عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 28-07-2021, 04:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,100
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"





وتطرح قضية أخرى يُصَوِّرُها "غنيم" أعظمَ تصوير، ويُجليها للناس بما يزرع في نفوسهم روحَ الثورة، والمسارعة إلى إيجاد كِيان إسلامي مُستقل، يستمد جذوره من ثوابت الإسلام الخالدة، وتعاليمه السامية المتألقة، وهب افتتان الشرق في الإشادة بمبتكرات الغرب، والتصفيق لـ"معجزاتهم" دون أن يَنْبِسوا بحَرَاك، أو تُوقِظُهم غيرة، بل مَكثوا لا يَملكون سوى السمع والنظر، والإطراء والإعجاب:



"فِي كُلِّ يَوْمٍ نَرَى لِلْغَرْبِ خَارِقَةً

وَلَيْسَ لِلشَّرْقِ إِلاَّ السَّمْعُ وَالنَّظَرُ




الْقَوْمُ يَبْتَكِرُونَ "الْمُعْجِزَاتِ" لَنَا

وَنَحْنُ نَفْتَنُّ فِي إِطْرَاءِ مَا ابْتَكَرُوا"[71]








وَلَم ينسَ "غنيم" أن يتطرق بالحديث إلى هذه النظريات الحديثة، التي انبهر بها الكثير من مُدَّعي العلم والفكر من المسلمين، ورأى أنَّ أعظمها تأثيرًا ورواجًا في مُجتمعه هي نظرية: "النشوء والارتقاء" "لدارون"، فنَبَّه إلى مُخالفتها، واستهزأ من خرمها وتناقُضها وعجزها، مقسمًا الناسَ تُجاهها إلى مُبصرين متفقهين، تَهكموا في وصف النظرية وازدروا بها، وإلى مُتَهَوِّكين معتوهين مُقلدين، جعلوا "دارون" صنمًا مقدسًا:



"لَيْتَ شِعْرِي أَضَلَّ "دَارُوِنُ" بَحْثًا

حِينَ آخَى الوُحُوشَ وَالْأَنْعَامَا




قَالَ قَوْمٌ: هَلاَّ شَهِدْنَا ذُبَابًا

فِي الْحَيَاةِ ارْتَقَى فَصَارَ ذُبَابَا




وَغَلاَ آخَرُونَ فِيهِ فَقَالُوا

كَانَ فِي مَذْهَبِ "النُّشُوءِ" إِمَامَا"[72]








ونرى "غنيمًا" يُزري بهذه "الحضارة"، عن طريق الدَّعوة إلى حياة الفطرة دون تكلُّف أو تعقيد، فكَمْ مِنَ الأمور اليسيرة حَمَّلها أدعياءُ التطور والتقدُّم من "الحواشي" والزيادات ما جعلها مُعقدة مشكلة:



"إِنِّي أَرَى النَّاسَ مَا زَادُوا رَفَاهِيَةً

فِي الْعَيْشِ زَادُوهُ تَعْقِيدًا وَإِشْكَالاَ




كَمْ هَانَ أَمْرٌ فَقَلَّدْنَاهُ طَائِفَةً

مِنَ الْحَوَاشِي وَحَمَّلْنَاهُ أَثْقَالاَ"[73]








وَيَزْدَاد بُغض الشاعر للتكلف والتعقيد والاعتناء بالقشور والمظاهر، على حين ازدادَ حُبُّه للطبيعة بما فيها من أنهار وجبال وبِحَار ورمال ذهبية متألقة... يقول:



"أَقْسَمْتُ مَا نَظَرَتْ عَيْنِي بِحَاضِرَةٍ

كَالرَّمْلِ أَصْفَرَ أَوْ كَالرَّمْلِ سَلْسَالاَ"[74]








ومُتيقنًا أنَّ الآباء والأجداد عاشوا في ظلِّ الطبيعة، في الأرياف، وفي الجبال والصَّحاري، ومع ذلك كانوا أحسن منا حالاً، وأكثر راحةً للبال؛ لأَنَّهم لم يعرفوا هذا التعقيد باسم النظام والقانون، حتى أصبحت أوقات الواحد منا مُجزأة بحسب الأعمال الكثيفة الوافرة؛ يقول:



"يَا طَالَمَا حَدَّثَتْنِي النَّفْسُ قَائِلَةً

أَنَحْنُ أَنْعَمُ أَمْ أَجْدَادُنَا بَالاَ




كَانَتْ حَيَاتُهُمُ تُضْفِي بَسَاطَتَهَا

عَلَيْهِمُ مِنْ هُدُوءِ الْبَالِ سِرْبَالاَ"








ثم يقول:



"قَدَّرْتُمُ الْوَقْتَ تَقْدِيرَ الشَّحِيحِ بِهِ

فَكِدْتُمُ تَمْلَؤُونَ اللَّيْلَ أَعْمَالاَ"[75]








والحاجِيَّات تطرح نفسَها، فتقضي بذَهاب بَعضِ الناس إلى "أوروبا" أو "أمريكا"، وهنا يَجب التحصُّن بالفكر السديد، والتشبُّع بالعقيدة السليمة، حتى يزدادَ هذا "البعض" نظرًا ثاقبًا، وحصاة نافذة، وأنْ يُحافظ على مكوناته العقدية، وطباعه الإسلامية السليمة، وهذه هي الازدواجية الكفيلة بتحقيق الشخصية المثالية التي تَجمع بين أصالةِ الشرق وحداثة الغرب؛ يقول:



"قَرَوِيٌّ لَمْ يَغْرِسِ الْغَرْبُ فِيهِ

غَيْرَ عَقْلٍ مُثَقَّفٍ وَحَصَاةِ

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.41 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]