عرض مشاركة واحدة
  #32  
قديم 23-08-2021, 01:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الاول
الحلقة (32)
صـ436 إلى صـ 444

فصل

هذا العمل هل يقتضي البطلان بإطلاق أم لا ؟

الجواب : إن في ذلك تفصيلا ، وهو أن نقول : لا يخلو أن يكون الشرط الحاصل في معنى المرتفع أو المرفوع في حكم الحاصل معنى أو لا .

فإن كان كذلك ; فالحكم الذي اقتضاه السبب على حاله قبل هذا العمل ، والعمل باطل ضائع لا فائدة فيه ولا حكم له ، مثل أن يكون وهب المال قبل الحول لمن راوضه على أن يرده عليه بعد الحول بهبة أو غيرها ، وكالجامع بين المفترق ريثما يأتي الساعي ، ثم ترد إلى التفرقة أو المفرق بين المجتمع كذلك ; ، ثم يردها إلى ما كانت عليه ، وكالناكح لتظهر صورة الشرط ، ثم تعود إلى مطلقها ثلاثا ، وأشباه ذلك ; لأن هذا الشرط المعمول فيه لا معنى له ، ولا فائدة فيه تقصد شرعا .

وإن لم يكن كذلك ; فالمسألة محتملة ، والنظر فيها متجاذب ثلاثة أوجه : أحدها أن يقال : إن مجرد انعقاد السبب كاف ; فإنه هو الباعث على [ ص: 436 ] الحكم ، وإنما الشرط أمر خارجي مكمل ، وإلا لزم أن يكون الشرط جزء العلة والفرض بخلافه ، وأيضا فإن القصد فيه قد صار غير شرعي ، فصار العمل فيه مخالفا لقصد الشارع ، فهو في حكم ما لم يعمل فيه ، واتحد مع القسم الأول في الحكم ، فلا يترتب على هذا العمل حكم ، ومثال ذلك : إن أنفق النصاب قبل الحول في منافعه أو وهبه هبة بتلة لم يرجع فيها أو جمع بين المفترق أو فرق بين المجتمع ، ـ وكل ذلك بقصد الفرار من الزكاة ـ ، لكنه لم يعد إلى ما كان عليه قبل الحول ، وما أشبه ذلك ; فقد علمنا ـ حين نصب الشارع ذلك السبب للحكم ـ ; أنه قاصد لثبوت الحكم به ، فإذا أخذ هذا برفع حكم السبب مع انتهاضه سببا ; كان مناقضا لقصد الشارع ، وهذا باطل ، وكون الشرط ـ حين رفع أو وضع ـ على وجه يعتبره الشارع على الجملة قد أثر فيه القصد الفاسد ; فلا يصح أن ينتهض شرطا شرعيا ، فكان كالمعدوم بإطلاق ، والتحق بالقسم الأول .

والثاني أن يقال : إن مجرد انعقاد السبب غير كاف ; فإنه وإن كان باعثا ; قد جعل في الشرع مقيدا بوجود الشرط ، فإذا ليس كون السبب باعثا بقاطع في أن الشارع قصد إيقاع المسبب بمجرده ، وإنما فيه أنه قصده إذا وقع شرطه فإذا كان كذلك ; فالقاصد لرفع حكم السبب مثلا بالعمل في رفع الشرط لم يناقض قصده قصد الشارع من كل وجه ، وإنما قصد لما لم يظهر فيه قصد الشارع للإيقاع أو عدمه ، وهو الشرط أو عدمه ، لكن لما كان ذلك القصد آيلا لمناقضة [ ص: 437 ] قصد الشارع على الجملة ، لا عينا ; لم يكن مانعا من ترتب أحكام الشروط عليها .

وأيضا ; فإن هذا العمل لما كان مؤثرا وحاصلا وواقعا ، لم يكن القصد الممنوع فيه مؤثرا في وضعه شرطا شرعيا أو سببا شرعيا ، كما كان تغير المغصوب سببا أو شرطا في منع صاحبه منه ، وفي تملك الغاصب له ، ولم يكن فعله بقصد العصيان سببا في ارتفاع ذلك الحكم .

وعلى هذا الأصل ينبني صحة ما يقول اللخمي فيمن تصدق بجزء من ماله لتسقط عنه الزكاة أو سافر في رمضان قصدا للإفطار أو أخر صلاة حضر عن وقتها الاختياري ليصليها في السفر ركعتين أو أخرت امرأة صلاة بعد دخول وقتها رجاء أن تحيض فتسقط عنها ، قال : فجميع ذلك مكروه ، ولا يجب على هذا في السفر صيام ، ولا أن يصلي أربعا ، ولا على الحائض قضاؤها ، وعليه أيضا يجري الحكم في الحالف ليقضين فلانا حقه إلى شهر ، وحلف بالطلاق الثلاث ، فخاف الحنث فخالع زوجته لئلا يحنث ، فلما انقضى الأجل راجعها فهذا الوجه يقتضي أنه لا يحنث لوقوع الحنث ، وليست بزوجة لأن الخلع ماض شرعا ، وإن قصد به قصد الممنوع .

والثالث : أن يفرق بين حقوق الله تعالى ، وحقوق الآدميين ، فيبطل العمل في الشرط في حقوق الله ، وإن ثبت له في نفسه حكم شرعي ; كمسألة الجمع بين المفترق ، والفرق بين المجتمع ، ومسألة نكاح المحلل على القول بأنه نافذ ماض ولا يحلها ذلك للأول ; لأن الزكاة من حقوق الله ، وكذلك المنع من نكاح المحلل حق الله ، لغلبة حقوق الله في النكاح على حقوق الآدميين ، وينفذ مقتضى الشرط في حقوق الآدميين ; كالسفر ليقصر أو ليفطر أو نحو ذلك .

[ ص: 438 ] هذا كله ما لم يدل دليل خاص على خلاف ذلك ; فإنه إن دل دليل خاص على خلافه صير إليه ، ولا يكون نقضا على الأصل المذكور ; لأنه إذ ذاك دال على إضافة هذا الأمر الخاص إلى حق الله أو إلى حق الآدميين ، ويبقى بعد ما إذ اجتمع الحقان محل نظر واجتهاد ; فيغلب أحد الطرفين بحسب ما يظهر للمجتهد ، والله أعلم .
الشروط مع مشروطاتها على ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يكون مكملا لحكمة المشروط ، وعاضدا لها بحيث لا يكون فيه منافاة لها على حال ; كاشتراط الصيام في الاعتكاف عند من يشترطه ، واشتراط الكفء ، والإمساك بالمعروف ، والتسريح بإحسان في النكاح ، واشتراط الرهن والحميل والنقد أو النسيئة في الثمن في البيع ، واشتراط العهدة في الرقيق ، واشتراط مال العبد ، وثمرة الشجر ، وما أشبه ذلك ، وكذا اشتراط الحول في الزكاة ، والإحصان في الزنى ، وعدم الطول في نكاح الإماء ، والحرز في القطع ; فهذا القسم لا إشكال في صحته شرعا ; لأنه مكمل لحكمة كل سبب يقتضي حكما ; فإن الاعتكاف لما كان انقطاعا إلى العبادة على [ ص: 439 ] وجه لائق بلزوم المسجد ، كان للصيام فيه أثر ظاهر ، ولما كان غير الكفء مظنة للنزاع وأنفة أحد الزوجين أو عصبتهما ، وكانت الكفاءة أقرب إلى التحام الزوجين والعصبة ، وأولى بمحاسن العادات ; كان اشتراطها ملائما لمقصود النكاح ، وهكذا الإمساك بمعروف ، وسائر تلك الشروط المذكورة تجري على هذا الوجه ; فثبوتها شرعا واضح .

والثاني : أن يكون غير ملائم لمقصود المشروط ولا مكمل لحكمته ، بل هو على الضد من الأول ; كما إذا اشترط في الصلاة أن يتكلم فيها إذا أحب أو اشترط في الاعتكاف أن يخرج عن المسجد إذا أراد بناء على رأي مالك أو اشترط في النكاح أن لا ينفق عليها أو أن لا يطأها وليس بمجبوب ولا عنين أو شرط في البيع أن لا ينتفع بالمبيع أو إن انتفع فعلى بعض الوجوه دون بعض أو شرط الصانع على المستصنع أن لا يضمن المستأجر عليه إن تلف ، وأن يصدقه في دعوى التلف ، وما أشبه ذلك ; فهذا القسم أيضا لا إشكال في إبطاله ; لأنه مناف لحكمة السبب ، فلا يصح أن يجتمع معه ; فإن الكلام في الصلاة مناف لما شرعت له من الإقبال على الله تعالى والتوجه إليه والمناجاة له ، وكذلك المشترط في الاعتكاف الخروج مشترط ما ينافي حقيقة الاعتكاف من لزوم المسجد ، واشتراط الناكح أن لا ينفق ينافي استجلاب المودة المطلوبة فيه ، وإذا اشترط أن لا يطأ أبطل حكمة النكاح الأولى وهي التناسل ، وأضر بالزوجة فليس من الإمساك بالمعروف الذي هو مظنة الدوام والمؤالفة ، وهكذا سائر الشروط المذكورة ; إلا أنها إذا كانت باطلة فهل تؤثر في المشروطات أم لا ؟ هذا محل نظر يستمد من المسألة التي قبل هذه .

[ ص: 440 ] والثالث : أن لا يظهر في الشرط منافاة لمشروطه ولا ملاءمة ، وهو محل نظر ، هل يلحق بالأول من جهة عدم المنافاة أو بالثاني من جهة عدم الملاءمة ظاهرا ؟ ، والقاعدة المستمرة في أمثال هذا التفرقة بين العبادات والمعاملات ، فما كان من العبادات لا يكتفى فيه بعدم المنافاة دون أن تظهر الملاءمة ; لأن الأصل فيها التعبد دون الالتفات إلى المعاني ، والأصل فيها أن لا يقدم عليها إلا بإذن ; إذ لا مجال للعقول في اختراع التعبدات ، فكذلك ما يتعلق بها من الشروط ، وما كان من العاديات يكتفى فيه بعدم المنافاة ; لأن الأصل فيها الالتفات إلى المعاني دون التعبد ، والأصل فيها الإذن حتى يدل الدليل على خلافه ، والله أعلم .
النوع الثالث في الموانع

وفيه مسائل

المسألة الأولى

الموانع ضربان :

أحدهما : ما لا يتأتى فيه اجتماعه مع الطلب .

والثاني : ما يمكن فيه ذلك ، وهو نوعان : أحدهما : يرفع أصل الطلب .

والثاني : لا يرفعه ، ولكن يرفع انحتامه .

وهذا قسمان : أحدهما : أن يكون رفعه بمعنى أنه يصير مخيرا فيه لمن قدر عليه .

والآخر : أن يكون رفعه بمعنى أنه لا إثم على مخالف الطلب .

[ ص: 442 ] فهذه أربعة أقسام .

فأما الأول ; فنحو زوال العقل بنوم أو جنون أو غيرهما ، وهو مانع من أصل الطلب جملة ; لأن من شرط تعلق الخطاب إمكان فهمه ; لأنه إلزام يقتضي التزاما ، وفاقد العقل لا يمكن إلزامه ، كما لا يمكن ذلك في البهائم والجمادات ; فإن تعلق طلب يقتضي استجلاب مصلحة أو درء مفسدة ، فذلك راجع إلى الغير كرياضة البهائم وتأديبها ، والكلام في هذا مبين في الأصول .

وأما الثاني ; فكالحيض والنفاس ، وهو رافع لأصل الطلب ، وإن أمكن حصوله معه ، لكن إنما يرفع مثل هذا الطلب بالنسبة إلى ما لا يطلب به ألبتة ; كالصلاة ودخول المسجد ومس المصحف وما أشبه ذلك ، وأما ما يطلب به بعد رفع المانع ، فالخلاف بين أهل الأصول فيه مشهور لا حاجة لنا إلى ذكره هنا ، والدليل على أنه غير مطلوب حالة وجود المانع أنه لو كان كذلك ; [ ص: 443 ] لاجتمع الضدان ; لأن الحائض ممنوعة من الصلاة ، والنفساء كذلك ; فلو كانت مأمورة بها أيضا لكانت مأمورة حالة كونها منهية بالنسبة إلى شيء واحد ، وهو محال ، وأيضا ;إذا كانت مأمورة أن تفعل ، وقد نهيت أن تفعل ، لزمها شرعا أن تفعل وأن لا تفعل معا ، وهو محال ، وأيضا فلا فائدة في الأمر بشيء لا يصح لها فعله حالة وجود المانع ، ولا بعد ارتفاعه لأنها غير مأمورة بالقضاء باتفاق .

وأما الثالث : فكالرق والأنوثة بالنسبة إلى الجمعة والعيدين والجهاد ; فإن هؤلاء قد لصق بهم مانع من انحتام هذه العبادات الجارية في الدين مجرى التحسين والتزيين ; لأنهم من هذه الجهة غير مقصودين بالخطاب فيها إلا [ ص: 444 ] بحكم التبع ، فإن تمكنوا منها جرت بالنسبة إليهم مجراها مع المقصودين بها ، وهم الأحرار الذكور ، وهذا معنى التخيير بالنسبة إليهم مع القدرة عليها ، وأما مع عدم القدرة عليها فالحكم مثل الذي قبل هذا .

وأما الرابع ; فكأسباب الرخص ، هي موانع من الانحتام ، بمعنى أنه لا حرج على من ترك العزيمة ميلا إلى جهة الرخصة ، كقصر المسافر ، وفطره ، وتركه للجمعة ، وما أشبه ذلك .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.45 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.72%)]