عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 21-06-2021, 04:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كعب بن زهير يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم

كعب بن زهير يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم


أ. طاهر العتباني



(3)

لقد قسَّمنا القصيدة إلى عددٍ من المَقاطع، تتضمَّن الأغراض التي احتوَتْها القصيدة، وهي على النَّحو التالي:
1- مقدِّمة غزَلِيَّة.
2- في وصف النَّاقة.
3- اعتذار للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم.
4- مَدْح للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم.
5- مدح الصحابة.

ورغم هذه الأغراض المتعدِّدة في القصيدة، فإنَّها تضمُّها وَحْدةٌ نفسيَّة وشُعورية واحدة، كما نلحظ براعة كعبٍ في الانتقال من كلِّ غرَضٍ إلى الغرض الَّذي يليه، فهو ينتقِل من الغزَل إلى وصف النَّاقة في بيتٍ يربط بين الغرَضين:
أَمْسَتْ سُعَادُ بِأرْضٍ لاَ يُبَلَّغُهَا
إِلاَّ العِتَاقُ النَّجِيبَاتُ الْمَرَاسِيلُ



ويَنتقل من وصف الناقة إلى الاعتذار للرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله:
تَسْعَى الوُشَاةُ جَنابَيْهَا وَقَوْلُهُمُ
إِنَّكَ يَا بْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ



والضمير في "جنابَيْها" يعود على الناقة وعلى سعاد، والذي نَجِده يوحِّد بينهما في لُغَةٍ رمزيَّة سامية في ختام المقطع الثَّاني الذي يصف فيه النَّاقةَ قبل الانتِقال إلى الاعتذار.

وهكذا يَفْعل في بقيَّة أجزاء القصيدة في بناء مُحْكَم فيصلٍ بين الأبيات بعضها البعض، بانتقالاتٍ مُحْكمة النَّسْج تشهد لها لغة القصيدة التي تمتلئ بغريب الألفاظ؛ مما يدلُّ على أنَّ معجم كعب ليس معجمًا سهلاً، بل هو معجمٌ عميق كما يتبيَّن من قراءة ديوانه كلِّه.

إلاَّ أنَّ كعبًا في القسم الخاص بالاعتذار والمدح، ترقُّ لغتُه، وتشفُّ وتَصْفو من غريب الألفاظ، ووحشيِّ الكلام.

ويبدأ كعبٌ قصيدته بالغزَل، فيقول:
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي اليَوْمَ مَتْبُولُ
مُتَيَّمٌ إثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ

وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ البَيْنِ إِذْ رَحَلُوا
إِلاَّ أَغَنُّ غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ

تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إِذَا ابْتَسَمَتْ
كَأَنَّهُ مُنْهَلٌ بِالرَّاحِ مَعْلُولُ

شُجَّتْ بِذِي شَبَمٍ مِنْ مَاءِ مَحْنِيَةٍ
صَافٍ بِأَبْطَحَ أَضْحَى وَهْوَ مَشْمُولُ



نجد في هذه المقدِّمة الغزَلية انتقالَ كعبٍ من صورة إلى صورة في انتقالات سريعة؛ فهو بعد أن يبيِّن حالَ قلبه بعد بَيْن سعاد، يصوِّره كالأسير المتيَّم المكبَّل بالقيود، ويُقارن بين حاله في هذا الأمر وحالِ سعاد الطَّليقة الراحلة عن مَرابعها، غضيضةَ الطَّرْف، مكحولةَ العينين، مبتسمةَ الشَّفتين، فتبين عن أسنانِها التي كأنها قد نهلَتْ من خمر مصفَّاة، مُزِجَت بالماء، ثم يَسترسل في وَصْف ذلك الماء:
شُجَّتْ بِذِي شَبَمٍ مِنْ مَاءِ مَحْنِيَةٍ
صَافٍ بِأَبْطَحَ أَضْحَى وَهْوَ مَشْمُولُ

تَنْفِي الرِّيَاحُ القَذَى عَنْهُ وَأَفْرَطُهُ
مِنْ صَوْبِ سَارِيَةٍ بِيضٌ يَعَالِيلُ



إنَّ هذا الماء الذي مُزِجت به الخمر التي شرِبَت منها سعاد، كأنَّه مأخوذٌ من تلك البُحَيرة الصافية، أو ذلك الغدير الهادئ الذي يمتلئ بماءٍ صاف، قد شَمِلته ريحُ الشمال، فبَردته وجلَتْ عنه الرِّياحُ القذى بعدما تجمَّع بكثرة على إثر سيولٍ من ماء السَّماء.

ثم يعود مرَّة ثانية بعد الاستِرْسال في صورةِ الماء إلى وصف حال العلاقة - الخلَّة - التي قامت بينه وبين سعاد، وكيف انتهت بإخلاف الوعد؛ لأنَّها لا تدوم على حالٍ كما يبدو شبح الغول في الصحراء ليلاً.
يَا وَيْحَهَا خُلَّةً لَوْ أَنَّهَا صَدَقَتْ
مَا وَعَدَتْ أَوْ لَوَ انَّ النُّصْحَ مَقْبُولُ

لَكِنَّهَا خُلَّةٌ قَدْ سِيطَ مِنْ دَمِهَا
فَجْعٌ وَوَلْعٌ وَإِخْلاَفٌ وَتَبْدِيلُ

فَمَا تَدُومُ عَلَى حَالٍ تَكُونُ بِهَا
كَمَا تَلَوَّنُ فِي أَثْوابِهَا الغُولُ



والغول: السعلاة، وهي شِبْه أُسْطورة كانت تزعُمها العرب في الجاهليَّة، فيقولون أنَّ الغول تغتالهم، وتتَراءى لهم في الفلَوات، وتتلوَّن لهم بألوانٍ شتَّى، وتضِلُّهم عن الطريق.



يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.98%)]