شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
المواضع التي نهي عن البول فيها
صــ 1إلى صــ 46
الحلقة (40)
[شرح أثر ربيعة الرأي في تفسير حديث: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب عن الدراوردي أنه قال: وذكر ربيعة أن تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه): أنه الذي يتوضأ ويغتسل ولا ينوي وضوءا للصلاة ولا غسلا للجنابة].
أورد أبو داود هذا الأثر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن رحمه الله أنه فسر الحديث بأن المقصود به ألا يكون هناك نية للوضوء ولا الغسل، ومن المعلوم أن النية لابد منها، وأن الإنسان لابد أن يستذكر هذه العبادة وينويها، ولو أن الإنسان اغتسل وعليه جنابة وما نوى غسل الجنابة فإن غسله لا يعتبر؛ لأنه لابد من النية، فإذا كان عليه جنابة واغتسل للتبرد وما نوى رفع الجنابة فإن الجنابة لا تزال باقية عليه؛ لأن العبادة لابد فيها من النية.
[تراجم رجال إسناد أثر ربيعة الرأي في تفسير حديث: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)]
قوله:
[حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح].
هو أحمد بن عمرو السرح المصري ثقة أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الدراوردي].
الدراوردي هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ربيعة].
هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة
[حال الأحاديث الواردة في التسمية عند الوضوء]
q هل صح عن الإمام أحمد أنه قال: هذا الباب ليس فيه شيء يثبت؟
a لا أذكر، لكن بعض العلماء قال: إنه لم يثبت فيه شيء، وبعضهم قال: إن الشواهد والأحاديث التي وردت في الموضوع على اختلافها يشهد بعضها لبعض ويثبت بها الحكم.
[حكم حلق اللحية وتقصيرها]
q هناك رجلان أحدهما يحلق لحيته والآخر يقصر منها ما دون القبضة، فهل هما شيء واحد من حيث مخالفتهما للشرع المطهر، أم بينهما فرق؟
Aليسوا سواء؛ لأن بعض الشر أهون من بعض، ومعلوم أن الذي يحلقها فعل أمرا محرما أكثر مما فعله من قصر منها، فهم مخطئون جميعا وهم متفاوتون في الخطأ، إذ لا شك أن الحلق أسوأ من التقصير.
[حكم الجلوس مع المرأة من أجل خطبتها ونكاحها]
q هل يجوز لمن ينظر إلى المرأة لأجل نكاحها أن يجلس معها ويتعارف معها بحيث يسألها عن صفاتها وميولها وغير ذلك مما يتعلق بنفسها بحجة معرفتها تمام المعرفة قبل الإقدام على الزواج بحضور أبيها أو أخيها؟
a الذي يبدو أن التوسع في كونه يجلس معها وينظر إليها لا ينبغي، وأما كونه يسألها ويحصل شيء من الأسئلة فهذا غير واضح.
[احتياط المتقدمين في عنعنة المدلس]
Qذكر أبي داود لطريق قتادة التي فيها التصريح بالسماع، هل هذا يفيد دفع توهم تدليس قتادة ويبنى عليه أن المتقدمين كانوا يحتاطون في عنعنة المدلس خلافا لمن أنكر ذلك؟
a نعم، المقصود هو بيان دفع احتمال التدليس؛ لأن العنعنة فيها احتمال الانقطاع واحتمال الاتصال، فإذا جاء التصريح بالسماع زال الاحتمال الآخر الذي هو احتمال الانقطاع، ولا شك أن هذا من عمل المتقدمين، فكون أبي داود رحمه الله أورد هذا الطريق هو من أجل هذا، فالاحتياط هو صفة للمتقدمين؛ لأن المتقدمين هم أصحاب الأسانيد، أما المتأخرون فما عندهم إلا النظر فيما عند المتقدمين وفي أسانيد المتقدمين وحصول التصريح في مكان آخر، ولكن صنيع أبي داود لا شك أنه قصد به شيئين: الأول: وجود طريق أخرى، والثاني: التصريح بالسماع.
[الفرق بين كلمة (لها صحبة) وكلمة (صحابية)]
q هل هناك فرق بين التعبير بقولنا: لها صحبة وقول: صحابية؟
a كلمة صحابية ولها صحبة كلها تدل على أن الصحبة موجودة، لكن التعبير بكلمة صحابية كأنها أقوى أو أنها أوسع من كلمة لها صحبة؛ لأن من يكون معروفا بالصحبة لا يقال فيه: له صحبة، وإنما يقال: صحابي أو صحابية، يعني: أن الشخص المعروف الذي صحب الرسول صلى الله عليه وسلم مدة طويلة وروى عنه لا يقال فيه: له صحبة وإنما يقال: صحابي؛ لأنه لا يقال: له صحبة إلا في شخص قد يظن أنه ليس بصحابي.
[حكم الجمع بين الجمعة والعصر في السفر]
q هل يجوز للمسافر أن يجمع بين صلاة الجمعة والعصر؟
a هذه المسألة فيها خلاف، فكثير من أهل العلم قال: إن ذلك لا يجوز؛ وذلك لأنه لم يأت الجمع إلا بين صلاة الظهر وصلاة العصر ولم يأت جمع العصر مع الجمعة، وبعضهم يجيز ذلك، ولكن الأحوط هو أن الإنسان لا يفعله، فلا يجمع مع الجمعة العصر.
[حكم التحنيك]
q هل التحنيك مشروع؟
وما ردكم على من قال: إن التحنيك يقصد به التبرك، فهو لا يجوز وهو من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم؟a التحنيك سائغ وليس شيئا انتهى، أو لا يكون له وجود بعد زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الشيء الذي انتهى هو التبرك؛ لأنه لا يذهب إلى أحد ليحنك تبركا بريقه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ما جاء في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها
[شرح حديث: (إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها.
حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات؛ فإنه لا يدري أين باتت يده)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمة الله عليه بابا في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها، والمقصود من هذه الترجمة: بيان حكم غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء عندما يريد الإنسان أن يتوضأ،
وهذا فيه حالتان: الحالة الأولى: أن يكون قام من نوم الليل وهو يريد أن يتوضأ فلا يغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثا.الحالة الأخرى: يستحب له أن يغسلها ثلاثا قبل أن يغمسها في الإناء.
وفيما يتعلق بالقيام من نوم الليل أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثا؛ فإنه لا يدري أين باتت يده)، ففي هذا تقييد بالقيام من نوم الليل، وأنه قد نهي المسلم أن يغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثا، وهذا فيه وجوب غسل اليدين عند القيام من نوم الليل قبل غمسهما في الإناء ثلاثا، وبعض أهل العلم رأى أن من حصلت منه المخالفة وغمسها قبل أن يغسلها خارج الإناء ثلاثا فإن الماء يكون متنجسا ولا يجوز استعماله.وبعضهم رأى أنه لا يتنجس بذلك ولا يسلبه الطهورية،
ولكنه يأثم لمخالفته ولوقوعه في النهي.وبعض أهل العلم رأى أن هذا على الاستحباب، وأنه يستحب للإنسان أن يغسلها، لكن القول بالوجوب، وأنه لا يجوز له أن يغمسها قبل أن يغسلها ثلاثا عند القيام من نوم الليل هذا هو القول الأولى والأظهر، ولكنه لو خالف لا يسلبه الطهورية.أما ما عدا حالة القيام من نوم الليل فإن المستحب في حقه أن يغسلها ثلاثا، وقد جاء في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم روايات عديدة فيها: أنه أفرغ على يديه قبل أن يغمسها في الإناء، فهذا يدل على الاستحباب في تلك الأحوال، أما حالة القيام من نوم الليل فهي التي يجب غسلها، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإنه لا يدري أين باتت يده) وذكر المبيت إنما يكون بالليل وهو متفق مع قوله: (من الليل)،
ومعنى ذلك: أن النوم في الليل غالبا يكون طويلا ويكون فيه استغراق، وقد تصل يده إلى أماكن يحصل لها شيء من النجاسة، فيكون في غسلها قبل أن يغمسها ابتعاد عن إفساد الماء،
أي: أن كون اليد حصل لها شيء من النجاسة ثم تغمس في الإناء قبل أن تغسل خارج الإناء يكون سببا لنجاسة الماء؛ لأن الماء القليل تؤثر فيه النجاسة إذا وردت عليه، فاليد مثلا إذا كان فيها نجاسة ثم غمسها الإنسان في إناء صغير فإنه يكون نجسا بذلك ولا يجوز استعماله،
وهو متفق مع ما تقدم في حديث القلتين: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)،
ومعناه: أنه إذا كان دونها فإن النجاسة تؤثر فيه، وإن لم تغير له لونا أو طعما أو ريحا كما ذكرنا ذلك من قبل، وعلى هذا فإن القيام من نوم الليل يجب فيه غسل اليدين قبل إدخالها في الإناء، وأما غير حالة القيام من نوم الليل فإنه يستحب إلا إذا كان الإنسان علم بأن يده فيها نجاسة؛ فإنه يتعين عليه أن يغسل يديه خارج الإناء لما علمه من النجاسة في يده، وهذا في غير القيام من نوم الليل، أما القيام من نوم الليل فالإنسان يغسلها على كل حال.
[تراجم رجال إسناد حديث: (إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها)]
قوله:
[حدثنا مسدد].
مسدد هو ابن مسرهد ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو معاوية].
أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، ثقة مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
الأعمش هو سليمان بن مهران الكوفي، وهو ثقة اشتهر بلقبه الأعمش واسمه سليمان بن مهران أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي رزين].
أبو رزين هو مسعود بن خالد وهو ثقة أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[وأبي صالح].
وأبو صالح هو ذكوان السمان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثا على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
[طريق أخرى لحديث: (إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها)]
[حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم -يعني: بهذا الحديث- قال: مرتين أو ثلاثا.ولم يذكر أبا رزين].
أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وفيه أنه قال: مرتين أو ثلاثا.
يعني: يغسل يده قبل أن يدخل الإناء مرتين أو ثلاثا، وهذا فيه الشك بين الروايتين أو الثلاث، والرواية المتقدمة فيها الجزم بالثلاث، وكذلك غيرها من الروايات، وفيه أيضا أنه لم يذكر أبا رزين.يعني: أن الإسناد الثاني ليس فيه ذكر أبي رزين بخلاف الإسناد الذي قبله فإن فيه ذكر أبي رزين مع أبي صالح، وأما في الإسناد الثاني فليس فيه إلا أبو صالح السمان.
[تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث: (إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإناء)]
قوله:
[حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس].
مسدد مر ذكره، وعيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة].
وهؤلاء مر ذكرهم جميعا.
[شرح حديث: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات)]
[حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ومحمد بن سلمة المرادي قالا: حدثنا ابن وهب عن معاوية بن صالح عن أبي مريم أنه قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده، أو أين كانت تطوف يده)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وفيه ذكر النوم مطلقا: (إذا قام أحدكم من نومه) ولم يقل: من نوم الليل، ولكنه محمول على نوم الليل؛ للرواية المتقدمة عن أبي هريرة نفسه التي فيها: (إذا قام من الليل)،
ثم أيضا في آخره ما يدل على ذلك حيث قال: (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) والبيتوتة أو المبيت يطلق على نوم الليل، وعلى ما يحصل في الليل.
قوله: (أو أين كانت تطوف يده) يعني: أين تصل يده من جسده، فقد تصل إلى فرجه وفيه نجاسة، أو تصل إلى بثرة أو شيء يكون فيه دم فيعلق بيده.فتقييد القيام من النوم بالقيام من نوم الليل جاء في الرواية الأخرى ما يدل على أنه خاص بالليل، وذلك أن نوم الليل هو الذي يكون فيه الاستغراق وهو السكن، وهو الذي يطول فيه المبيت، بخلاف نوم النهار فإنه يكون قليلا غالبا وإلا فقد يكون كثيرا.
[تراجم رجال إسناد حديث: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات)]
قوله:
[حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح].
هو أحمد بن عمرو السرح المصري ثقة أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[ومحمد بن سلمة المرادي].
هو محمد بن سلمة المرادي المصري ثقة أيضا وحديثه أخرجه أيضا مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة كالذي قبله.
[قالا: حدثنا ابن وهب].
ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معاوية بن صالح].
هو معاوية بن صالح بن حدير صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي مريم].
أبو مريم قيل: اسمه عبد الرحمن بن ماعز، ويقال: مولى أبي هريرة، ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي.
[قال: سمعت أبا هريرة].
أبو هريرة مر ذكره.