القيم التربوية
أحمد بن محمد بونوة
في البداية نأخذ مِثالاً عن وضعيَّة القِيَم في المدارس في إحدى الدُّول العربيَّة:
نسبة 66% من حالات العُنْف المدرسي تقع داخل المؤسسات التعليميَّة، و34% منها تَحدُث في محيط المدارس، كما أن أكثر من 67% من السُّلوكيات المُنحرِفة المسجَّلة تقع بين التلاميذ أنفسهم، بينما تتوزَّع 23% المتبقِّية بين العنف في حقِّ الأُطُر التَّربويَّة من طرف التلاميذ، أو من طرف أشخاص غُرباء عن المؤسسات التعليمية.
هذا يُعمَّم بنِسَب مختلِفة على مؤسساتنا التَّربويَّة في كلِّ المراحل، خصوصًا المتوسط والثانوي والجامعي، ويَدفَعنا إلى القول بأن الاهتمام بالقيم يُعَد قضيَّة العصْر، وخاصَّة في ظلِّ ما نَلحَظه من تشوُّهات السُّلوك الإنساني المعاصر، وغَلَبة الأنانيَّة والفردية والمادية، واضمحلال القيم الرُّوحية والأخلاقيَّة.
لذا وجب أن نَنشغل بالاهتمام بالقضيَّة القيمية والأخلاقية جميعًا كمربِّين (الأسرة، والمدرسة، والمسجد، والمجتمع، والمؤسسات العمومية، والخاصَّة)، كلٌّ في مجال اختصاصه، وبشراكة وتَواصُل وتَعاوُن حين يستدعي الأمر ذلك؛ لأنَّها مهمة صعبة تتحدَّى كلَّ تَربويٍّ وأب وأم، وبخاصة في ظلِّ ما يتعرَّض له الناشئةُ في عصر الانفتاح والعولمة.
إنَّ تعليمَ القيم الفاضلة، والتي هي أحكام وقواعد وأعراف ربانيَّة المصدر أصلاً مُتناسِقة وواقعيَّة تُوافِق طبيعة الإنسان، بل واقع الكون والحياة شاملة، تتوجَّه إلى تنمية الفرد في عقله وبَدَنه ورُوحه ونفسيَّته، والتَّربية فيها تكون بالتَّدرج والاستمرار والثَّبات، والتَّدرُّج يكون حسَب المرحلة العمريَّة وحسَب تقبُّل تلك التربية، والرُّجوعُ إلى المرجعيَّة الدينيَّة للاهتمام بالتَّربية القيمية أمرٌ حضَّتْ عليه المرجعيَّةُ الدينيَّة (قرآنًا وسُنَّة) كلها، وحتى السياسية والقانونية والبيداغوجية عالميًّا؛ ففي القرآن الكريم ذكَر الله تعالى في مُحكَم كتابه الكريم: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9].
وورد في السُّنة النبويَّة المُطهَّرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنما بُعِثتُ لأُتمِّم مكارمَ الأخلاق)).
التَّربية على القيم:
فتعليم القِيَم فريضة ينبغي الاهتمام بها، ومسؤولية يتحمَّلها الجميعُ دون استثناء، فهي تُعتبَر أكبرَ تَحدٍّ نُواجِهه لمدى قُدْرتنا على تربية أطفالنا، ليكونوا أفرادًا صالحين في ذواتهم وأفكارهم ومشاعرهم، ووجوب الحِفاظ على النَّشء من الذَّوبان في ما يُسمَّى بالعولمة والانسلاخ من الانتماء إلى كِيانهم ومجتمعهم.
وعندنا في (البيداغوجيا) في المقاربة الكفائيَّة أنَّ البيداغوجيا شجرة تَنْبُت في أرض القِيَم، وبدون قيم وأخلاق لا يُثمِر التعليمُ ولا التربيةُ، ولا بدَّ مِن دمْج القِيَم في الفرد بكلِّ مكوِّناته، مع وجوب التفاعل التام بين الأفراد والمجتمع، ولا بد فيها من التخطيط والقَصْد، ولا بدَّ من إعادة النظر في برامج التَّعليم والتَّربية، وإعطاء نِصيب زمني أكبر، ووسائل أكثر وأحدث، واهتمام أكبر بالمواد المؤثِّرة في تربية وغَرْس القيم في النَّشء؛ كالتَّربية الإسلاميَّة، والشريعة الإسلامية، والتاريخ، والتربية المدنيَّة القائمة على المرجعيَّة الدينية، والأعراف المجتمعية، والموروث الثقافي، وخصوصًا اللغة العربية، وذلك في كلِّ مراحل التعليم حتى العليا.
مصادر القِيَم:
• الفطرة وطبيعة الإنسان.
• الوالدان.
• الدين: الإسلام لا غير يؤثِّر إيجابًا.
• المجتمع.
• الإعلام، النت.
• المدرسة، الأصدقاء.
أسباب ضَعْف القيم الأخلاقية:
• انعدام أو اهتزاز القدوة.
• ضَعْف المتابعة والمشاركة في التربية والرقابة الأسرية.
• الإهمال الأُسري.
• التدليل المبالَغ فيه للأولاد.
• عدم الاهتمام بالتربية القيمية في مضامين وأنصبة التوقيت الزمني وبرامج المنظومة التربويَّة.
• عدم الاهتمام بالتربية القِيَمية: (التربية الدينية، والمدنية، والتاريخية، واللُّغوية)، من الجميع.
• الإهمال وعدم تَحمُّل المسؤوليَّة في التربية القيميَّة، من كثير من الأطراف.
• الإهمال من كثير من المؤطرين في التعليم، المعلمون أولاً في هذا الجانب.
• كِبَر النِّصاب الزَّمني المدرسي وطوله خلال اليوم (6 - 8 ساعات يوميًّا).
• الاكتظاظ العددي للطلاب في الأقسام.
• الاختلاط بين الجنسين.
• الاختلاط بين البيئات المختلفة.
• عدم المعالجة التربويَّة وإصلاح الأخطاء التربوية من المؤطرين ومن كلِّ الأطراف.
• عدم قيام الإعلام بواجِبه التربوي، أو قيامه بعكس مهمته وتَورُّطه في هدْم القيم.
• عدم الرقابة في التعامل مع الإعلام والإنترنت.
كيف نَغرِس القِيمَ؟
• غَرْس القيمة معرفيًّا.
• غرْسُها وِجدانيًّا.
• إجراؤها سُلوكيًّا.
• إعطاء القدوة والمثال.
معوِّقات غرْس القِيم والتربية عليها:
1- عدم معرفة خصائص النموِّ للأبناء من المربِّين.
2- فقْر الأساليب والوسائل في المؤسسات وغيرها.
3- التلوُّث الثقافي والإعلامي، وحتى الاجتماعي.
4- المفاهيم والاتجاهات الخاطئة عند المربِّين، وانعدام الاهتمام بمفهوم القدوة.
5- أصدقاء السوء.
6- اضطراب الأوامر والتعليمات؛ بالتَناقُض أو عدم التدرُّج.
كيف يمكن قياس القِيَم؟ التقويم لعملية التربية القِيَمية:
• من خلال المتابَعة من المربِّين جميعًا في كلِّ مكان المدرسة أو الشارع (المعلم، المدير، المفتِّش، الإمام، رجل الشارع، رجل الأمن، الإداري، الأب والأم).
• إدراج علامة خاصَّة عن الجانب السُّلوكي الأخلاقي في التقويم المستمرِّ.
• من خلال السُّؤال عن كيفيَّة التصرُّف في بعض المواقف المفترَضة، وكذا الواقعيَّة والدَّالة على القِيمة.
• من خلال ملاحظة المربِّي (الأب، الأم، المعلم الواعي) الذي يُعامِل الابنَ / الطالبَ ويُعايشه، حتى العامِل بالمؤسسة.
يتبع