عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 30-07-2021, 03:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,645
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حول ظاهرة الخرم وأثرها في البناء الشعري

قال الشاعِر[85] عنترة:

غَادَرْنَ نَضْلَةً فِي مَعْرَكٍ
يَجُرُّ الأَسِنَّةَ كَالْمُحْتَطِبْ


(غادر) فعلن.
قال الشاعر[86] أبو العباس النميري:

وَلَيْتَ رِجْلِي فِي رَهْوَةٍ
فَمَا نَالَنَا عِنْدَ ذَاكَ القَرَارَا


(ولّى) فعلن).

قال الشاعر[87] شتيم بن خويلد الفزازي:

لاَ يُبْعِدُ اللَّهُ رَبُّ البِلاَ
دِ وَالْمِلْحِ مَا وَلَدَتْ خَالِدَه


(لايب) فعلن.

قال الشاعر[88] العباس بن مرداس:

كَانَتْ نِهَابًا تَلاَقَيْتُهَا بَكْرَى
عَلَى الْمُهْرِ بِالْأَجْرَعِ


(كانت) فعلن.

قال الشاعر[89]:

فِيهَا تَعْرِفُ جِنَانُهَا
مَشَارِبَهَا وَاثِرَاتٍ أَجَنّ


(فيها) فعلن.

نخلُص من هذه النماذِج بالحقائق التالية:
أولاً: أنَّ الخرْم ليس مقصورًا على الجزء الأوَّل مِن صدْر البيت، بل يدخل الجزء الأوَّل من العجُز كذلك، وإنْ كان قليلاً.

ثانيًا: ليس الخرم مقصورًا على الوتد المجموع في أوَّل التفعيلة، بل إنَّه يدخل المبدوء بالأسباب متحرِّكة وساكنة إذا وقصتْ كالكامل وإذا خبنت كالمنسرح.

ثالثًا: إلا أنَّه في الحقيقة فإن "متفاعلن" في الكامل إذا ما وُقِصت بحذْف ثانيها المتحرِّك صارت "مفاعلن"، وبذلك تصير كأنها مبدوءة بوتد مجموع، ممَّا يُبيح لها دخول الخرم "ومستفعلن" في المنسرح إذا خبنت أصبحت "متفعلن"، وتصير كأنها مبدوءة بوتد مجموع أيضًا، ومعنى هذا أنَّ علاقة الشبه قائِمة بين هذه البُحور وبيْن هذين البحرين.

ألقاب الخرم ومسمياته
أولاً في اللغة:
يبدو لي أنَّ علاقة الخرم باللُّغة امتداد لعَلاقة عِلم العَروض بها، فكما أنَّ مسميات المصطلحات العَروضيَّة كانتْ مستمدَّة مِن البيئة العربيَّة في ذلك الوقت والخيمة على وجه الخُصوص، حيث تصوَّر الخليل أنَّ القصيدة الشعريَّة خيمة مِن الشعر، كما أنَّ الخيمة من الشِّعر وأنَّ للقصيدة عَروضًا، مثل الخيمة، وأنَّ للقصيدة أسبابًا وأوتادًا تقوم عليها وتُبنى منها مثل الخيمة تمامًا لا تقوم إلاَّ بهما، فكذلك الخرْم، استُمدَّت مسمياته كلها مِن اللُّغة المستعمَلة في حياة ذلك البَدوي ساكِن الخيمة، فقد أرْجع علماء العَروض ألقابَ الخرم ومسمياته إلى الاستعمال اللُّغوي المعروف، ورَبطوه بها فقالوا عنه:

1- أثلم: يقول ابن القطَّاع عن الخرم: "ويسمى أثلم، وإنما سُمِّي خرمًا؛ لأنَّه قطع بعضه، أخذ مِن قولهم سن مثلومة، وقعب مثلوم؛ أي: مكسور"[90].

وقال الشاعر[91]:

مُوتُوا كِرَامًا بِأَسْيَافِكُمْ
فَالْمَوْتُ يَجْشَمُهُ مَنْ جَشِمْ


دخَله الخرم في جزئه الأوَّل من الصَّدر والعجُز، وتحوَّلت فيهما "فعولن" إلى "عولن"، ثم حولت إلى "فعلن".

2- أعضب: يقول عنه ابنُ منظور في "لسان العرب": "العضب يكون في أحدِ القرنين"[92]، ويقول الجوهري: "والعضباء الشاة المكسورة القرْن إلى الداخل"[93]، ويقول ابن القطَّاع: "كما يُسمَّى الثور الذي ذهَب أحدُ قرنيه أعضب"[94].

3- أخرب: في "اللسان" (وعبد أخرب، مشقوق الأذن)[95]، ويقول الجوهري: "رجل أخرب للمشقوق الأذن"[96]، ويقول عنه ابن القطَّاع: "وإنَّما سُمي أخرب؛ لأنَّ الخراب دخله في أوَّله وآخره، وقيل أخذ مِن قولهم خرب الرجل إذا انشقَّتْ أذناه"[97].

4- الأثرم: يقول عنه ابن القطَّاع: "والثرم في معنى الثّلم، والأثرم مِن الناس الذي انقلعتْ سِنُّه مِن أصلها"[98]، وورد نفْس المعنى في "الصحاح"[99]، و"لسان العرب"[100] تقريبًا.

5- الأقصم: يقول عنه الجوهري: "ورجل أقْصَم الثنية إذا كان منكسِرَها من النصف"[101]، ونفْس المعنى تقريبًا في "لسان العرب"[102] ويقول عنه ابن القطَّاع: "وسمِّي بذلك تشبيهًا بالسِّنِّ الذي ينقسم نِصفها" [103].

6- الأجم: يقول عنه ابن القطَّاع: "شبه بالكبْش الأجم الذي لا قرنَ له"[104]، والمعنى نفسه ورد في "الصحاح"[105] و"لسان العرب"[106].

7- أعقص: في "لسان العرب": "العقْص التِواء القرْن على الأذنين إلى المؤخَّر، وتيس أعقص، والأنثى عقصاء"[107]، والمعنى نفسه وردَ في "الصحاح"[108]، ويقول عنه ابن القطَّاع: "شبه بقرْن التيْس المائل، كأنَّه عقص"[109].

8- أشتر: يقول الجوهري: "الشتر انقلابٌ في جفن العين، يقال: رجل أشْتر بين الشتر"[110]، وكذلك اللِّسان أورد المعنى نفْسه[111]، ويقول عنه ابن القطَّاع: "أخذ مِن شتر العين، وهو شق جفْنها الأعلى"[112].

ثانيًا: في الاصطلاح:
تعدَّدت ألقابُ الجزء الذي يدْخُله الخرم تبعًا لحالة الجُزء ذاته فإن كان خماسيًا فله مسمى، وإنْ كان سباعيًّا فله مسمًّى آخر، ويتغير ذلك اللقب بتغير حالة الجزء من السلامة إلى دخول الزَّحاف فيه، فما دخَله الخرم، وكان مقبوضًا غيره إنْ كان معصوبًا، وكلاهما غيره إنْ كان مكفوفًا... ذلك كله إن اجتمعتْ مع الخرم عِلَّة واحدة، أما إنِ اجتمعت في الجزء علَّتان غير الخرم فله أسماء وألْقاب أخرى.

كما يتضح في الجدول الآتي:
أولاً: إذا كان الجزء سالمًا ودخَله الخرم وحده فهو:
1- أثلم: إذا كان الجزء "فعولن".

2- أعضب: إذا كان الجزء "مفاعلتن".

3- أخرم: إذا كان الجزء "مفاعيلن".

ثانيًا: إذا اجتمَع في الجُزْء عِلَّة واحِدة ودخَله الخرم، فهو:
1- أثرم: إذا كان الجزء "فعولن"، ودخله القبضُ مع الخرْم.

2- أقصم: إذا كان الجزء "مفاعلتن"، ودخله العصْب مع الخرم.

3- أجم: إذا كان الجزء "مفاعلتن"، ودخله العقل مع الخرْم.

4- أخرب: إذا كان الجزء "مفاعلتن"، ودخله الكفُّ مع الخرْم.

5- أشتر: إذا كان الجزء "مفاعيلن"، ودخله القبْض مع الخرم.

6- مخروم: إذا كان الجزء "متفاعلن"، ودخله الوقص مع الخرم[113].

ثالثًا: إذا كان الجزء قدِ اجتمع عليه علَّتان، ودخله الخرم، فهو:
1- أعقص: وذلك إذا كان الجزء "مفاعلتن"، ودخله مع الخرم "نقص"، و"قبض".

والنقص اجتماعُ العصب مع الكف[114].

أسباب حدوث الخرم:
أمام ظاهِرة الخرم في البناء الشِّعري، يقِف الدارس حائرًا أمام أسئلة عدَّة تدور حول:
- هل يحدُث الخرم عن سهو من الشاعر؟

- أم، هل يحدُث عن خطأ وعدم معرفة بالأوزان؟

- أم، هل يُحدِثه الشاعر عمدًا وقصدًا؟.

ولا شكَّ عندي أنَّ السهو غير وارد في وقوع الخرْم؛ لأنه لو كان مجرَّد سهو لصحَّحه الشاعر، وما أسهلَ التصحيحَ إذا علمنا أنَّ مجرد إضافة الواو أو الفاء على أول الصدر أو أوَّل العجُز تُزيل الخرم، كذلك الخطأ، وعدم معرفة الأوزان، فإنِّي أستبعده تمامًا؛ لأنَّ الخرم لا يقَع في شِعر مبتدئين، وإنَّما يقع في شِعر الفطاحل ذوي الشُّهرة والسيادة فيه كما علمنا مِن النماذج السابقة، كأمثال الكميت والزبير، ومنذر بن درهم الكلبي والشماخ بن عوف والمثقَّب العبدي، ويَزيد بن الحميري، والأعشى، وغيرهم:

إذًا الأوْقع عندي: أنَّ الشاعر يُحدِثه عن عمد وقصْد، وقد يكون ذلك للأسباب الآتية:
1- لدفْع حدة الرَّتابة في الوزن، والتغيير في الأوزان، بدفْع الملل عن النفس.

2- أو لغرَض إظهار القُدرة على التلاعُب بالوزن، وبالتالي إظهار التفوُّق في قرْض الشِّعر، والسيادة فيه، وإلا فبماذا تفسّر وقوع الخرم في بيت المتنبي الذي يقول فيه:

لاَ يُحْزِنُ اللَّهُ الْأَمِيرَ فَإِنَّنِي
سَآخُذُ مِنْ حَالاَتِهِ بِنَصِيبِي


إنَّ وقوع الخرم في أوَّل الصدر جعلنا نعتقد أنَّ البيت من الكامل وتقطيعه (لا يحزنل) (مستفعلن، متفاعلن) (لا هل أمي) (مستفعلن، متفاعلن) (رفإنني) متفاعلن.

فإذا ما جئنا لتقطيع العجُز، وجدناه مِن الطويل وتقطيعه (سآخ) فعول (ذمنحالا) مفاعيلن (تهي ب) فعول (نصيبي) فعولن، وهي مِن الضرب الثالث للطويل المحذوف مع القبْض في العَروض.

ومِن ثَم نعيد تقطيع الصدر على أنه مخروم الجزء الأول، فيكون كالآتي:
(لايح) فعلن (زنل لاهل) مفاعيلن (أمير) فعول (فإنَّني) مفاعلن.

وانظر إلى هذا البيت لترى عجبًا، يقول الشاعر[115]:

يَا رُبَّ ذِي لِقَحٍ بِبَابِكَ فَاحِشٍ
هَلَعٌ إِذَا مَا النَّاسُ جَاعُ وَأَجْدَبُوا


وهو شاهد نحوي مفرَد لم يعرف قائله، جاء على الاستشهاد بحذْف واو الجماعة والاستغناء عنها بالضمَّة.

فأولاً: يمكن اعتبار البيت مخرومًا في صدْره وعجُزه، وبذلك يكون من الطويل وتقطيعه:
(يارب) فعلن (بذي لقحن) مفاعيلن (بباب) فعول (كفاحشن) مفاعلن (هلعن) فعلن (إذا من نا) مفاعيلن (سجاع) فعول (وأجدبو) مفاعلن.

وثانيًا: يُمكن اعتباره مِن الكامل بدون خرم، وتقطيعه:
(يارب بذي) متفاعلن (لقحن بها) متفاعلن (بكفا حشن) متفاعلن (هلعن إذا) متفاعلن (من ناسجا) متفاعلن (عوأجدبوا) متفاعلن.

نعم، إلى هذا الحدِّ يغير الخرم من طبيعة البيت، ويجعله مِن بحر آخر غير الذي ينتمي إليه، فنضل ونشْقَى به إنْ كان بيتًا فردًا لا نعرف قصيدَه، كي نجزم ببحره كالبيت السابق...

ومعنى هذا ببساطة: أنَّ الطويل إذا خُرِم في صدْره وعجُزه يتحوَّل إلى الكامِل، بمعنى أنَّ أبيات القصيدة كلها التي علَى الطويل إذا دخلَها الخرمُ في الصَّدر والعجُز تتحوَّل إلى الكامل، وهنا نتساءل:
- هل الكامِل هو الطويل المخروم الصَّدر والعجُز؟ أقول: ربَّما.

3- أو قد يكون السبب في ارْتِكاب الخرم عمدًا وقصدًا، عدم القُدرة على إضافة "واو" العطف أو "الفاء" في أوَّل الجزء الذي أصابه الخرْم، خاصَّة إذا كان البيت مُصرَّعًا؛ لأنَّ العطف هنا لا محلَّ له؛ إذ كيف يعطف القول وهو في أول بيت من القصيدة، مثل قول الشاعر:

مَا لِلدَّارِ زَادَتْنِي نُحُولاً
عَلَيْهَا كُلَّمَا ازْدَادَتْ مُحُولاَ


وكذا قول الآخر:

وَاهًا لِهُنَيْدٍ ثُمَّ وَاهًا
صَفَتْ لِزَوْجِهَا وَلِي هَوَاهَا


وقول الآخر:

مَا لَكَ لاَ تَشُوقُكَ الدِّيَارُ
أَمِنْ كِبْرٍ عَلاَكَ أَمِ اصْطِبَارِ


إنَّ حرْص الشاعر على سلامة الأسلوب، جعَله يُضحي بسلامةِ الوزن، ويرتكب ما لا بدَّ مِن ارتكابه.

أمَّا ما قاله البغداديُّ منسوبًا إلى ابن رشيق: "إنَّما جاز الخرم في أشعار العرَب؛ لأنَّ أحدهم يتكلَّم بالكلام على أنَّه غير شِعر، ثم يرى فيه رأيًا، فيصرفه إلى الشِّعْر في أي وجه شاء، فهذا القول على الرغم مِن وجاهته مردودٌ عليه بما يأتي:

1- مِن هؤلاء الشعراء الذين وقَع الخرم في شِعرهم "زُهير بن أبي سُلْمى"، الذي كان معروفًا عنه أن يدقِّق ويمحِّص، حتى إنَّه كان يَقضي حولاً كاملاً في قصيدة واحدة، مما يتنافَى مع مقولة أنَّه "يتكلَّم بالكلام على أنَّه غير شِعر".

وإنْ كان، كما يُدعى، بأنَّ الشاعر "يرى فيه رأيًا فيصرفه إلى الشِّعر في أيِّ وجه شاء"، لكان الخرم يقَع في كلِّ أنماط الشعر طالما أنَّ الأمر يصِل بالشاعر إلى أن يصرف قوله "إلى الشِّعر في أيِّ وجه شاء".
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.76%)]