عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 28-07-2021, 04:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,675
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"

ومن فطانة الشاعر أنَّه استهل القصيدةَ بأسلوب لطيف، يدفع للاستجابة، ويَحتاط من النفور، جاعلاً شباب "مصر" - الذي هذه صفاته - "زينةَ الشباب"؛ لأنه العمدة - بعد الله تعالى - في التقدم بالأمة، ورفع صرحها عاليًا، ثُمَّ يُبيِّن أنَّ دعوته هذه ما هي إلاَّ همس في آذانِ هؤلاء الشباب؛ لعلهم عن هذه العادات يرعوون، وبالنصيحة يرتدعون؛ قال:
"شَبَابَ النِّيلِ يَا زَيْنَ الشَّبَابِ
وَيَا أَشْبَالَ آسَادٍ غِضَابِ

مَعِي عُتْبٌ أُوَجِّهُهُ إِلَيْكُمْ
وَقَدْ تَصْفُو الْمَوَدَّةُ بِالْعِتَابِ"[54]



وهذا أسلوبٌ دعوي عملي جدير بالتقدير؛ لأنَّه مستقى من القرآن الكريم من جهة، ومن سلوك النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الدعوة إلى الله - تعالى - من جهة أخرى، وحسبنا أن نقول: إنَّ طريقة الدعوة في هذه القصيدة، مستمدة تعاليمها من قوله - تعالى -: ï´؟وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَï´¾ [آل عمران: 159]، وقوله - تعالى -: ï´؟ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُï´¾ [النحل: 125].


المطلب الخامس: موقف المسلمين من الحضارة الغربية:

تحمس "غنيم" كثيرًا لهذه القضية، وأطنب في تَحليل جوانبها، وإبراز مفاسد الحضارة الغربية، وما تستهدفه من تَحقيق تَبَعِيَّة الشرق للغرب، وشعور غنيم بوجوب وحدة المسلمين ودفاعهم عن عقيدتهم وأوطانهم، جعله يترجم ذلك في كثيرٍ من قصائد الديوان، تدفعه نفسه الحزينة، ومشاعره المرهفة، وحريته التي تأبى الضَّيْمَ والذل، والارتماء في أحضان الأعداء، وتأبى الاغترارَ بهذه المستحدثات اليسيرة الجدوى، العديدة المضار والمفاسد.



حقًّا، لقد جاب الغربُ أعماقَ البحار، وتَجَوَّل في عَنان الفضاء، وقطع الأرض طولاً وعرضًا، ولكن ذلك كله لم يُحقق السعادةَ المرجُوَّة، ولم يُزِحْ كابوسَ المشكلات الجاثي على صدر الإنسانية؛ يقول:



"ذَرَعْتُمُ الْجَوَّ أَشْبَارًا وَأَمْيَالاً

وَجُبْتُمُ الْبَحْرَ أَعْمَاقًا وَأَطْوَالاَ




فَهَلْ نَقَصْتُمْ هُمُومَ الْعَيْشِ خَرْدَلَةً

أَوْ زِدْتُمُ فِي نَعِيمِ الْعَيْشِ مِثْقَالآ[55]








ولذلك تفطن إلى أنَّ هذه الحضارة التي بهرت عيونَ الناس، وجَرَوْا يلهثون وراءَها - ما هي في حقيقةِ الأمر إلاَّ عيوبٌ قد سُتِرَت بالخداع والمكر والكيد للمسلمين، فزَيَّنُوها لهم، وأطمعوهم في الأخذ بمعطياتِها، ثم ما لبثت الأيَّام أن أظهرت زينتها، وأماطت اللثام عن بهرجها، وأبدت للعالمين مَساوِئَها؛ يقول:



"قَالُوا: الْحَضَارَةَ، قُلْتُ: أَسْفَرَ وَجْهُهَا

وَبَدَتْ مَحَاسِنُهَا فَكُنَّ عُيُوبَا[56]








ثم يصور هذا الخواء والزَّيْفَ عن طريق تأليب الناس ضِدَّها، وتَحميسهم للثَّورة عليها، وهو يُعَزِّي المُغْترين أنْ أفَلَتْ هذه الحضارة، وبان عَوارُها للعيان:



"عَزَاءٌ" لَنَا أَنَّ الْحَضَارَةَ أَفْلَسَتْ

فَرَوْنَقُهَا زَيْفٌ وَمَنْطِقُهَا كِذْبُ




إِذَا مَا تَمَثَّلْتُ الْحَضَارَةَ خِلْتُهَا

لُبَاةً لَهَا جَوْفٌ وَلَيْسَ لَهَا قَلْبُ"[57]








وليس هذا ادِّعاء من غنيم، ولا ضربًا من المجازفة، وإنَّما يُقيم على ذلك من الأدلة ما يَجعل المغتر يرتدع، والمنخدع يتفطن، إذا كانا من العقلاء.



وأول هذه الأدلة: أنْ لا أحَدَ يشك في أنَّ ما نراه في عالمنا هذا من الدمار والخراب، كانت العلوم الحديثة أكبرَ عاملٍ في تأجيج ناره، وإيقاد أواره، فما أشبهها بالمعول الهدام، وإن كانت - في الظاهر - تتراءى للناظر أنَّها تبني وتُشَيِّد؛ يقول "غنيم":



"هَتَفَ الْخَلْقُ لِلْعُلُومِ زَمَانًا

وَانْجَلَى بَرْقُهَا فَكَانَ سَرَابَا




ظَنَّهَا تَعْمُرُ الْوُجُودَ فَكَانَتْ

مِعْوَلاً يَتْرُكُ الْوُجُودَ خَرَابَا[58]








وقال:



"قَالُوا: تَأَلَّقَ نُورُ الْعِلْمِ قُلْتُ لَهُمْ

بَلْ نَارُهُ أَصْبَحَتْ تَزْدَادُ إِشْعَالاَ"[59]








وثاني هذه الأدلة أنَّ: هذه الحضارة كانت سببًا في التقتيل السريع، وتقريب المنون من الناس، فهذه المعدات الحربيَّة، كانت وليدةَ الحضارة والعلم، لكنَّ دَوْرَها انحصر في قطع الهامات، وتَخريب المجتمعات؛ قال:



"لاَ كَانَ مُخْتَرِعُ الرَّصَاصِ فَإِنَّهُ

بَاعَ الْمَنُونَ رَخِيصَةَ الْأَسْعَارِ"[60]








وَقَالَ:



"تَقَدَّمَ مِنْهُ الْمَوْتُ أَيَّ تَقَدُّمٍ

وَسَارَ بَطِيئًا عَاثِرَ الْقَدَمِ الطِّبُّ"[61]


يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.74%)]