عرض مشاركة واحدة
  #96  
قديم 09-07-2021, 04:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 154,795
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

﴿ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾؛ أي: وهم في هذه الجنات مقيمون إقامة أبدية لا تحُول ولا تزول؛ فلا هي تزول، ولا هم يزولون عنها؛ ولهذا أكد خلودهم فيها بكون الجملة اسمية.

ولا خلاف بين أهل العلم في أبدية الجنة، وأنها لا تَفنى ولا يفنى أهلُها ولا نعيمها، وعليه توافرت الأدلة من الكتاب والسنة، كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا ﴾ [النساء: 57].

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه يؤتى بالموت فيُضجَع فيذبح ذبحًا على السور الذي بين الجنة والنار، ثم يقال: ((يا أهل الجنة، خلود لا موت، ويا أهل النار، خلود ولا موت))[16].

قال ابن القيم[17]: "وجمَعَ سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجنات، وما فيها من الأنهار والثمار، ونعيم النفس بالأزواج المطهَّرة، ونعيم القلب وقرة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد وعدم انقطاعه".

الفوائد والأحكام:
1) تصدير الخطاب بالنداء للتنبيه والعناية والاهتمام؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾ [البقرة: 21].

2) عموم رسالته صلى الله عليه وسلم لجميع الناس؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾.

3) وجوب عبادة الله تعالى وحده، فهي حق الله على العباد؛ لقوله تعالى: ﴿ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾ [البقرة: 21].

4) إثبات ربوبية الله العامَّةِ بجميع الخلق؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾ [البقرة: 21].

5) أن الإقرار بتوحيد الربوبية مستلزمٌ وموجب لتوحيد الألوهية؛ لقوله تعالى: ﴿ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 21، 22].

6) إثبات أن الله عز وجل هو الخالق وحده، خلَقَ الأولينَ والآخرين، وخلق كلَّ شيء؛ لقوله تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 21]، وهذا من معاني ربوبيته عز وجل.

7) في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 21] قطعٌ لحبل التقليد للآباء واتباعهم فيما كانوا عليه من الشرك والعادات السيئة؛ لأن ربَّ الجميع وخالقهم هو الله وحده لا معبود بحقٍّ سواه.

8) أن الله عز وجل خلَق الخلْق؛ لأجل أن يَتَّقُوهُ بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].

9) أن من أعظم نعم ربوبية الله عز وجل على الناس: أنْ خلَقَهم، وجعل الأرض لهم فراشًا ممهدة لعيشهم عليها، وجعل السماء بناء وسقفًا للمخلوقات، وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقًا لهم؛ لقوله تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾، وقوله: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾ [البقرة: 22].

10) فضلُ الله عز وجل العظيمُ، وقدرته التامة في خلق الخلق، وفي خلق الأرض وجعلها فِراشًا، وفي خلق السماء وجعلِها بناء، وفي إنزال المطر من السماء وإخراج النبات والثمرات رزقًا للعباد.

11) حكمة الله عز وجل في جعل المطر ينزل من السماء ليعُمَّ جميع الأرض، ما علا منها وارتفع، وما سفل منها وانخفض.

12) إثبات الأسباب، وأنها لا تكون مؤثِّرة إلا بأمر الله وإرادته؛ لقوله تعالى: ﴿ فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾ [البقرة: 22].

13) أن الرزق من الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾ [البقرة: 22].

14) في إحياء الأرض بالنبات وإخراجِ الثمرات منها دليلٌ على قدرته عز وجل على البعث.

15) تحريم اتخاذ الأنداد والشركاء مع الله؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22].

16) توبيخ المشركين الذين أشركوا مع الله غيرَه، وهم يعلمون أنه ربُّهم الذي خَلَقهم وخلَق الأرض والسماء، وأنزل المطر من السماء، وأخرج به الثمرات رزقًا لهم؛ مما يوجب إفرادَه وحده بالعبادة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾؛ لأن توحيد الربوبية يستلزم توحيدَ الألوهية، كما سبق بيانه.

17) أن التحريم والتوبيخ بالنسبة للعالِم أشدُّ؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾، بل إن الجاهل قد يُعذَر في بعض الأحوال.

18) تحدِّي المشركين المكذِّبين للقرآن، الشاكِّين في كونه من عند الله، بالإتيان بسورة واحدة من مثله، ودعاء شهدائهم من دون الله للاستعانة بهم وإشهادهم على ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 23].

19) دفاع الله عز وجل عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وإثبات صدقه فيما جاء به.

20) إثبات إعجاز القرآن الكريم، وأنه معجز بأقصرِ سورةٍ منه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾ [البقرة: 23]، معجزٌ بألفاظه ومعانيه، وأخباره وأحكامه، وغير ذلك.

21) إثبات علوِّ الله عز وجل على خلقه؛ لقوله تعالى: ﴿ نَزَّلْنَا ﴾، والتنزيل يكون من أعلى إلى أسفل.

22) تعظيم القرآن الكريم، وإثبات أنه كلام الله تعالى منزَّل غير مخلوق؛ لقوله تعالى: ﴿ مِمَّا نَزَّلْنَا ﴾ [البقرة: 23].

23) تشريف النبي صلى الله عليه وسلم وتكريمه بوصفه بالعبودية؛ لقوله تعالى: ﴿ عَلَى عَبْدِنَا ﴾ [البقرة: 23]؛ لأن العبودية لله تعالى أفضل ما يوصَف به البشر.

24) إثبات عدم قدرة المشركين ولا غيرهم على الإتيان بسورة من مثل القرآن، ونفي إمكانية أن يفعلوا ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ﴾ [البقرة: 24].

25) الوعيد والتهديد بالنار لمن كذَّب الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به من القرآن؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا النَّارَ ﴾ [البقرة: 24].

26) أن وَقود النار - نسأل الله العافية - الناسُ والحجارة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [البقرة: 24]، مما يوجب الحذر منها، والبعد عن أسباب دخولها.

27) في جعل الحجارة والأصنام التي عُبِدتْ من دون الله وقودًا للنار إذلالٌ لها، وإهانةٌ لمن عبَدوها، وزيادة في ندمهم، حيث عبَدوا ما لا ينفع ولا يضر، بل ما لا يستطيع الدفاع عن نفسه، وهذا على أحد القولين في المراد بالحجارة، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ [الأنبياء: 98، 99].

28) أن النار موجودة الآن؛ لقوله تعالى: ﴿ أُعِدَّتْ ﴾.

29) أن النار أُعِدَّت للكافرين، دارًا ومقرًّا لهم ومأوى ومصيرًا؛ لقوله تعالى: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 24].

30) أن غير الكافرين من العصاة ونحوهم ليست النار لهم بدارٍ؛ لأنهم لا يخلدون فيها، بل ربما يعفو الله عنهم ولا يدخلونها إلا تَحِلَّةَ القسَم، وفي هذا ردٌّ على من يقول بتخليد أصحاب الكبائر في النار كالخوارج ونحوهم.

31) جمَعَ القرآن بين الوعد والوعيد؛ ليجمع الإنسان في طريقه إلى الله تعالى بين الخوف والرجاء؛ لقوله تعالى بعد وعيد الكافرين بالنار: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ الآية [البقرة: 25].

32) البشارة للذين آمنوا وعملوا الصالحات بما أعَدَّ الله لهم من الجنات وألوان النعيم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ الآية [البقرة: 25].

33) عناية الإسلام بالبشارة والتبشير؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما إلى اليمن: ((بشِّرا ولا تنفِّرا))[18].

34) لا بد من الجمع بين الإيمان والعمل الصالح؛ لقوله تعالى: ﴿ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾، وفي هذا الرد على المرجئة الذين يقولون: يكفي مجرد الإيمان.

35) أن المهم في الأعمال أن تكون صالحة؛ لهذا حذف الموصوف في قوله: ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾، واكتفى بالصفة وهي "الصالحات".

36) عِظَمُ ما أعَدَّ الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات من الجنات المتعددة، وما فيها من الأنهار والرزق، والثمرات المتشابهة، والأزواج المطهَّرة؛ ومن أعظم ذلك الأمن من انقطاع هذا النعيم؛ لقوله تعالى: ﴿ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 25].

37) أن الجنة لا تفنى ولا يفنى نعيمُها ولا أهلها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.


[1] أخرجه البخاري في المناقب (3556)، ومسلم في التوبة (2769).

[2] أخرجه مسلم في الزهد - تحريم الرياء (2985)، وابن ماجه في الزهد (4202)- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[3] أخرجه مسلم في الأقضية - نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور (1718)- من حديث عائشة رضي الله عنها.

[4] أخرجه البخاري في الصلح - إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (2697)، ومسلم في الأقضية، نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور (1718)، وأبو داود في السنة (4606)، وابن ماجه في المقدمة (14)- من حديث عائشة رضي الله عنها.

[5] انظر "تيسير الكريم الرحمن" (1/ 62).

[6] أخرجه البخاري في بدء الخلق (3244)، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها (2824)، والترمذي في التفسير (3197)، وابن ماجه في الزهد (4328)- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[7] "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" ص (29- 32)، "إغاثة اللهفان" (1/ 71)، "طريق الهجرتين" ص (101).

[8] في "نونيته" ص (229).

[9] انظر "بدائع التفسير" (1/ 295).

[10] البيت للكميت. انظر: "مجاني الأدب" 3/65 .

[11] أخرجهما الطبري في "جامع البيان" (1/ 416) تحقيق التركي، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 66).

[12] أخرجه البخاري في بدء الخلق (3245)، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2834) والترمذي في صفة الجنة (2537) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[13] انظر "ديوانه" ص (605)، "لسان العرب" مادة "زوج".

[14] البيت لعبدة الطبيب انظر "ديوانه" ص (50)، "لسان العرب" مادة "زوج".

[15] انظر: "ديوانه" ص140 .

[16] أخرجه الترمذي في صفة الجنة (2557)، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".

[17] انظر "بدائع التفسير" (1/ 296).

[18] أخرجه البخاري في الجهاد والسير (3038)، ومسلم في الأشربة (1733)، وأبو داود في الأشربة (3684)، والنسائي في الأشربة (5595)، وابن ماجه في الأشربة (3391)، من حديث أبي موسى رضي الله عنه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.94 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.12%)]