الروح في الجسد فلا بد من الصلاة، فيصلي على حسب حاله، ولكن الشيء الذي لا يقبله الله هو الذي يكون معه قدرة على الطهور سواء كان الوضوء أصلاً أو ما يقوم مقام الوضوء الذي هو التيمم، وهذا يدلنا على أن الوضوء فرض لازم لا بد منه، وأنه لا تقبل الصلاة إلا بوضوء أو ما يقوم مقام الوضوء الذي هو التيمم.
[تراجم رجال إسناد حديث: (لا يقبل الله صدقة من غلول ولا صلاة بغير طهور)]
قوله:
[حدثنا مسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي الأزدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي المليح].
أبو المليح بن أسامة بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه أسامة بن عمير صحابي أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
[حكم التصدق بالفوائد الربوية]
وإذا كان الإنسان ن يضع ماله في البنوك الربوية هل يأخذ هذه الفوائد؟ وإذا أخذها هل له أن يتصدق بها أو ماذا يعمل؟ الظاهر أنه لا يأخذ هذه الأموال التي يسمونها فوائد وهي مضار، وليست بفوائد في الحقيقة، فالإنسان إذا أراد أو احتاج إلى أن يودع ماله في بنك من البنوك فإن كان معروفاً أن هذا المكان لا يتعامل بالربا فهذا هو الذي ينبغي أن يودع فيه، وإذا كان لم يجد إلا بنكاً يتعامل بالربا وهو مضطر إلى الإيداع فيه فيودع، لكن لا يأخذ الربا المحرم، وإذا تمكن من أن يجد بنكاً يؤجر خزائن يودع بها المال فإن هذا هو الذي ينبغي أن يفعله؛ لأنه في هذه الحالة لا يمكن البنك من أن يتصرف في ماله بالربا، لأنه يستأجر خزانة ويأخذ مفتاحها، ويأتي ويجد نقوده على رباطها وهيئتها وشكلها، والبنك لا علاقة له بها، وإنما يدفع الأجرة ويكون بذلك لم يمكن البنك، فبعض البنوك تعمل هذا العمل، فإذا وجدت بنوك من هذا القبيل فإن الاستئجار منها والإيداع في هذه الخزانة التي لا يتمكن البنك من التصرف في المال الذي فيها هو الأولى والأفضل، وإذا لم يجد إلا أن يودع، وإذا لم يودع تعرض ماله للضياع فإنه يودع ولا يأخذ الربا المحرم،
بل التصدق من الحرام هو مثلما يقول الشاعر: كمطعمة الأيتام من كد فرجها لك الويل لا تزني ولا تتصدقي
[شرح حديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، فهو مثل حديث أسامة بن عمير رضي الله عنه في أنه لا تقبل الصلاة إلا بوضوء، وإذا أحدث الإنسان لا بد أن يتوضأ، ولا يصلي الإنسان إلا على طهارة سواء كانت الأصلية التي هي الوضوء أو ما يقوم مقام الوضوء وهو التيمم عند فقد الماء أو عدم القدرة عليه.
[تراجم رجال إسناد حديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)]
قوله:
[حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل].
أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.
[توقير الأئمة الأربعة وعدم القدح فيهم]
وأصحاب المذاهب الأربعة هم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، هؤلاء الأربعة هم الذين اشتهرت مذاهبهم؛ لأنه وجد لهم تلاميذ عنوا بنشر مذاهبهم وتدوينها والعناية بها حتى بقيت وكانت بين أيدي الناس، وقد كان في زمانهم علماء مجتهدون أهل فقه وحديث، لكن ما حصل لهم من التلاميذ من يعتني بأقوالهم وآرائهم كما حصل لهؤلاء الأئمة الأربعة، مثل سفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد وغيرهم كثير مشهورون بالفقه والحديث، ولكن تميز هؤلاء الأربعة على غيرهم لقيام تلاميذهم ومن جاء بعدهم بالعناية بأقوالهم وترتيبها وتنظيمها والتأليف فيها، حتى صارت بين أيدي الناس محفوظة.والأئمة الأربعة أولهم أبو حنيفة وكانت ولادته سنة ثمانين من الهجرة، وكما أسلفت في درس مضى أن على طالب العلم أن يستفيد من كلام الفقهاء ويحترمهم ويوقرهم، لكن لا يتعصب لأحد، وإنما يوقر الجميع، ويعتقد أن كل واحد من هؤلاء المجتهدين لا يعدم الأجر أو الأجرين، فإن اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد،
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد)، لكن المذموم هو التعصب لواحد من الأئمة الأربعة أو غيرهم، أما احترامهم وتوقيرهم والأخذ بالنص إذا وجد ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا هو المتعين، وهذا هو تحقيق ما يريده الأئمة الأربعة؛ لأن كل واحد منهم جاءت الوصية منه بأنه إذا وجد له قول يخالف ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيطرح قوله ويعول على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والعلماء كتبوا في هذا المعنى كتابات واعتذارات عن الأئمة إذا وجدت أحاديث صحيحة تخالف ما رآه أحد منهم،
ومن أحسن ما كتب في ذلك رسالة قيمة ل ابن تيمية رحمة الله عليه اسمها: رفع الملام عن الأئمة الأعلام؛ لأن فيها احترام العلماء وتوقيرهم، وأن من وجد له قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فإنه يعتذر له إما بكون الحديث ما بلغه، أو أنه بلغه من وجه لا يصح، ولكنه قد صح من وجه لم يبلغه،
وهذا هو الذي يأتي كثيراً عن الشافعي حيث يقول: إن صح الحديث قلت به،
فيأتي بعض أصحابه ك البيهقي والنووي ويقولون: وقد صح الحديث وهو مذهب الشافعي؛
لأنه قال: إن صح الحديث قلت به.وقد صح، فهو علق القول به على الصحة؛ لأنه ما وصل إليه من طريق صحيح.
ويقول الشافعي رحمة الله عليه: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان، لكن العلماء يُحترمون ويُوقرون، ويُثنى عليهم، ويُدعى لهم، ويُترحم عليهم ويُستغفر لهم، ولكن لا غلو ولا جفاء، فالحق وسط بين الإفراط والتفريط، فلا غلو فيهم بأن يتعصب الإنسان لهم، ولا جفاء بأن يتهاون الإنسان فيهم ولا يعرف لهم أقدارهم أو ينال منهم ويتكلم فيهم بما لا ينبغي، فهذا لا يليق، وإنما التوسط والاعتدال هو المطلوب في الأمور، فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء،
فلا يغلو في أحد منهم فيقول: إنه هو الذي لا يترك قوله، وهو الذي يعول على قوله، وهو الذي لا يخفى عليه شيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كان في المسألة حديث ما خفي على الإمام ونحو هذا من عبارات الغلو، ويقابلها عبارات الجفاء من الذي لا يوقر الأئمة ولا يحترمهم، وقد ينال منهم ويتكلم فيهم بما لا ينبغي، فالواجب هو احترامهم وتوقيرهم، والأخذ بوصاياهم، وهي التعويل على الدليل إذا جاء عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
[تابع تراجم إسناد حديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)]
قوله:
[حدثنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، وقد أكثر عنه الإمام أحمد وروى عنه.
[أخبرنا معمر].
معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن همام بن منبه].
همام بن منبه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
وهذه الطريق التي هي: عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة هي الطريق التي جاءت بها صحيفة همام بن منبه المشهورة، وفيها أحاديث كثيرة جداً، وكلها بإسناد واحد،
يعني: عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة.
ومسلم رحمة الله عليه في صحيحه روى أحاديث كثيرة منها عن شيخه محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي هريرة وكانت بإسناد واحد إلا أن الفرق بين كل حديث وحديث أنه يقول: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وقال الرسول كذا، ولهذا اختلفت طرائق الأئمة في الرواية من الصحيفة التي جاءت بإسناد واحد، فبعضهم يروي جزءاً منها بنفس الإسناد،
وكأن الإسناد مركب على كل جزئية منها فيأخذ قطعة من الحديث التي فيها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ويأتي بالإسناد الأول ويركبه عليها، أما الإمام مسلم رحمة الله عليه فهو معروف بالعناية والدقة في الرواية سواء بالنسبة للإسناد أو بالنسبة للمتن؛
لأنه كثيراً ما يقول: حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان،
ويقول: قال فلان: حدثنا وقال فلان: أخبرنا، فيعتني بألفاظ الرواة والأحاديث ولا يأتي بالرواية بالمعنى، بل يحرص على المحافظة على الألفاظ،
فكان من طريقته أنه إذا روى من صحيفة همام بن منبه إذا انتهى إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فتكون عبارته دالة على أن هناك أشياء كانت بين الإسناد وبين هذا الذي أورده؛
لأنه لما انتهى الإسناد قال: عن أبي هريرة رضي الله عنه فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.وهذا من عنايته ودقته،
ولهذا يقول ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمته: حصل للإمام مسلم حظ عظيم مفرط ما حصل لأحد غيره من العناية في جمع الأحاديث والمحافظة على الألفاظ وعدم تقطيعها، وعدم الرواية بالمعنى، وذكر العمل الذي أثنى عليه به،
وقال: وقد عمل جماعة من النيسابوريين على منواله،
وذكر منهم عدداً كبيراً قال: وما أحد عمل مثل ما عمل أو بلغ مثل ما بلغ، وأثنى عليه ثناءً عظيماً رحمة الله عليه.
[شرح حديث: (مفتاح الصلاة الطهور)]
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفتاح الصلاة الطُّهور) الطُهور أو الوُضوء هو هنا بالضم؛ لأنه ليس اسماً للماء وإنما هو اسم للفعل الذي هو التوضؤ والتطهر أو التيمم؛ والطُّهور يشمل الوضوء والتيمم؛
لأن كله يقال له: طهور وكله يقال له: تطهر، بخلاف الوضوء فإنه خاص باستعمال الماء، وأما الطهور فيكون بالماء والتراب.
قال عليه الصلاة والسلام: (مفتاح الصلاة الطهور) الصلاة لا يمكن أن يدخل إليها إلا بالطهور، فأي إنسان ما توضأ ولا تيمم لا يقبل الله له صلاة، كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي مثل البيت الذي أغلق بباب، والباب له مفتاح، ولا يوصل إلى البيت أو المكان الذي عليه الباب إلا بالمفتاح الذي يفتح به الباب، فكذلك الصلاة لا يوصل إليها إلا عن طريق الطهور، فمفتاح الصلاة الطهور.
وقوله: (وتحريمها التكبير) أي: الدخول فيها يكون بالتكبير؛ لأن الإنسان قبل أن يكبر له أن يتصرف كما يشاء، فله أن يأكل، ويشرب، ويلتفت، ويتحدث، ويكلم، ويذهب، ويجيء،
ولكن ذلك قبل أن يقول: الله أكبر، داخلاً في الصلاة،
فإنه يحرم عليه بقوله: الله أكبر ما كان حلالاً له قبل أن يقولها،
فيحرم عليه أن يتكلم بعدما يدخل الصلاة بلفظ: الله أكبر، ويحرم عليه أن يشرب ويأكل، ويحرم عليه أن يذهب ويجيء، فيحرم عليه أن يتصرف ويعمل الأعمال التي تنافي الصلاة؛ لأن تحريمها التكبير.ثم أيضاً الحديث فيه دلالة على أن تحريمها لا يكون إلا بالتكبير،
فلا يدخل فيها بأن يقال: الله أجل، أو الله أعظم،
بل لا بد من: الله أكبر،
ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير) يعني: أن الدخول فيها،
والحد الفاصل بين ما يحل قبلها وما يحرم بعدها مما يحل قبلها هو قول: الله أكبر،
وكذلك قد جاء في حديث المسيء صلاته أنه صلى الله عليه وسلم قال له: (إذا قمت إلى الصلاة فاستقبل القبلة وكبر) يعني: أن يقول: الله أكبر، فدلنا هذا على أنه يتعين لفظ التكبير، ولا يجزئ أن يؤتى بلفظ آخر يحل محل التكبير، وقد قال ذلك بعض أهل العلم، ولكن ذلك ليس بصحيح؛ لأنه ينافي ما جاء في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعيين التكبير في الدخول في الصلاة.
وقوله: (وتحليلها التسليم) يعني: الانتهاء منها يكون بالتسليم، فإذا سلم الإنسان حل له بعد التسليم ما كان حراماً عليه قبل أن يسلم، كما أنه كان قبل التكبير حلالاً، فأحرم بالتكبير، وهذه الحرمة استمرت إلى حين التسليم، فلما وجد التسليم رجع إلى ما كان عليه قبل التكبير، وما كان جائزاً قبل التكبير حل بعد التسليم؛ لأن التحلل من الصلاة والخروج منها إنما يكون بالتسليم لا بغيره،
وليس كما قال بعض أهل العلم: إن الإنسان إذا لم يبق له إلا التسليم فتشهد وانصرف فإنه يكون قد انتهى من الصلاة سلم أو لم يسلم! فإن هذا لا يتفق مع قوله صلى الله عليه وسلم: (تحليلها التسليم) بل ينافيه، فلو أن إنساناً أحدث قبل أن يسلم وبعد أن تشهد لصحت صلاته عند بعض أهل العلم، ولكن لا تصح عند جمهورهم؛
لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (تحليلها التسليم) يدل على أنها لا تنتهي إلا بتسليم، وأن الإنسان قبل أن يذكر التسليم هو في الصلاة وليس منتهياً منها، وإنما ينتهي منها بالتسليم، على خلاف بين أهل العلم هل الانتهاء بتسليمة واحدة أو بالتسليمتين.
[تراجم رجال إسناد حديث: (مفتاح الصلاة الطهور)]
قوله:
[حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا وكيع].
وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وإذا جاء وكيع يروي عن سفيان فالمراد به الثوري وليس المراد سفيان بن عيينة.
[عن ابن عقيل].
عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب صدوق في حديثه لين، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن محمد بن الحنفية].
هو محمد بن علي بن أبي طالب مشهور ب ابن الحنفية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علي].
علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين أبو السبطين، وهو خير من مشى على الأرض من غير الأنبياء بعد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.والله تعالى أعلم.
الأسئلة
[كيفية العمل لمن كان في نافلة وأقيمت الفريضة]
q في الحديث: (تحليلها التسليم)، فإذا أقيمت الصلاة والمرء في صلاة النافلة هل يقطعها قطعاً أو يسلم؟
a إذا كان الإنسان في صلاة وأقيمت الصلاة فإذا كان في أولها أو ليس في آخرها فإنه يقطعها بدون تسليم، وإذا كان في آخرها يتمها إتماماً خفيفاً.وأما هذا الحديث فالمراد به: التحليل والتسليم الذي هو نهايتها، وأما هذا فهو قطع لها قبل أن يكملها.
[حكم النعاس في الصلاة]
q قول: (النائم في الصلاة لا ينتقض وضوءه إلا إذا كان راكعاً أو ساجداً) هل هذا حديث صحيح أو باطل؟
a هل هناك أحد ينام في الصلاة؟ يمكن أن الإنسان ينعس ولكنه إذا نعس يتنبه، وأما أن ينام وهو ساجد فهذا قد يقع، فإذا مكث نائماً مدة طويلة جداً، وحصل له صوت في النوم كثير أو ما إلى ذلك، فلاشك أنه يدخل تحت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا نامت العينان استطلق الوكاء)، وأما إذا كان نعاساً فقد كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ينعسون قبل الصلاة حتى تسقط رءوسهم وهم جالسون، فيقومون ولا يتوضئون، فكذلك من كان في الصلاة وحصل له نعاس، وخفق ورأسه وانتبه لا يؤثر ذلك على صلاته.
[بيان أن السواك من الأمور الطيبة]
qهل التسوك يكون باليد اليمنى أم باليسرى؟ وأيهما أفضل؟
a والله ما أعلم، لكن يقولون: إن السواك ليس من الأشياء التي يحتاج فيها الإنسان أن يتوارى ويختفي عن الناس، بل هو من الأمور الطيبة، والأمور الطيبة يمكن أن تستعمل باليمنى، ولكن أنا لا أعرف نصاً خاصاً في هذا، ولكن الذي أعلم أنهم ذكروا أن السواك ليس من الأشياء التي تستكره أو التي يحتاج أن الإنسان يختفي بها، ولهذا بوب النسائي فقال: باب استياك الإمام بحضرة الرعية.