عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-07-2021, 12:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي أمة (اقرأ) والعام الدراسي الجديد

أمة (اقرأ) والعام الدراسي الجديد


د. حسام الدين السامرائي







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فقد أخرج البخاري في الصحيح أن عائشة زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم قالت - وهي تتكلم عن بدء الوحي -: "... ثم حُبِّب إليه الخلاء، فكان يلحق بغارِ حراءَ فيتحنَّثُ فيه - قال: والتحنُّثُ: التعبُّدُ - الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزوَّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزوَّد بمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملَك فقال: اقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أنا بقارئ))، قال: ((فأخذني فغطَّني حتى بلغ مني الجَهدَ، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئٍ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجَهْد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجَهْد، ثم أرسلني فقال: ﴿ اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقرأ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5])).



كان صلى الله عليه وسلم لا يقرأ، فيؤمر بالقراءة، فيصيبه الجهد، وجبريل يكرر الأمر بالقراءة، حتى قال في الثالثة: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، فنزلت بعد ذلك أكثر من سبع وسبعين ألف كلمة، وهي مضمون كتاب الله عز وجل، ليقرأها عليه الصلاة والسلام وتقرؤها الأُمَّة مِن بعده.



إننا أيها الكرام على أعتاب عام دراسي جديد، وها قد انطلَقت رحلة الأبناء في طلب العلم بعد إجازة طويلة، ويحسُن بنا في هذا المقام أن نتأمل في أول أمر يصدر من المولى جل وعلا إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو " اقرأ "، وأول مخلوق خلقه الله عز وجل هو القلم؛ ليكتب ما سيقرؤه الإنسان، فقد أخرج الترمذي بسند صحيح من حديث عُبادةَ بنِ الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتُبْ، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما كان وما هو كائن إلى الأبد)).



وتأمل في ارتباط هذه الجمل: (اقرأ، ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، الذي علم بالقلم)، فالخالق يريد من المخلوق أن يقرأ ما يكتبه القلم، ثم يُنزل ربنا - جلَّ في علاه - سورةً عظيمة تسمَّى سورة (القلم)، ومبتداها: ﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ [القلم: 1].



هكذا أراد الله عز وجل من رسوله عليه الصلاة والسلام أن يفتتح رسالته بالقراءة، وهكذا أراد سبحانه من خلقه أن يعلِّمهم أهمية القراءة، وهكذا أرادت الملائكة أن توجِّه إلى أهمية القراءة؛ فقد أخرج أحمد في المسند بسند صحيح من حديث أُبيِّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتاني جبريل وميكائيل، فقعد جبريل عن يميني، وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: يا محمدُ، اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استَزِدْه، فقلت: زدني، فقال: اقرأه على ثلاثة أحرفٍ، فقال ميكائيل: استَزِدْه، فقلت: زِدْني، كذلك حتى بلغ سبعةَ أحرفٍ، فقال: اقرأه على سبعة أحرف كلُّها شافٍ كافٍ))، وهو ما أراده عليه الصلاة والسلام من أصحابه، فتارةً يقول لابن مسعود كما عند البخاري: ((اقرأ عليَّ القرآنَ))، فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك أُنزل؟! قال: ((إني أحبُّ أن أسمعه من غيري))، قال: فقرأت عليه سورةَ النساء حتى جئت إلى هذه الآية: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، قال: ((حَسْبُك الآن))، فالتفتُّ إليه فإذا عيناه تذرفان.



وتارة يقول لأُبيِّ بن كعب - والحديث في الصحيحين من رواية أنس - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأُبيٍّ: ((إن الله عز وجل أمَرَني أن أقرأ عليك: ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾))، قال: وسمَّاني؟! قال: ((نعم))، فبكى.



إنه منهج "اقرأ" الذي أصَّله عليه الصلاة والسلام في الأمَّة، فقال لعبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: ((اقرأ القرآن في أربعين))، وقال لسعد بن المنذر: ((اقرأ القرآن في ثلاث إن استطعت))، وقال لأنس: ((اقرأ: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ عند منامك؛ فإنها براءة من الشرك)).



منهج "اقرأ" يقدِّمه يوم أن يقول: ((يَؤمُّ القومَ أقرؤُهم))، ويوم أن قدَّم زيد بن ثابت على غيره لأنه الأقرأ، ويوم أن فادى أُسارَى بدر بفَكاكِ أَسْر الواحد منهم بتعليم القراءة والكتابة لعشرة من الصحابة (مع حاجة النبي صلى الله عليه وسلم للمال في تلك الغزوة).



هكذا تعلَّمَت الأمَّةُ منهج "اقرأ "؛ فالزهري تشتكي منه زوجته لكثرة قراءته وتقول: إن كتبه أشدُّ عليَّ من ضرائرَ ثلاث.



وأبو داود صاحب السنن يطلب من الخيَّاط أن يجعل له في ثوبه مكانًا للكتاب.



والمأمون الذي كان لا ينام إلا وعند فراشه كتاب يقرأ فيه.



والجاحظ الذي إذا نزل في مكان استأجر مبيتًا في المكتبة لينام فيه.



وابن المبارك الذي يُعاتَب؛ لأنه يقضي وقته في خلوة في بيته، فيرد عليهم ويقول: إنني لست بخلوة، بل أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنبياء والأولياء والصالحين - يعني: أنه يقرأ في سيرتهم.



هكذا حتى ذاع صيت هذه الأمة، وبانت حضارتها، وتقدمت على باقي الأمم بفعل العلم والقراءة، فاشتهرت مكتبات بغداد، وقرطبة، وإشبيلية، وغِرناطة، ودمشق، والقاهرة.



أما اليوم، فمع الأسف الشديد أمة "اقرأ" لا تُحسِنُ أن تقرأ، وانظر إلى الأمم المتقدمة والمتحضرة، كيف أن القراءة عندها منهج كُتبت فيه بحوث، وأُلِّفت فيه رسائل، وصُنِّفت من أجله مصنفاتٌ؛ حتى أصبحت القراءة مفردةً من مفردات الحياة اليومية للفرد، بل أنفَقوا موازنات ضخمة لتأصيل وتثبيت منهج القراءة والمطالعة.



أيها الكرام:

القراءة وسيلة مهمة لاكتساب المعرفة، بل هي مفتاح العقول والأفهام والأفكار، وهي وسيلة لتنمية الذات وبناء الشخصية، هي راحة ومتعة وتسلية، هي سياحة في عقول الآخرين وأفكارهم، هي خلاصة تجارب إنسانية لسنين طويلة، هي رحلة إلى زمان ومكان مختلفين، هي بوابة المعلومات والمفردات، وهنا ربما يتساءل البعض: لماذا لا يُحسِنُ أبناؤُنا مواجهة الجمهور في الخطاب والمحادثة؟ ولماذا يعتريهم الخجل والتردد عند إلقاء الخطاب؟



أقول: الجواب بسيط للغاية، فلو كان الإناء مليئًا لنضَحَ وسكب ما فيه بمجرد تحريكه، لكن إن كان الإناء فارغًا فإنك حتى لو قلبْتَه رأسًا على عقب، فإنه لن يعطيك شيئًا، وعليه فأبناؤنا لا يملكون الكمَّ المطلوب من المفردات، فهم يفتقرون إليها، والسبب الرئيس: عزوفُهم عن القراءة والمطالعة.



أخي الحبيب:

اجعل لك منهجًا تقرأ فيه في كل يوم، كما فعل الصالحون، يقول الشيخ علي الطنطاوي: ألزمتُ نفسي بقراءة خمسين صفحة في كل يوم منذ ستين عامًا.



وأختم بما رواه الترمذي بسند صحيح من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول: يا ربِّ، حَلِّهِ، فيُلْبَسُ تاج الكرامة، ثم يقول: يا ربِّ، زِدْهُ، فيُلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب، ارضَ عنه، فيقول: رضيت عنه، فيقال له: اقرأ وارقَ، ويُعطى بكل آية حسنة)).




فتبدأ قصة الإنسان النافع بـ "اقرأ"، وتنتهي بالجنة بـ"اقرأ"، وكلما قرأ: ارتقى وارتفع وعلا.



هذا، والله من وراء القصد، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.25 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.52%)]