الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الثالث
[مباحث الاجارة]
صـــــ 105 الى صــــــــ 130
الحلقة (136)
وذلك كما أجر له داره بجنيهين شهريا وأجل له الأجرة فلا يستلمها إلا بعد سنة، ثم استأجرها منه بجنيه واحد على أن يدفع له الأجرة فورا فإن في هذا شبهة، وهو أنه فعل ذلك لبقرضه بفائدة.
ومثل ذلك ناظر الوقف فإنه لا يجوز له أن يستأجر ما أجره لغيره لأن فيه تهمة أنه فعل ذلك ليستولي على العين وينتفع بها فأجرها بأجرة زهيدة للغير ليأخذها منه بذلك.
ومها: لأنه يجوز أن يستأجر دابة، أو دارا إلى مدة معينة بأجرة معلومة بشرط أنه إن استغنى عنها أثناء هذه المدة سلمها لصاحبها وحاسبه لقدر المدة التي استعملها فيها إن كانت دارا، أو المسافة التي قطعتها بها إن كانت دابة.
هذا وإن كانت المنفعة التي باعها المالك مجهولة فيه لعدم بيان المدة إلا أن الجهالة فيها يسيرة فإن المعتاد أن الذي يستأجر شيئا من ذلك إنما يعمل حسابه فلا يستغني عنه غالبا، وإن استغنى عنه فإنما يستغني عنه في أخريات المدة فيتغفر تسهيلا للتعامل. ولكن يشترط أن لا يدفع المستأجر للمالك الأجرة لأنه إن دفعها له يحتمل أن يرجع بعضها إن لم يستوف المدة، ويحتمل أن لا يرجع إن استوفاها. فيكون تارة أجرة، وتارة سلفا وهو ممنوع.
ومنها: أنه يجوز للمالك أن يؤجر الشيء الذي استأجره مدة تلي مدة الإجارة فإذا أجره داره سنة ولم تنته جاز له أن يؤجرها مدة أخرى تبتدئ بعد نهاية السنة لا فرق في ذلك بين أن يؤجرها للمستأجر الأول أو لغيره.
ومنها: أنه يجوز للمالك أن يبيع أرضا على أن تبقى نتفعتها أو أكثر أو أقل ويسلمها للمشتري بعد نهاية تلك المدة. فللمشتري في هذه الحالة أن يؤجرها قبل أن يستلمها على أن تبتدي مدة الإجارة عند نهاية مدة المنفعة التي اشترطها البائع. ولكن يشترط لجواز تأجيرها أن يغلب على تأجيرها وما لا يصح تأجيره فلا يصح دفع أجرته مقدما طبعا.
أما ما يغلب الظن بقاؤه فإنه يصح دفع الأجرة مقدما وإذا احتمل الأمران على السواء فقيل يجوز العقد لا النقد وقيل لا يجوز.
وللبائع أن يشترط الانتفاع بسلعته التي باعها عام فأقل إذا كانت دارا ونحوها والانتفاع بها مدة طويلة واو سنين إذا كانت أرضا أما إذا كانت حيوانا فإنه لا يصح أن يشترط الانتفاع به أكثر من ثلاثة أيام.
ومنها: أنه يجوز أن يستأجر شخص أرضا على أن يبنيها مسجدا مدة السنين فإذا انقضت المدة ردم البناء وأخذ الثاني انقاضه وتعود الأرض ملكا لصاحبها ولا يجبر أحدهما على بقاء ما يخصه. ومنها: أنه يجوز الاستئجار على طرح ميتة ونحوها من النجاسات كالمواد البرازية وإن كان فيه مباشرة للنجاسة.
ومنها: أنه يجوز إجارة المبنية بناء جديدة وأرض مأمونة الري مدة طويلة إلى ثلاثين سنة. وأما الدار القديمة فإنه يصح تأجيرها مدة يظن معها بقاؤها سليمة.
وأما الأرض التي ريها غير مؤمون فإنه يجوز العقد دون دفع الأجرة كما تقدم هذا في الملك وأما في الوقف فإنه لا يصح تأجيره في الدور ونحوها أكثر من سنة سواء كانت موقوفة على معين كفلان وأولاده أو لا كالفقراء. وأما الأرض فإنه لا يصح تأجيرها أكثر من ثلاث سنين سواء كان المؤجر الناظر الأجنبي أو المستحق إن كانت على معين.
أما إذا كانت موقوفة على غير معين كالفقراء، فإنه يصح تأجيرها إلى أربعة سنين دون زيادة. فإن كان المستأجر ممن يؤول الوقف يصح أن يؤجرها له زما طويلا كعشر سنين ونحوهما لأن الوقف يرجع إليه.
وإذا وجدت ضرورة تقتضي مد زمن الإجارة أكثر من المدة التي تقدمت، كما إذا تهدم الوقف. وليس له ريع يبنى منه فإنه يصح للناظر أن يؤجر ليبني بها ولو طال الزمن كأربعين عاما.
ومنها: أنه يجوز أن يبيع شخص لآخر سلعة بمائة مع أنها تساوي مائة وخمسين على أن أن يتجر المشتري في ثمنها فيكون الثمن محموع أمرين: المائة والاتجار، ففيه إجارة وبيع إنما يشترط بصحة ذلك شروط:
أحدهما: أن يكون الثمن معلوما.
ثانيهما: أن يحضر المشتري الثمن ويشهد عليه لينتقل من دين في ذمته إلى أمانة عنده وإلا كان سلفا جر نفعا يتهم بتأخيره ليزيده بربح التجارة.
ثالثها: أن تكون المدة التي يريد له فيها معلومة كسنة مثلا.
رابعها: أن يعين النوع الذي يتجر فيه لأن التجارة تتفاوت بتفاوت السلع في الصعوبة والسهولة.
خامسها: أن يكون ذلك النوع موجودا في زمن الأجل.
سادسها: أن يكون العامل مديرا يتصرف في السلع بأن يشتري ويبيع ولا يكون محتكرا بمعنى أنه يجمع السلع ولا يبيعها إلا إذا ارتفعت أثمانها لأن ذلك يؤدي إلى البيع في زمن مجهول فيدخل الجهل في الثمن لأن الثمن مجموع الأمرين كما عرفت: المائة والعمل.
سابعها: أن لا يتجر له في الربح لأن الربح مجهول.
ثامنها: أنه يلزم أن يشترط المشتري الذي يريد أن يتجر في الثمن على البائع أن الثمن إذا تلف منه شيء يدفع البائع غيره حتى لا يكون له وجه في ادعاء أن المشتري لم يتجر في كل الثمن بل اتجر في بعضه فلم يستلم الثمن كاملا في هذه الحالة، فإذا اشترط ذلك وتلف بعض الثمن ولم ينشأ البائع تكتمله بل رضي أن يتجر له المشتري في الباقي فإنه يصح ولا يلزم بالتكلمة لأن الغرض من الشرط دفع النزاع من البائع ومتى رضي فقد انتهى الأشكال.
ومنها: أنه يجوز استئجار طريق في دار أو غيرها للمرور فيها. ومنها: أنه يجوز استئجار مجراة تصب فيها مياه المرحاض.
وكذلك استئجار مجراة يصب فيها الماء الذي يسقي الزرع، أما شراء نفس الماء فإنه لا يجوز سواء كانت مدة شرائه قليلة أو طويلة على المعتمد.
ومنها: أنه يجوز إجارة المنقولات كالأواني والدلاء والفؤوس.
وأما القسم الثالث: وهو المكروه فأمور منها: إجارة الحلي فإنها مكروهة سواء كان ذهبا أو فضة وعلة الكراهة أن الله تعالى لم يجعل له زكاته في إعارته فيكره أن يأخذ عليه أجرا.
ومن ذلك تعلم أن الذي تكره إجارته هو الحلي المباح الاستعمال، أما المحرم فإن الزكاة واجبة فيه فتمنع إجارته فإذا استأجر رجل حليا فإن الإجارة لا تصح وبعضهم يرى كراهة إجارته سواء كان استعماله حلالا أو ممنوعا.
ومنها: أنه يكره لمن استأجر دابة ليركبها أن يؤجرها لمثله في الخفة والإهانة ولا ضمان عليه إن ضاعت بلا تفريط أو ماتت أما أجرها ليحمل عليها شيئا فإنه لا يجوز له أن يؤجرها لغيره عليها مثل ذلك.
ويجوز كراء الدابة بعلقها أو طعام صاحبها أو بهما معا سواء انضم لذلك نقد أو لا ليركبها أو ليطحن بها زمنا نحو شهر إذا كانت مسافة الركوب أو قدر الطحن معروفين في العادة بأن كان الركوب في البلد وما قاربها الطحن للقمح ونحوه لا الحبوب الصبغة كالترمس.
ومنها: الأجرة على تعليم الفقه والفرائض فإنها الغرض نشر العلم الديني وأخذ الأجرة عليه ومكروه في الجملة فلذا كانت مكروهة.
ومنها: استئجار من يقرأ القرآن بتطريب ونغم لا يخرجانه عن وضعه فإن استئجار مكروه والمراد من يقطع صوته بالأنغام لا من يجود القرآن
بالصوت الحسن أما ما يخرج بالقراءة عن وضعها فإنه يحرم استئجاره وحرم قراءة القرآن بالشاذ وهو ما زاد على العشرة على الرلجح وبعضهم يقول ما زاد على السبعة.
ومنها: أنه يكره للمسلم أن يكري نفسه أو ولده لكافر إلا إذا لم يكن مختصا به كالخياط الذي يخيط للمسلم والكافر فإنه لا يكره. هذا ولا يحل للمسلم أن يضع نفسه تحت يد الكافر في الخدمة كخدم البيوت والمراضع فإنهم لا يحل لهم وإن فعلوا تفسخ الإجلرة ويكون لهم أجر المثل.
الشافعية - قالوا: الأمور التي يصح استئجارها والتي لا يصح تقدم معظمها في الشروط وبقيت أمور:
منها: أنه لا تصح الإجارة على الطاعات التي تجب لها كالصلاة فرضا كانت أو نفلا إلا أنه يصح الإجارة على الإمامة على أن يكون الأجر في مقابل إتعاب مفسه بالحضور إلى كوضع معين والقيام بها في وقت معين لا على أداء الصلاة.
ومثل ذلك ما يتعلق بالصلاة كالخطبة فإنه لا تصح الإجارة على نفس أدائها وإن كانت تصح على القيود الخاصة التي يتقيد بها الخطيب من الحضور إلى المكان ونحوه وتصح الإجارة على الحج كما تقدم في بابه.
ومنها: أنه لا تصح الإجارة على التدريس إلا إذا عين المسائل التي يريد دراستها وكذا لا تصح الإجارة على زيارة القبور ولو قبر النبي صلى الله عليه وسلم للدعاء عنده.
ومنها: أنه تصح الإجارة على قراءة القرآن لحي أو ميت ويحصل له الثواب سواء قرأ بحضرته أو أهدى له ثواب القراءة كأن يقول: اللهم اجعل ثواب هذا لفلان وهل يحصل ثواب القراءة للقارئ أيضا أو لا؟ خلاف: فبعضهم يقول: إنه يثاب يقول: إن كل عبادة كان الحامل عليها أمرا دنيويا لا ثواب فيها للفاعل.
ومنها: أنه تصح الإجارة على كل مسنون كالأذان والإقامة. وعلى ذكر الله تعالى كالتهاليل (العتاقة) إذا كان فيها كلفة يستحق عليها الأجر ولا يصح الإجارة على أن يرفع صوته بها.
ومنها: أنه تصح الإجارة على تعليم القرآن على المعتمد ويقدر تعليم القرآن بالزمن وبتعيين محل العمل، مثال ذلك اسئجار الدواب مثلا فإنه يمكن ضبط منافعها بيان محل عملها فأما عملها فهو سيرها أو ركوبها وأما محله فهو المسافة التي يقع فيها ذلك السير والركوب فلك أن تقدر المنفعة بمحل العمل وهو الركوب والسير كأن يستأجرها لتركبها إلى بلد سواء عملت يوما أو أقل أوأكثر ولك أن تقدر المنفعة كأن تستأجرها يوما فأكثر.
ومن ذلك ما يفعله الناس في زماننا من تأجير السيارات (الأتومبيلات) بالمسافة أو الساعة فإنه جائز في كل من الحالين.
أما إذا كان لا يمكن ضبط المنفعة بتعيين محل العمل فإنه يجب تقديرها بالزمن فقط كتعليم القرآن فإن عمل المعلم لا يمكن تقدير المسافاة التي يقع فيها فيقدر بالزمن خاصة كأن يستأجيره لعمله شهرا بكذا أو ليعمله سورة خاصة بكذا أما تعيين المنفعة ببيان محل العمل والزمن معا فإنه لا يصح كما إذا قال له: خط لي هذا الثوب في هذا النهار فإن عمل الخياط غرز الإبرة ومحله نفس الخياطة الحاصلة وهي التي تقدر عليها الأجرة فلا يصح حينئذ تقديره بالزمان لأن الزمان قد لا يفي بالعمل فيوجد النزاع.
نعم إن كان الغرض من ذكر الزمن الإسراع فإنه يصح. واعلم أن الاستئجار لمجرد الخياطة باطل لأنها عمل مستقل على قطع لبثياب. أما الاستئجار على الخياطة وقطع القماش وقطع (التفصيل) فإنها صحيحة.
ومنها: أنها تصح الإجارة لإرضاع الصبي ةتقدر بالزمان كأن يستأجرها لترضع ولده مدة كذا بكذا من النقد أو غيره ويشترط تعيين الطفل الذي يريد إرضاعه بالرؤية أو الوصف على المعتمد كما يشترط تعيين مكان الإرضاع سواء كان بيت المستأجر أو المرضعة.
ويصح استئجار المسلمة والكافرة والحرة والأمة كما يصح أن تباشر التعاقد بنفسها أو بواسطة زوجها وعليها أن تعمل ما يزيد في اللبن وأن تمتنع عن كل ما يضر بالصبي فإن كان يضره أن يطأها زوجها فإنها تمنع منه وإلا فلا. فإذا لم تفعل وتغيلا لبنها أو قل ثبت الخيار للمستأجر فإن شاء فسخ العقد وإن شاء أقره.
ومنها: أنه يصح إجارة العين مدة تبقى فيها غالبا فيؤجر الدار ثلاثين سنة والدابة عشر سنين والثوب سنة أو سنتين بحسب حاله وللمستأجر أن يستوفي المنفعة بنفسه، وله أن يتنازل عنها لغيره فإذا استأجر دارا فله أن يؤجرها لغيره بشرط أن يكون مثله في الاستعمال، فلا يصح له أن يسكن حدادا أو نجارا إذا لم يكن هو كذلك لما في إسكانها من الضرر ما لم يشترط أن يسكن من يشاء. وإذا اشترط المالك أنه لا يجوز للمستأجر إسكان غيره فسد العقد.
وأما المحل المستأجر فإن كان معينا فإنه لا يصح اسبداله بغيره فإذا استأجر هذه الدار ليسكنها فإنه لا يجوز للمالك أن يسكنه دارا غيرها فإذا شرط استبدالها في العقد فإنه يصح.
هذا واعلم أن كل شيء يمكن الانتفاع به شرعا مع بقاء عينه مدة الإجارة فإنه يصح تأجيرها فلا تصح إجارة الملاهي كالزمارة والدربكة أما بقية الطبول فيصح استئجارها.
الحنابلة - قالوا: تنقسم الأشياء التي يمكن عليها عقد إجارة إلى ثلاثة أقسام:
مالا يصح لمخالطة شرط من الشروط المتقدمة، وما يصح بدون كراهية وما يصح بكراهية.
القسم الأول: ما يصح بلا كراهة وهو أمور:
منها: أنه استئجار المرضعة بإذن زوجها وللزوج الاستمتاع بها وقت فراغ ويصح إجارة الوالدة لإرضاع ولدها بأجرة معلومة ولو بطعامها وكسوتها وإن لم يعين الطعام والكسوة وإذا استؤجرت للرضاع فلا تلزمها الحضانة إلا إذا نص عليها. وبشرط لصحة الإجارة للرضاع شروط:
الأول: رؤية الطفل المرتضع ولا يكفي وصفه لأن الرضاع يختلف باختلاف كبره وصغره ونهمته وقناعته.
الثاني: معرفة مدة الرضاع لأنه لا يمكن تقدير الرضاع إلا بالزمن فإن العمل وهو السقي لا يمكن تعيينه.
الثالث: معروفة مكان الرضاع هل عند المرضعة أو في منزل المستأجر لأنه يختلف سهولة وصعوبة.
ويجب على المرضعة أن تأكل وتشرب ما بدر لبنها ويصلح لبنها ويصلح به، وللمستأجر أن يطالبها بذلك كما يجب عليها أن تجتنب كل ما يضر بالصبي.
ويجوز للمسلمة أن ترضع الطفل الكتابي بالأجرة، وهل لها أن ترضع المجوسي (الوثني) خلاف.
ومنها: أنه يجوز استئجار الدابة بعلفها أو بأجر معين مع علفها بشرط صاحب الدابة ذلك، مع بيان نوع العلف أو فول أو نحوهما وكقدح وهكذا. وبعضهم يقول يصح مطلقا من غير بيان.
ومنها: أنه يجوز استئجار الدابة (المولودة) فيجوز لها أن تأخذ الأجرة على ذلك. ولو من غير شرط.
ومنها: أنه يجوز الإجارة على حصد الزرع بجزء مشاع منه كربعه وخمسه وهكذا كما تجوز الإجارة على جني النخل بجزء من ثمره، أما نفض الزيتون (هزه) ببعض ما يتساقط منه فإنه لا يصح لجهل بالباقي وللعامل أجر مثله.
أما جني الزيتون كله بجزءمشاع كسدسسه مثلا فإنه يصح.
ومنها إجارة الوقف فإنها تصح لأن منافع الوقف مملوكة للوقوف عليه، ثم إن كان المؤجر ناظرا بأصل الاستحقاق بمعنى أن الواقف لم يعين ناظرا بل وقف على شخص، وعلى هذا يكون ذلك الشخص الموقوف عليه نظرا للوقف إذا لم يشترط ناظرا يكون المستحق هو للناظر، فإن كان ذلك، فإن الأجرة تبطل بموته.
وإذا كان المستأجر قد دفع أجرة مقدما فإنه يأخذها من تركه المؤجر، أما إذا كان المؤجر ناظرا بشرط الواقف، فإن الإجارة لا تفسخ بموته، ويشترط أن تكون مدة الإجارة معلومة في الوقف وفي الملك، كما يشترط أيضا أن بغلب على الطن بقاء العين سليمة في مدة الإجارة وإن طالت، حتى ولو كان المتعاقدان أو أحدهما مرمان يظن موتهما قبل انقضاء مدة الإجارة ولا فرق في ذلك بين الملك والوقف.
ومنها: أنه يصح تأجير العين مضافة إلى الزمان المستقل، فإذا أجرت أرضا في سنة أربع تبتدئ سنة خمس فإنه يصح سواء كانت العين مشغولة وقت العقد برهن أو إجارة أو لم تكن مشغولة ما دام يمكن تسليمها وقت زمن الإجارة.
وإذا كانت الأرض مشغولة ببناء أو بغرس شجر للغير ونحو ذلك مما لا يمكن إخلاء الأرض منه فإنه لا يصح تأجيرها إلا بإذن صاحب البناء أو الشجر، فإن كانت مشغولة ببنات لا يدوم أو بمنقولات يمكن إخلاؤها منها كاجرن أو أثاث المنازل فإنه يصح تأجيرها مطلقا. هذا والمنافع التي لحدثها المستأجر على العين تكون مملوكة له.
ومنها: أنه يص للمستأجر أن يؤجر العين التي استأجرها لغيره لأن المنفعة أصبحت مملوكة له فيجوز أن يستوفيها بنفسه، أو بنائه، بشرط أن يكون مثله أو أقل منه في استعمال تلك العين. فإذا استأجر منزلا ليسكن فيه فإنه لا يصح له أن يؤجره لحداد (أو صباغ) أو نحو ذلكويصح تأجير العين لمؤجرها بأجرة زائدة أو أقل أو مساوية.
فإذا استأجر زيد من عمرو دارا فلزيد أن يؤجرها لعمرو صاحبها بهذه العشرة أو بأزيد منها، أو بأقل. بشرط أن لا يكون الغرض التحابل على الربا كأن يؤجره منه بعشرة لأجل، ثم ستأجرها منه بخمسة مقبوضة كبيع العينة المتقدم في كتاب البيوع، فإن ذلك لا يصح هنا.
ومنها: أنه يجوز أخذ الأجرة على الحمام، كما تقدم في الشروط وما يأخذه الحمامي يكون أجرة السطل والمئزر والمكان ويدخل الماء تبعا لأنه لا يصح إجارة الماء استقلالا، ويحرم على من يدخل الحمام أن يستعمل ماء أكثر من العادة ولا يلزم تعيين الأجرة فيه كغيره من المباحات المتعارفة كركوب السفينة وحلق الرأس ونحو ذلك فإنه لا يلزم فيه تعيين الأجر كما تقدم.
ومنها: إجارة الحلي فإنها بأجرة من جنسه ومن غير جنسه.
القسم الثاني: مالا تصح إجارته وهو ماخالف الشروط المتقدمة، وبقيت أمور:
منها: أن يقول للخياط إن خطت الثوب فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصفه لأنه لا جزم بشيء فيوجد التنازع بخلاف ما إذا استأجر سيارة أو دابة على إن رده اليوم بخمسة وإن رده غدا فبعشرة، فإن ذلك يجوز لأنه عين لكل زمن عرضا فلا جهالة فيه ولا نزاع.
ومنها: أنه لا يجوز إجارة عين إلا بخمسة شروط:
الأولى: أن يقع التعاقد على نفع العين الذي يمكن اسيفاؤه دون إجزاء تلك العين فلا تصح إجارة الطعام للأكل لأن الانتفاع إنما هو باستهلاك أجزاء الطعام لا بشيء آخر ومثله إجارة الشمع ليوقده لأنه يستهلك نفس العين. وكذا إجارة حيوان يأخذ لبنه أو صوفه أو يره فإنه لا يصح لأن المنفعة لا تقع إلا باستهلاك نفس العين المتولدة من الحيوان وإنما صح تأجير المرضعة لأنها يحصل منها عمل كوضع الثدي في فم المرضع وإمساكه بين يديها واحتمال ما يترتب على إرضاعه من ألم في بعض الأحيان ونحو ذلك فهي مستأجرة لهه المنافع واللبن غير معقود عليه مستقلا وأيضا فإنه أجير لحاجة الناس إليه ضرورة وكذا لا يصح استئجار شجرة لأخذ تمرها ونحو ذلك.
الشرط الثاني: معرفة العين المؤجرة بروؤية إن كانت لا تضبط بالصفات كالدار والحمام. فمن أراد أن يستأجر دارا فلا تصح إجارتها إلا بعد معلينتها، ومثلها الحمام.
أما إن كانت العين يمكن ضبطها بالصفات فإنه يصح تأجيرها بدون رؤية كالأراضي الزراعية فإنه يكتفي فيها بوصفها وذكر حدودها ونحو ذلك. وهل يصح إجارة الحمام مطلقا أو تصح مع الكراهة والجواب أن الكراهة فيه تنزيهية.
الشرط الثالث: القدرة على التسليم فلا تصح إجارة الحمل الشارد كما لا يصح بيعه ولا إجارة مشاع لغير شريكه لأنه لا يقدر على تسليمه إلا أن يؤجر الشريكان معا أو يؤجر أحدهما بإذن الآخر.
الشرط الرابع: اشتمالها على المنفعة المعقودة عليها، فلا تصح إجارة عين لغرض من الأرغاض وهو غير موجود فيها، فلا تصح إجارة الأخرس ليعلم العلم، وذلك ظاهر.
الشرط الخامس: كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذونا له فيها كالبيع.
ومن الأشياء التي لا تصح إجارتها ذكور الحيوانات التي تستأجر لإحبال إناثها، فلا يحل استئجار ثور ليحبل بقرة، ولا حملا ليحبل ناقة، وهكذا لأن المقصود من ذلك إنما هو منيه وهو محرم لا قيمة له فلا يصح الاستئجار عليه فإذا احتاج شخص إلى ذلك ولم يجد من يعطيه فإنه يصح له فإنه يصح له أن بدفع الأجرة ويكون الإثم على من أخذها ولكن لا بأس أن يدفع هدية بعد العمل بدون تعاقد ومنها لأنه لا تصح الإجارة على فعل قربة إلى الله تعالى كالحج والصلاة والآذان والإقامة وتعلين القرآن والفقه والحديث وإنما يصح الأخذ عليه على أنه جعالة لا أجرا كما يجوز أخذه بلا شرط على أنه يصح الوقف على الطاعات التي يتعدى نفعها للغير كالآذان وتعليم القرآن ونحوه والإمامة والقضاء والفتيا فيجوز لمن يقوم بهذه المصالح أن يأخذ الموقوف عليه من ذلك كما يجوز له أن يأخذ مرتبا عليها (رزقا) لا بعنوان كونه أجرا ولا يخرجه أخذ ذلك عن كونه قربة.
ولا يصح أن يصلي أحد عن آخر فرضا ولا نافلة في حياته وبعد مماته وتصح الإجارة على تعليم الخط والحساب والشعر المباح وشبهة كما تصح الإجارة على خدمة المساجد.
وأما القسم الثالث المكروه فهو إجارة الحجام فإنها وإن كانت صحيحة إلا أنه يكره الأكل من كسبه.