عرض مشاركة واحدة
  #25  
قديم 29-07-2021, 03:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"

القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد" 2
محمد ويلالي



الفصل الثالث


القضايا الفنية في شعر "محمود غنيم"




من الجدير بديوان "محمود غنيم" أن يكون مخبرًا للتَّجارِب النقدية التي عرفها تاريخُ النقد العربي، فهو مليء بالأفكار المتنوعة، والمعاني المتعددة، مع تَميُّز طريقة التعبير، وجودة الصياغة، مشفوع ذلك كله باتِّساع في الخيال، وبُعد في النظر، ومصدر عاطفي متأجج يقظ، في صور بيانية رائعة.



فالإلمام بكُلِّ ما ورد في الديوان من هذه المواقف والقضايا الفنية مُتعسِّرٌ، وإشباع كل قضية بالدراسة والتحليل مُتعذِّر؛ ولذلك سيقتصر البحث على بعض القضايا، كما أنَّ المعالجة ستكون لَمحًا رامزًا.



وآثرت أن تكون الدراسة شاملة لقضايا أربع:

1- المعاني والأفكار.

2- التعبير والصياغة.

3- الخيال والتصوير البياني.

4- العاطفة.



المبحث الأول: المعاني والأفكار:

أوَّل ما يستوقفنا في ديوان "محمود غنيم" - ونحن في معرض البحث عن الأفكار والمعاني التي تطلعنا على مكانة الشاعر الفكريَّة، وحسن طرقه للموضوعات - هي "الحكمة" التي تناثرت بين أرجاء الدِّيوان، سواء منها الحكمة المستقاة من تَجربته داخل المجتمع، وكانت هذه الغالبة، أو الحكمة التي ترسبت في ذهنه بعد الممارسة الثقافية، ونَماء الموروث الفكري، وعلى رأسه القرآن الكريم، والحديث النبوي، على أنَّ الملاحظ في تناوُله للحكمة نزوعُه إلى أن تكون حكمة بالغة الجدوى، شديدة الوقع والزجر، قريبة من حياة المخاطبين، حتى كأنَّها علاج لقضيةٍ ما، ثم حصولها في وقت مُعيَّن.



فغنيم - مثلاً - عمل على مُحاربة التواكل، الذي عرفه المجتمع المصري بعد أن انتشرت وسائلُ الكسب بالباطل من رِشْوة وسرقة وغيرهما؛ بحيث إنَّه يرى أنَّ التواكل لم يجلب لصاحبه رزقًا، بل لو كان الرِّزْق يساق إلى الناس، وكانت السماء تُمطر الذَّهب والفضة، لانحرف نظامُ الكون، ولما سعى إلى رزقه أحد، وهذا المعنى أوجزه "غنيم" في قوله:



"هَلْ كُنْتَ تَلْقَى فِي الْوَرَى سَاعِيًا

لَوْ كَانَ يَسْعَى الرِّزْقُ لِلْقَاعِدِ" [1]






ويتناول قضية اجتماعية أخرى تَفَشَّت في كل المجتمعات، وكان ضررُها على المسلمين بالغًا، ومن ثَمَّ احتاجت إلى علاج، وإلى إيقاظ الناس من الغفلة، وهي قضية الطبقية بمفهومها المادي؛ حَيْثُ ينقسم المجتمع قسمين: طبقة الأغنياء المحتكرين المستغلين، وطبقة الفقراء المعدومين المنهوكين، وليس مناط الضرر هو وجود هذا الفارق، بل إنَّ وجوده حكمة إلهية محتمة، كما قال تعالى: ï´؟ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ï´¾ [الرعد: 26]، وكما قال - عزَّ وجلَّ -: ï´؟ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ï´¾ [النحل: 71]، ولكنَّ الضرر في أن الناس لم يعرفوا حكمةَ التفاوت في الأرزاق، فبدل أن يفكر الغنيُّ في حال الفقير، فيكثر من الصدقات، وأن يقنع الفقير، فيزداد إيمانًا وتقوى، ينقلب الأمر إلى استغلال ثم إلى ثورة، ومن هنا يدعو الشاعر الناس إلى عدم الالتفات إلى هذا الصراع، وأنَّ الناس ناس في كل زمان وفي كل مكان، في عصر النور وفي عصر الظلام، سكنوا القصور أم سكنوا الخيام:



"مَا النَّاسُ إِلاَّ النَّاسُ فِي

عَصْرِ الضِّيَاءِ أَوِ الظَّلاَمْ




سِيَّانِ مَنْ سَكَنَ الْقُصُو

رَ الشُّمَّ أَوْ سَكَنَ الْخِيَامْ" [2]






ثم يعالج "غنيم" قضيةَ الحسد، وهذه يجدها لائطةً بالكبراء، ويَجعلها من شأن العظماء، باعتبار أنَّ كل عظيم لا يَخلو من حسد وأعداء:



"حَسَدٌ مَنِيتَ بِهِ وَهَلْ

يَخْلُو عَظِيمٌ مِنْ حَسُودْ" [3]






على أنَّ "غنيمًا" يسوق هذا البيتَ في مَعرض التهكُّم "بموسوليني" والازدراء به، بعد أن لم يَجد من أنصاره هتافًا ولا تكليلاً بالورود، من جراء ما ذاقه من ويلات في غَزوِه للحبشة، وهي بلاد قليلة الغناء[4].



ودعوة أخرى إلى الاجتهاد، والعمل على بناء المجد دون تواكُل أو اعتماد على الماضي، فما فات ليس بعائد، كم ذهب من الأجيال عرفت العظماء، الذين خلدوا ذكرهم، فأصبحوا رُفاتًا وترابًا، وهنا تُطرح قضيةٌ حقيقية، طرفاها البحث عن المجد والعِزَّة، ولو بإنفاق النفوس، أو التذلُّل والمسكنة والغموط، كزهاد الهنود، الذين لم يعرفوا قيمةَ الحياة فيعملوا، ولا طريقةَ الدين فيحسنوا التزهد:



"مَا فَاتَ لَيْسَ بِعَائِدٍ

أَيْنَ اللُّحُودُ مِنَ الْمُهُودْ




فَاذْهَبْ صَرِيعَ الْمَجْدِ أَوْ

عِشْ عَيْشَ زُهَّادِ الْهُنُودْ"[5]






ثم إنَّ دعوة الازدراء بالمرأة قد اتَّسَع نطاقها، فكان "غنيم" ينبهر حين يرى أنَّ امرأة قد تفوَّقت في ميدانٍ ما، فيرد هذه الدعوة قائلاً:



"وَلاَ تَقُلْ هَذِهِ أُنْثَى وَإِنْ ضَعُفَتْ

أَمَا تُدَبِّرُ مُلْكَ النَّحْلِ أُنْثَاهُ" [6]






ويركز "غنيم" على قضيتي الأخلاق واللُّغة، وأنَّهما الركيزتان الأساس في الانتصار، وعدم خوف الجهاد والحروب، ومواجهة كل شديدة:



"وَالشَّعْبُ إِنْ سَلِمَتْ لَهُ أَخْلاَقُهُ

وَلِسَانُهُ لَمْ يَخْشَ مِنْ قَطْعِ السِّهَامْ" [7]






ولم ينس "غنيم" التركيزَ على الشباب (أبناء الحمى)، وأنَّ دَوْرَهم كبير في دفع عجلة الشعب إلى الأمام، والنهوض به، ومن ثَمَّ وجب إخلاص هؤلاء الأبناء لشعوبهم وحِمَاهم، ومتى ما تنكروا لها كانوا أضَرَّ عليها من الأعداء والخصوم:



"وَإِذَا تَنَكَّرَ لِلْحِمَى أَبْنَاؤُهُ

فَهُمُ أَضَرُّ لَهُ مِنَ الْأَخْصَامِ" [8]






وهكذا شملت حكمةُ "غنيم" أطرافًا مُتعددة، تضافرت في تَحميس الناس للبناء الفَعَّال، والاجتهاد الذي يدفع الضَّيم ويُحقق المجد، ولو تتبعنا جُلَّ الموضوعات المطروحة في هذا الإطار، لطال بنا الأمد.



ثم نرى "غنيمًا" قد شفع موضوعاتِه بالاقتباس من القرآن الكريم، وهذا أمرٌ مهم وبناء؛ لأن الموضوعات القرآنية، بما فيها من أفكار جليلة، ومَعانٍ رفيعة - هي الزادُ الأساس للداعية المسلم، والكلمة القرآنية لها دَوْرُها البالغ في استمالة السامع، وإقناع المتردد أو المنكر.



يقول غنيم مخاطبًا الطبيعة التي عبست؛ حيث البرد القارس، والأمطار الهاطلة، وقد غربت الشمس، واحتضنت الأرض المياه، وذبلت الأزهار وصَوَّحَت:



"وَيْحَكِ يَا أَيَّتُهَا الشَّمْسُ اطْلَعِي

يَا أَرْضُ غِيضِي يَا سَمَاءُ أَقْلِعِي" [9]








يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.54%)]