عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-07-2021, 02:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الخضرمة الفنية ودورها في توثيق الشعر العربي

وعلى الرَّغم من أنَّ الأبيات تبدو عنيفةً في الوعيد بعد القسَم - فإنَّها لا تلبث أن تعود إلى الإيمانيَّة الصرفة، فيبدو شاعِرُها وكأنَّه يُخاطب مسلمًا عاصيًا، وعيده مؤجَّل إلى يوم الحساب، ومن ثَمَّ لا أجد مسوِّغًا لِجَزم ابن هشام أنَّها لأبي خيثمة أخي بني سالِمِ بن عوف، في حين تردَّد ابنُ إسحاق في نسبتِها له، أو لعبدالله بن رواحة[10]، وفيها مِن السَّمْت الخاصِّ ما يُرجِّح نسبتها لابن رواحة.



بقي أن أؤكِّد هنا على شيء هام، وهو أنَّ المخضرمَ لا يستطيع أن يغيِّر سَمْتَ شعره؛ طالما استقرَّ له سَمْت، وإلاَّ فلماذا لم يغيِّر ابنُ رواحة من طبيعة شعرِه لما علم أنَّه أهون على المشركين من شِعر صاحِبَيه؟



إنَّ الأمر ليس بِيَد الشاعر؛ لأنَّ ملكتَه الشِّعرية قد وَجَّهت طاقاتها الإبداعيَّة في اتِّجاهٍ بذاته، وقد وردَت إشاراتٌ نقديَّة تؤكِّد مثلَ هذا الصنيع؛ فالأصمعيُّ يقول: "ذهب أميَّة في شعره بعامَّةِ ذِكْرِ الآخرة، وعنترة بعامَّة ذِكْر الحرب"[11].



ليس ذلك لأنَّه لَم يَقُل شيئًا في غيرها، وإنَّما لأنَّ كلَّ شاعرٍ منهما تفنَّن في مجالٍ بحيث استقرَّ له سمتٌ فيه، يميِّزه ربَّما عن كلِّ مَن تحدَّث في هذا المَجال.



ومن خلال ما سبَق، نستطيع أن نقول: إنَّ القصيدة التي نُسِبت إلى حسَّان بن ثابت يَبكي حمزةَ يوم أحُد، والتي مطلعها:



يَا مَيُّ قُومِي فَانْدُبِي

بِسَحِيرَةٍ شَجْوَ النَّوَائِحْ




كَالْحَامِلاَتِ الوَقْرَ بِالثْ

ثَقْلِ الْمُلِحَّاتِ الدَّوَالِحْ




الْمُعْوِلاَتِ الْخَامِشَا

تِ وُجُوهَ حُرَّاتٍ صَحَائِحْ




وَكَأَنَّ سَيْلَ دُمُوعِهَا الْ

أَنْصَابِ تُخْضَبُ بِالذَّبَائِحْ




يَنْقُضْنَ أَشْعَارًا لَهُنْ

نَ هُنَاكَ بَادِيَة الْمَسَايِحْ




وَكَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْ

لٍ بِالضُّحَى شُمْسٌ رَوَامِحْ




مِنْ بَيْنِ مَشْذُورٍ وَمَجْ

زُورٍ يُذَعْذَعُ بِالبَوَارِحْ




يَبْكِينَ شَجْوَ مُسَلَّبَا

تٍ كَدَّحَتْهُنَّ الكَوَادِحْ




وَلَقَدْ أَصَابَ قُلُوبَهَا

مَجَلٌ لَهُ جَلَبٌ قَوَارِحْ




إِذْ أَقْصَدَ الْحَدَثَانُ مَنْ

كُنَّا نُرَجِّي إِذْ نُشَايِحْ [12]










هذه القصيدة ليست لحسَّان بن ثابت في ورد ولا صَدر، فهي ليست موجودةً في معظم نُسَخ الدِّيوان، وقد نصَّ ابنُ هشام على أنَّ أكثر أهل العلم يُنكِرها لحسَّان، كما أنَّ المُتابع لشعر حسَّان يرى أنَّ القصيدة بَعيدةٌ عن نسيج قصائده، وليس الطَّعنُ فيها نتيجةً لضعفها فنيًّا، وإلاَّ فالقصيدة فيها من مقوِّمات الفن ما يَشهد لصاحبها بالشاعريَّة؛ فمقدِّمتها - مثلاً - لا تطاولها مقدِّماتُ قصائد حسَّان بن ثابتٍ أوَّلاً، كما أنَّ طريقتها في حَشْد الصُّور البصريَّة تُخالف طريقته في حشد صُوَرِه، كما أنَّ الشاعر لم يستعرض فيها بعض أحداث الغزوة كعادتِه في شعر الغزوات، ثم إنَّ في القصيدة أيضًا ما يَقوم دليلاً على أنَّ المَرْثيَّ ليس حمزةَ بن عبدالمطلب، وإنما هو حمزة آخَر، فالشاعر يقول:



ذَكَّرْتَنِي أَسَدَ الرَّسُولِ

وَذَاكَ مِدْرَهُنَا الْمُنَافِحْ[13]










فمن أين يكون هو حمزة، وهو يذكِّر الشاعرَ بحمزة أسدِ الله ورسولِه؟ ومن ثَمَّ نرجِّح أن القصيدة ليست لحسَّان، وإنَّما هي مَنْحولة عليه، وأغلب الظَّن أنَّها قيلت في العصر الأمويِّ بعد فتنة عليٍّ ومعاوية.





المَراجع:

"أشكال الصِّراع في القصيدة العربية": د/ عبدالله التطاوي - مكتبة الأنجلو المصرية - 1991/ 1992م.

"خزَانة الأدب": عبدالقادر البغدادي - تحقيق: عبدالسلام هارون - الهيئة المصريَّة العامة للكتاب - 1979م.

ديوان عبدالله بن رواحة - جمع وتحقيق: د/ حسن باجودة - دار التُّراث - 1972م.

"سبل الهدى والرشاد" محمد بن يوسف الصالحي - المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.

"السيرة النبوية": أبو محمَّد عبدالملك بن هشام المعافري - دار المنار - الثانية - 1994م.

"شعر المخضرَمين": د/ يحيى الجبوري - مكتبة النهضة - بغداد - الأولى 1964م.

"الشعراء المخضرمون": د/ عبدالحليم حفني - الهيئة المصرية العامة للكتاب 1983.

"صحيح مسلم بشرح النووي" - تحقيق: عصام الصبابطي وآخرين - دار الحديث - الرابعة 2001م.

"العمدة": ابن رشيق القيرواني - تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد - دار الجيل - الخامسة 1981م.





[1] الشعراء المخضرمون: د / عبد الحليم حفني – الهيئة المصرية العامة للكتاب1983- ﺻ 19، 20.




[2] العمدة 1 / 113، 114.




[3] شعر المخضرمين: د / يحيى الجبوري –مكتبة النهضة – بغداد – الأولى 1964م - ﺻ 54،55.




[4] أشكال الصراع في القصيدة العربية: د / عبد الله التطاوي –مكتبة الانجلو المصرية- 1991/1992م - ﺻ 357.




[5] صحيح مسلم 16 / 49 – برقم 157.




[6] سبل الهدى 9 / 475.




[7] ديوان عبد الله بن رواحة - ﺻ 109.




[8] السيرة النبوية: 3 / 124.




[9] الخميس: الجيش، اللهام: الكثير.




[10] ينظر: السيرة النبوية 2 / 571، وديوان عبد الله بن رواحة - ﺻ 105.




[11] خزانة الأدب: البغدادي 1 / 247.




[12] سبل الهدى 4 / 346، وشجو: حزن، والملحات: الثابتات، الدوالح: المثقلات، المعولات: الباكيات بصوت، الأنصاب: حجارة كان يذبح عليها، المسابح: مالم يمشط من الشعر، شمس: نوافر، روامح: تدفع بأرجلها، مجزور: مذبوح، يذعذع: يفرق، البوارح: الرياح، مسلبات: من لبسن ثياب الحزن، الكوادح: نوائب الدهر، مجل: جرح فيه ماء، جلب: قشر الجرح، قوارح: موجعات، أقصد: أصاب، الحدثان: حوادث الدهر، نشايح: نحذر.




[13] سبل الهدى 4 / 346.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.68%)]