عرض مشاركة واحدة
  #29  
قديم 29-07-2021, 03:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"

القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد" 2
محمد ويلالي




ولئن كان الهدفُ من هذه الأقاصيص التسليةَ والمرحَ، فإنَّ الأهدافَ الأساس تستكن وَراء الألفاظ؛ ليمعن فيها ذو النظر الثاقب، والعقل الحصيف، من ذلك قوله في مقطوعته "الراعي والقطيع":
"مَرَّ الْقَطِيعُ بِأَرْضٍ طَابَ مَنْهَلُهَا
وَعُشْبُهَا فَاسْتَقَى مِنْ مَائِهَا وَرَعَى

فَصَاحَ رَاعِيهِ: هَيَّا يَا قَطِيعُ بِنَا
نَفْلِتْ مِنَ اللِّصِّ إِنْ ذَا اللِّصُّ قَدْ طَلَعَا

فَقَالَ كَبْشٌ لَهُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمَا؟
كِلاَكُمَا يَبْتَغِي مِنْ لَحْمِنَا شِبَعَا

دَعْنَا لَهُ وَانْجُ إِنْ أَحْبَبْتَ مُنْفَرِدًا
فَلَسْتَ أَكْثَرَ زُهْدًا مِنْهُ أَوْ وَرَعَا

نِعْمَ الْفِرَارُ الَّذِي أَقْبَلْتَ تُنْشِدُهُ
لَوْ كَانَ يُنْقِذُنَا مِنْهُ وَمِنْكَ مَعَا"[23]



وفي الجملة، فإنَّ مَعانِيَ "غنيم" مُستقاة بالدرجة الأولى من كتاب الله - عزَّ وجلَّ - تَجلَّى ذلك في كثرة الاقتباسات منه من جهة، ثم استقاء المعاني القرآنية من حَثٍّ على سلوك حسن، وأخلاقٍ رفيعة، ومن عدم الغلو والإجحاف في المدح، أو التذمُّر في الرثاء، أو الميوعة في الوصف، من جهة ثانية.

وأفكاره ملائمة تمامًا للعقليَّة التي امتزج بها مُجتمعه؛ ولذلك انعدمت الأفكارُ الفلسفية أو "الماورائية" في الديوان - مما سنزيده تفصيلاً عند الحديث عن "التعبير والصياغة"، كما أنَّها لم تتخذْ موضوعًا بعينه أو موضوعاتٍ معدودة، إنَّما شَمِلَت ميادينَ متعددة، وعالجت قضايا عديدة.

المبحث الثاني: التعبير والصياغة:
يتجلى ابتكارُ "غنيم" الشعري، في طريقة تعبيره، وحُسن صياغته، والناظر إلى ديوانه، يرى لأول وهلة، أنَّه ينزع إلى القصيد العمودي العربي؛ مِمَّا يَجعل طابعَ التجديد يسيرًا، لكن ملكة غنيم، وطبعه الفياض جعلاه ينحو بالقصيدةِ العربية نَحْوًا يَجمع بين فحولة القديم، وسهولة الجديد، بين رصانة القديم وأناقة الجديد، ثُمَّ بين قالب القديم وأفكار الجديد.

وتتجلى أهميةُ هذه الازدواجِيَّة، إذا ما نظرنا إلى الحركةِ الأدبية التي عرفها عصرُ غنيم؛ لنَعْرِفَ أنَّه عصر كان يُجلِّي المعركةَ بين مدرسة الديوان وبين حافظ وشوقي، بين مدرسةٍ تدعو إلى التجديد في المعاني، ونبذ ما يُسَمَّى بشعر المناسبات، والدعوة إلى أن يكونَ الشِّعْرُ ترجمةً عما يَختلج في النفس، والدعوة إلى التحرُّر من الوزن والقافية، وتطوير نَمط التشبيهات الحسية... إلخ، وبين شاعرين عُرِفَا بالشعر المحافظ، الذي يُمثِّل في أغلبه الروحَ العربية القديمة؛ من حيث مبنى القصيدة، ونَمَط الصياغة والتعبير، واستعمال الألفاظ... إلخ، ويكون "غنيم" بذلك قد احتل مركزًا وسطًا بين الطرفين، بل إنَّه بطريقته هاتِه قد أرضى الطرفين، ولا أدل على ذلك من أن العقَّاد نفسَه يحكم لديوانه بالسبق والفوز بجائزة الشعر الأولى في مسابقة مجمع فؤاد الأول للغة العربية، على ما فيه من حفاظ على العمود الشعري، ووحدة الوزن والقافية.

وحتى تكون الدراسةُ أشْمَلَ وأكثر تفصيلاً، فسوف أتطرق إلى مَناحٍ تسعة هي: الأسلوب، والألفاظ، وقضية المحافظة والتجديد، واللغة والحبكة، وطول النفس، وبناء القصيدة، ومدة الموضوع، وموقف غنيم من الشعر الحر، وموقفه من شعر المناسبات.

المطلب الأول: الأسلوب:
الذي يأخذ بلُبِّ قارئ الديوان هو هذا الأسلوب الذي يَجمع بين المتانة والتآزُر، وبين السهولة المطلقة، التي لا تُحوجك إلى قواميس، ولا إلى كتب اللغة، تقرأ القصيدة، فتحس بانسيابِ الأسلوب، كأنَّه النهر الرَّقْرَاق الهادئ المتلألئ، ويتناول الموضوع المشهور المعروف المطروق، وبطريقته الأسلوبية الجذَّابة، يَجعل منه موضوعًا جديدًا بديعًا، قد أُلقيتْ عليه هالةٌ من الصور البيانية، والعاطفة القويَّة، والخيال الواسع، والألفاظ المناسبة المتخيرة[24].

ولعل قصيدتَه "أنا وابناي" تُمثل تمامًا هذا الاتجاه، وإن كانت كلُّ قصائد الديوان كذلك، فالفكرة جليلة، وهي حديث العاطفة التي تشمل الآباءَ والأبناء، والأسلوب نقي سهل مصقول متلألئ، تُحِسُّ وكأنَّك تقرأ عباراتٍ مَنثورة، لكن في قالب شعري؛ مِمَّا يَدُلُّ على تَمكُّن غنيم من ناصية اللغة، وأنَّها لينة الطواعية لديه، يشير على اللفظ، فتنهال عليه ألفاظ؛ ليُميِّز بعد ذلك منها ما يوائم المقام؛ قال في القصيدة المذكورة:
"وَأَطْيَبُ سَاعِ الْحَيَاةِ لَدَيَّا
عَشِيَّةَ أَخْلُو إِلَى وَلَدَيَّا

إِذَا أَنَا أَقْبَلْتُ يَهْتِفُ بِاسْمِي الْ
فَطِيمُ وَيَحْبُو الرَّضِيعُ إِلَيَّا

فَأُجْلِسُ هَذَا إِلَى جَانِبي
وَأُجْلِسُ ذَاكَ عَلَى رُكْبَتَيَّا

وَأَغْزُو الشِّتَاءَ بِمَوْقِدِ فَحْمٍ
وَأَبْسُطُ مِنْ فَوْقِهِ رَاحَتَيَّا

هُنَالِكَ أَنْسَى مَتَاعِبَ يَوْمِي
كَأَنِّيَ لَمْ أَلْقَ فِي الْيَوْمِ شَيَّا

وَأَحْسَبُنِي بَيْنَ طِفْلَيَّ "شَاهًا"
وَأَحْسَبُ كُوخِيَ قَصْرًا عَلِيَّا



ويقول:
وَأَيَّةُ نَجْوَى كَنَجْوَايَ طِفْلِي
يَقُولُ: أَبِي وَأَقُولُ: بُنَيَّا

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.55 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.83%)]