عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 01-07-2021, 04:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,490
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأعشى يمدح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم

ثم يصف سيرَها إذْ تجدُّ برجليها وتراجع بيديها وهو يشدُّ خناقها، ولا يشفق عليها، ولا يَرْثي لها؛ لِما بها من الكَلال والتَّعب حافية القدمين حتى تبلغ الغاية، وتصل إلى محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم -:





أَجْدَّتْ بِرِجْلَيْهَا النَّجَاءَ وَرَاجَعَتْ

يَدَاهَا خِنَافًا لَيِّنًا غَيْرَ أَحْرَدَا




فَآلَيْتُ لاَ أَرْثِي لَهَا مِنْ كَلاَلَةٍ

وَلاَ مِنْ حَفًى حَتَّى تَزُورَ مُحَمَّدَا











وهنا يَنتهي المقطع الثَّاني بأمنيةِ بلوغ الغاية، ووصوله إلى محمَّدٍ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم في المقطع الثالث، وهو اثنا عشر بيتًا - نِصْف عددَ أبيات القصيدة تقريبًا - يصف النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويصف رسالتَه، والقِيَمَ التي احتوتها هذه الرسالة والمنهج، يقول الأعشى مخاطبًا ناقته:





مَتَى مَا تُنِيخِي عِنْدَ بَابِ ابْنِ هَاشِمٍ

تُرِيحِي وَتَلْقَيْ مِنْ فَوَاضِلِهِ نَدَى











وفي هذا البيت يَربط بين المقطع السَّابق ومقطعِ وصْفِ النبِيِّ ومَدْحه، ووصف الرِّسالة، وهنا نلحظ نَفْس طريقة كعب بن زُهير في ربطه بين أجزاء القصيدة؛ حتَّى تبدو وَحْدة نفسيَّة وشعورية واحدة؛ فهو من خلال بيتٍ واحد ينتقل من غرَضٍ إلى غرض، ولعلَّها نفس طريقة الشُّعراء الجاهليِّين والمُخضرَمين في رَبْط عناصر القصيدة وشدِّ بنائها في وَحْدةٍ واحدة، فيبدأ الأعشى بذِكْر أخَصِّ صفات النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو ما اصطفاه الله به من الوحي والرِّسالة والنبوَّة؛ "نَبِيٌّ يَرَى مَا لاَ يَرَوْنَ" أو "مَا لا تَرَوْن"، كما في الرِّواية الأخرى للقصيدة.







ثم يبدأ على عادته في مَدْح ممدوحيه بما له مِن حُسن الخصال وجميل الصِّفات، فيذكر منها:



ذِكْر النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي شمل البلاد كلَّها في جزيرة العرب:



... وَذِكْرُهُ = أَغَارَ لَعَمْرِي فِي البِلادِ وَأَنْجَدَا







صدقاته الكثيرة:



لَهُ صَدَقَاتٌ لاَ تَغِيبُ



عطاؤه: "ونائل".







العطاء المتكرِّر كلَّ وقت:



وَلَيْسَ عَطَاءُ اليَوْمِ مَانِعَهُ غَدَا







وهذه الصِّفات التي يركِّز عليها الأعشى تتَماشى تمامًا مع تكوينه النَّفسي الذي يجلُّ العطاء، ويمدح لأجله، فيتخيَّر من بين صفات النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد صفة النبوَّة والرِّسالة، وبعد صفة حُسْن الذِّكر في البلاد - يتخيَّر صفة العطاء التي تهمُّ الأعشى، والتي خرج إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو ينطوي عليها ويسعى لها.







وهذا يؤكِّد أنَّ هذه القصيدة من شِعر الأعشى فعلاً، وليست منحولةً عليه، وتتناسب تمامًا مع ما ينطوي عليه من سعيٍ إلى العطاء، يطلبه بالشِّعر، يمدح به؛ لينال العطاء، وتَدْحَض هذه الأبياتُ قولَ من يرى أنَّ القصيدة منحولة، ولعلَّه أدَّاها وانطلق بها مؤملاً أن يُلْقِيها بين يدي النبيِّ؛ لينال عطاءه، فلمَّا وجد العطاء عند أهل مكَّة، قنع به ورجع.







وبعد ذكر صفات النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَشْرع في بيان خطوط الرِّسالة التي جاء بها النبيُّ:





أَجِدَّكَ لَمْ تَسْمَعْ وَصَاةَ مُحَمَّدٍ

نَبِيِّ الإِلَهِ حَيْثُ أَوْصَى وَأَشْهَدَا




إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التُّقَى

وَلاَقَيْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدَا




نَدِمْتَ عَلَى أَنْ لاَ تَكُونَ كَمِثْلِهِ

فَتُرْصِدَ لِلمَوْتِ الَّذِي كَانَ أَرْصَدَا











ثم يَذْكر بعض خطوط التَّشريع الإسلاميِّ التي كانت جديدةً على أهل الجاهليَّة مما وصل علمُه إلى الأعشى، وكلُّها ترجع إلى معاني آياتٍ من القرآن، ومن ذلك:



تحريم الميتة:





فَإِيَّاكَ وَالْمَيْتَاتِ لاَ تَقْرَبَنَّهَا

وَلاَ تَأْخُذَنْ سَهْمًا حَدِيدًا لِتَفْصِدَا











تحريم الذَّبح على النُّصب، وعبادة الأصنام، والقيام بتوحيد الله تعالى، والصلاة، ومعاداة الشيطان، وحمد الله تعالى:





وَلاَ النُّصُبَ الْمَنْصُوبَ لاَ تَنْسُكَنَّهُ

وَلاَ تَعْبُدِ الأَوْثَانَ وَاللهَ فَاعْبُدَا




وَصَلِّ عَلَى حِينِ العَشِيَّاتِ وَالضُّحَى

وَلاَ تَحْمَدِ الشَّيْطَانَ وَاللهَ فَاحْمَدَا











إعطاء السائل والمحروم، والأسير المقيَّد.







عدم السُّخرية من الضُّعفاء والبؤساء.







العفاف والبُعد عن الفَحْشاء، والأخذ بشريعة الزَّواج بديلاً عن الخنا الذي كان سائدًا في الجاهليَّة:





وَلاَ السَّائِلَ الْمَحْرُومَ لا تَتْرُكَنَّهُ

لِعَاقِبَةٍ وَلاَ الأَسِيرَ الْمُقَيَّدَا




وَلاَ تَسْخَرَنْ مِنْ بَائِسٍ ذِي ضَرَارَةٍ

وَلاَ تَحْسَبَنَّ الْمَالَ لِلمَرْءِ مُخْلِدَا




وَلا تَقْرَبَنَّ جَارَةً إِنَّ سِرَّهَا

عَلَيْكَ حَرَامٌ فَانْكِحَنْ أَوْ تَأَبَّدَا











وهكذا تنتهي القصيدة التي شكَّك عددٌ من النُّقاد في نِسْبتها للأعشى، ومنهم الدكتور "شوقي ضيف"، الذي يقول عنها: "وواضِحٌ من هذا كلِّه أن القصيدة منتحَلة، وهي لا تتَّفِق في شيءٍ ونفسيَّةَ الأعشى، وما كان ليسمع القرآن، ويؤمن بتعاليمه على هذا النَّحو، ثم ينصرف عن رسوله الكريم، ونحن لا نشكُّ في هذه القصيدة فقط، بل نشكُّ في القصائد الأخرى التي تردِّد معاني الإسلام ومثاليته الخلقيَّة"[3].







على أنَّ الدكتور "حلمي القاعود" يرى رأيًا آخَر؛ إذْ يقول: "وإن كنتُ أميل إلى عدِّ القصيدة من شعر الأعشى؛ لأكثرَ مِن سبب، منها: أنَّ معظم النُّقاد والمؤرِّخين قد نسبوها إلى الأعشى، ومنهم ابن هشام وابن قتيبة والمعرِّي، ومنها أنَّ حبَّ الأعشى للمال والذي عبَّر عنه بوضوحٍ في القصيدة"[4].







إنَّ هذه القصيدة في نظرنا من شعر الأعشى، وهي تمثِّل رؤية شاعرٍ جاهلي للإسلام وللدَّعوة وصاحبِها، ويتبدَّى من خلال تحليل بنائها الداخليِّ وذِكْر الأعشى المال فيها حتَّى وهو ينظر إليه كنوعٍ من الصَّدقات والعطاء الذي جاء به الإسلام.







كما أنَّ تحليل القصيدة من حيث بناؤُها الفنِّيُّ يلحظ فيه نَفْس البِناء الذي سار عليه شعرُ الأعشى، مع التحوُّل في المضامين الذي يُدْرِك من خلاله الأعشى أنَّه ليس أمام ممدوحٍ كبقيَّة الممدوحين، ولكنَّه أمام "نَبِيٌّ يَرَى مَا لاَ يَرَوْنَ"، ومن هنا ظهرَتْ خطوط الرِّسالة الإسلاميَّة كما سمع عنها الأعشى واضحةً في بناء القصيدة.







[1] "العصر الجاهلي"، د. شوقي ضيف، ص 337.




[2] "العصر الجاهلي"، د. شوقي ضيف، ص 337.




[3] "العصر الجاهلي"، د. شوقي ضيف، ص 342.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.25 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.52%)]