عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 28-07-2021, 02:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,797
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"

ونَجد "غنيمًا" يذم كلَّ مَن تعلق بأسبابِ الماضي من أجل "الألقاب" والعادات المستحدثة والذِّكْريات دون عمل أو نهوض؛ لأنَّ ذلك يبقى للماضي في قُوَّته، وشموخ صرحه، ويزيد الحاضر ضَعْفًا، وتقويض بناء.
"بِتْنَا نَعِيشُ بِذِكْرَيَاتِ جُدُودِنَا
هَيْهَاتَ لَيْسَ الْحُرُّ كَالْمُسْتَعْبَدِ

أَيْنَ الْجِبَالُ مِنَ التِّلاَلِ أَوِ الرُّبَا
أَيْنَ الْقَوِيُّ مِنَ الضَّعِيفِ الْمُقْعَدِ"[27]



وكذلك قوله:
"كَمْ زُيِّنَ اسْمٌ بِأَلْقَابٍ مُكَدَّسَةٍ
وَقَدْ تَجَرَّدَ مِنْ زَيْنٍ مُسَمَّاهُ



يَتِيهُ بِالْفَضْلِ ذُو فَضْلٍ فَأَمْقُتُهُ
مَا بَالُ قَوْمٍ بِأَسْلاَفٍ لَهُمْ تَاهُوا"[28]



وتبقى بذور التفاؤل نابتةً في نفس "غنيم"، والأمل مَنشودًا، فلا شيءَ يَمنع من إحلال عيشة الرَّغَد والسَّعادة مَحلَّ النكد والكمد، في ظل الشريعة الإسلامية السَّمْحاء؛ يقول:
"يَا لَيْتَ شِعْرِي يَا هِلاَلُ أَعَائِدٌ
لِلْمُسْلِمِينَ بِنَصْرِ دِينِ مُحَمَّدِ"[29]



ويقول مخاطبًا الهلال أيضًا:
"وَاعْمُرْ خَرَابَ النَّفْسِ يَا ابْ
نَ الشَّمْسِ بِالْأَمَلِ الْوَطِيدْ

أَوْمِضْ عَلَيْنَا وَمْضَةً الْ
إِيمَانِ فِي لَيْلِ الْجُحُودْ"[30]



وبعد؛ فلعلَّنا وقفنا على السر في تنويه النقاد بمحمود غنيم، بأنَّه من ضمن الشعراء المعاصرين البارزين، الذين مجدوا الماضي، واهتموا بقضيته على نحو ما عرفنا تفصيله، وقد قال الدكتور: "أحمد محمد الحوفي": "مجدت الماضي عاتكةُ الخزرجي، ومصطفي جمال الدين، ومحمود حسن إسماعيل، ومحمود غنيم"[31].

المبحث الثالث: القضايا والمواقف الاجتماعية:
المطلب الأول: "محمود غنيم" الشاعر الاجتماعي:
هذا هو الميدان الذي أحرز فيه "غنيم" قَصَبَ السَّبْق، وكان موضع إعجاب الكثير من النقاد، ولعل المفاضلة بينه وبين "حافظ إبراهيم"، كان مُنطلقُها من هذه الناحية التي أماطت اللثام عن قدرة "غنيم" في جس نبض المجتمع، وإبراز خفاياه وما يُعانيه، في أسلوبٍ بديع، فهو بِحَقٍّ "شاعر المجتمع الذي يعيش فيه، يصور أفراحَه وأتراحه، ويرسم شؤونَه وشجونه، في إطارات موشاة بصفاءِ خياله، وسَماحة عبارته، ورِقَّة دِيباجته، ودِقَّة سبكه"[32].

وقد قال الأديبُ الحجازي الكبير "محمد سعيد العمودي": "الذي لا خلافَ فيه، هو أنه (يعني غنيمًا) شاعر مصر الاجتماعي الأول في هذا الأوان[33]"[34]، ثُمَّ تَحدث عن شهرته، ومدى اهتمام الناس بشعره، وأرجع ذلك إلى الجانب الشَّكْلي؛ من وضوح عبارة، وجَوْدَة أسلوب وما إلى ذلك، وإلى الجانب الموضوعي؛ حيث إنَّ: "الشاعر يكاد ينفرد بين شعراء الجيل الجديد في مصر بأنَّه أكثر اتِّجاهًا إلى موضوعات الاجتماع، وإلى الموضوعات القومِيَّة"[35].

ولا ينفرد النُّقادُ بهذا الرأي، بل إنَّ "غنيمًا" نفسه، يؤكد كونه راعى هذه الناحيةَ أيَّ مراعاة، وكأنه عرف أنَّ مَصدر الداء هو هذه الموجات المتلاطمة من العادات والأفكار، والتي تَحتاج إلى استعجالٍ في العلاج أكثر من غيرها، فهو يقول: "على أننا نزعم - مع ذلك - أنَّ ما قرضناه من شعر يُمثِّل للعصر الذي شاءت لنا المقادير أن نعيشَ فيه، تَمثيلاً فيه كثيرٌ من الصدق، وفيه كثير من إبراز سِمَات هذا العصر ومُشَخصاته"[36]، مُنطَلِقًا - في إبداء هذا الرأي - من المقولة المشهورة: "الإنسان ابن بيئته"، يتشخص فيه كثير من مظاهرها، ويتأثَّر بكل ما يجري فيها؛ يقول "غنيم": "لأنَّنا ندين بأن الشعر جزء لا يتجزأ من زمنه وبيئته، وما يُحيط به من المؤثرات، وبأن إنتاجه وليد هذه العوامل مجتمعة"[37].

وتتوافر "لغنيم" العوامل؛ ليكونَ شاعِرَ المجتمع الأول بلا منازع، فقد عرفنا ثقافته الواسعة، وموهبته الشفافة، وسرعة إحساسه بالأحداث، وصدق تعبيره عنها، وبخاصة وهو ابن المجتمع، بل ابن البيئة المتواضعة المترصدة لكل الأحداث، وحتى يكون لهذا القول مصداقيته، لندلف إلى النماذج نَجلوها ونقلبها، وسأقتصر على اليسير منها، فالحق أنك كلما طالعتك قصيدة اجتماعية من قصائد الديوان، تداعت عليك الصُّور الاجتماعية تَتْرى، متماثلة في الجمال، متوازية في السموق، تجعل الدارس يحار في الاختيار.

المطلب الثاني: حالة غنيم الاجتماعية، واهتمامه بقضية الفقر:
لعل من الصواب أن ندرج لمحة عن واقع الشاعر وحالته الاجتماعية، قبل الإشارة إلى الإحساس الخارجي الذي يعم المجتمع، وأول ما يطالعنا في هذه الخطوة أنَّ الشاعر كان مُمعِنًا في الفقر، تكاد تسمع صدى العوز في كل بيت من أبيات الديوان، فـ"غنيم" كان ناجحًا في حياته، قد بدأ بحفظ القرآن الكريم، ثم الدراسة في المعاهد الدينية، ثم بدأ بمباشرة التعليم منذ سنة 1929م وإلى 1938م، وقد مَرَّ بنا[38] أن تاريخ نظم الديوان كان بين عامي: 1929 و1945م، فيكون قد نظمه وهو يشتغل بالتعليم، على أن السنوات الست الأخر بعد 1939م كان يشتغل فيها بالتفتيش، لكنه لم يكن أيسر حالاً وهو في التفتيش منه في التعليم، وستنطق النماذج بذلك - إن شاء الله تعالى.

ولا نشكُّ في أن مجتمع "غنيم" كان يضج بالأحزان، وتضطرب فيه الأحداث السياسية، والعادات الاجتماعية، وقد استنتج ذلك "توفيق ضعون" عن هذا العجز المادي، الذي كان يعيشه "غنيم"، بأنَّ ديوان الرجل كان يعج بأنات آلامه، وحشرجات شكاواه.

انظر كيف يصور حالته مع تلاميذه - وهو في إطار التعليم - في أنَّه يعمل على تكوين الأجيال، ويبقى هو في فلكه دون تقدم أو تأخُّر، فيقول:
"يَرْقَى بَنُوه إِلَى الْعلاَ
وَرُقِيُّهُ أَمَلٌ كَذُوبْ

سَمَحَتْ بِرَاتِبِهِ خُلُو
فٌ مَا لَهَا أَبَدًا ثُقُوبْ

سِيقَ الْعِجَافُ لَهُ وَسِي
قَ لِغَيْرِهِ الْبَقَرُ الْحَلُوبْ"[39]



وقد عبر "غنيم" عن نقص راتبه بقوله:
"لِمُعَلِّمِ الْوَادِي رَجَا
ءٌ فِي "نَجِيبٍ" لاَ يُجِيبْ

لِمَ لاَ وَأَنْتَ بِحَقِّهِ
فِي كُلِّ آوِنَةٍ تُجِيبْ"[40]


يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.42 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]