عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 28-07-2021, 02:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"

القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد" 2
محمد ويلالي


فانظر كيف جعل الحضارةَ تنطلق من الشرق، وتأخذ في السير لَمَّا كانت الأوضاع الحضارية تستمد قُواها من الإسلام، وتعتمد في قوانينها ونَهج سيرها على ما رَسَمه الشرع، في اتِّزان كامل، واطمئنان بالغ، ثم ترى هذه الحضارة قد تنكبت سيرها، واتَّخذت وجهة غير وجهتها، فيطرح التساؤل: "أفما لرحلتها من استئناف؟".

وكأنِّي بالشاعر ينبه الغافلين، ويُوقظ الوسنانين، بنقرة على هذا الوطر الحساس، الذي تَجرَّعت الأمة الإسلاميةُ أضرارَه، على أنَّ صيغةَ التساؤل توحي بأنَّ سببَ النهوض يسير، لا تكلُّفَ فيه ولا مَشَقَّة، سوى النظر إلى المعتقد الصحيح، أيامَ كانت الدَّولة باسطة دثارها على مُعظم المعمورة، لا يَحكم إلا الإسلام، ولا يسمح بغيره بديلاً، وذلك الإيمان الذي تغلغل في النفوس، وأشربته كل ذرة من كيان السابقين؛ يقول:
أَقْسَمْتُ مَا كَانَ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ
بِمُشَعْوِذٍ، كَلاَّ، وَلاَ عَرَّافِ

لَكِنَّهُ الْإِيمَانُ مَنْ يَظْفَرْ بِهِ
يَلْقَ الْمَفَاوِزَ سَهْلَةَ الْأَكْنَافِ



ثم يقول:
هَذَا الَّذِي جَعَلَ النَّبِيَّ وَرَهْطَهُ
إِنْ حَارَبُوا انْتَصَرُوا عَلَى الْأَضْعَافِ

يُسْتَضْعَفُونَ لِقِلَّةٍ لَكِنَّهُمْ
بِوُثُوقِهِمْ فِي اللَّهِ غَيْرُ ضِعَافِ[17]




وترى "محمود غنيم" يستقي صورَه هاتِه، إمَّا من القرآن الكريم، أو من أحداث السيرة النبوية، وهذا شأن المسلم الحق، فهو لا يصرف أوقاتَه وأداتَه الفنية في اللهو والعبث، ويَجعلها صَفَدًا يُكبِّل به نفسه ومشاعِرَه، وكأنِّي به لما قال: "ليس محمد بمشعوذ ولا عراف"، نظر إلى الأقوال التي كانت تتماطر كالوابل من طرف المشركين والكفار؛ حيث قالوا مرة: "شاعر"، وقالوا أخرى: "مجنون" وقالوا ثالثة: "شاعر"، وقالوا رابعة: "إنَّه يحكي أساطير الأولين".

وعندما قال: "لكنه الإيمان من يظفر به"، استسهل كل العَقَابيل والعراقيل، ونظر إلى قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قل: آمنت بالله، ثم استقم))[18]، وهو سبيل الفوز والنجاح، وكذلك البيت الثالث، ما هو إلاَّ ترجمة لقوله - تعالى -: ï´؟وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُï´¾ [الطلاق: 3]، وقوله - تعالى -: ï´؟إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْï´¾ [محمد: 7].

وأَنْعِمْ "بالكلمة" إذا كان مصدَرُها الوحي، و"بالدعوة" إن كان أساسُها الحِكْمة النبوية، و"بالنصيحة" إذا كان مرفؤها الاقتداءَ بسيرة السلف الصالح!

ثم يتفطن "غنيم" إلى جُملة الأسباب التي أدَّت إلى ضَعْف المسلمين، وتَخلِّيهم عن الزَّعامة، فلَمَّا رأى أن السببَ الرئيس هو تَهافُت كثير من الناس على الشَّهوات الزَّائلة، والنَّزوات الزائفة، وإشباع رغبات الجسد التافهة، انطلقت صيحتُه مدوية، تدعو إلى نبذ هذه الرذائل، والتشبث "بالروح" والقيم العلوية السامية، لكن، ليس عن طريق الأسلوب المباشر، فقد تكون الدعوةُ - حينئذٍ - ضعيفةً مُتهاوية، لكن في قالب فني يَحمل على التأثُّر، ويدفع إلى الانفعال:
صَاحِ دَعِ "الرُّوحَ" وَدَعْ قُدْسَهَا
نَحْنُ عَبِيدُ الْجَسَدِ الْفَاسِدِ[19]



المطلب الثاني: الأخلاق ودورها في النهوض بالمسلمين:
لم يكن لشاعرنا أن ينسى دَوْرَ الأخلاق في التوجيه والاستقامة، وتَحقيق المقاصد الشرعية من فَنِّ القول، لكنَّ دَعْوَته تنطلق من تبصُّر كامل، مدرك لكل ما يَجري في مُجتمعه، فالناسُ قد عزفوا عن الخُلُق الحسن، وانكبُّوا على الزخارف والقشور، من اعتناء بالمظهر، وجمع للمادة، حتى انعدم - أو كاد - الاهتمامُ بأمور السلوك والأخلاق:
قَدْ يُحْسَدُ الْمَرْءُ عَلَى رِزْقِهِ
وَلاَ أَرَى لِلْخُلْقِ مِنْ حَاسِدِ

الْعِلْمُ وَالْأَخْلاَقُ مَا قُدِّسَا
إِلاَّ لِنَفْعٍ مِنْهُمَا عَائِدِ[20]



المطلب الثالث: معاول هدم:
و"لغنيم" لفتةٌ ذكية إلى كثيرٍ من المعاول التي أخذت في هدم الأُمَّة الإسلامية، وتقويض كيانها، والحيلولة دون مُسايرة الركب الحضاري، وأشدها ضررًا: الاعتناء "بالشعوذة"، والتمسُّح "بالقبور"، والاهتمام "بالمواليد"، والاعتقاد في "الكهانة" و"السحر" وما إلى ذلك.

وقد عقد لمعالجة هذه القضية قصيدة مستقلة، تَحدث فيها عمَّا يَجري في أثناء الاحتفال بمولد "السيد البدوي"؛ ليستنتج أنَّ كثيرًا من الناس يغترون بأصحاب العمائم الخضراء، ممن يَدَّعون الزُّهْدَ والتُّقى، وما كان أمرهم إلاَّ هَدْمًا لِحَقيقة الدين، الذي يُبغض صرفَ العبادة لشيء غير الله، من حيث إنَّهم رفعوا شعارَ الإصلاح مَيْنًا ونِفَاقًا، فكان من جراء ذلك أن بسطت الغفلةُ ستارَها على الأذهان، وأسدلت غشاوةً سَميكة على القلوب، فتقدم غيرُنا، وبقي المسلمون كالمقْعَدين الذين لا يستطيعون حولاً ولا حيلة:
لَهْفِي عَلَى بَلَدٍ بِعَا
دَاتِ الْجُدُودِ مُقَيَّدِ

جَرَتِ الشُّعُوبُ وَلَمْ يَزَلْ
بِمَكَانِهِ كَالْمُقْعَدِ

إِنْ قَادَ بَعْضُ الْمُصْلِحِي
نَ زَمَانَهُ لَمْ يَنْقَدِ

وَإِذَا دَعَتْهُ عِمَامَةٌ
خَضْرَاءُ لَمْ يَتَرَدَّدِ

بِاسْمِ الصَّلاَحِ يُشَوِّهُو
نَ مِنَ التُّقَاةِ الزُّهَّدِ[21]




يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.18 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.75%)]