عرض مشاركة واحدة
  #34  
قديم 23-08-2021, 01:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,706
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الاول
الحلقة (34)
صـ459 إلى صـ 469

ما ذكر من إطلاق البطلان بالمعنى الثاني يحتمل تقسيما ، لكن بالنسبة إلى الفعل العادي ; إذ لا يخلو الفعل العادي ـ إذا خلا عن قصد التعبد ـ أن يفعل بقصد أو بغير قصد ، والمفعول بقصد ; إما أن يكون القصد مجرد الهوى والشهوة من غير نظر في موافقة قصد الشارع أو مخالفته ، وإما أن ينظر مع ذلك في الموافقة فيفعل أو في المخالفة فيترك ; إما اختيارا وإما اضطرارا ; فهذه أربعة أقسام :

أحدها : أن يفعل من غير قصد كالغافل والنائم ، فقد تقدم أن هذا الفعل لا يتعلق به خطاب اقتضاء ولا تخيير ، فليس فيه ثواب ولا عقاب ; لأن الجزاء في الآخرة إنما يترتب على الأعمال الداخلة تحت التكليف ، فما لا يتعلق به خطاب تكليف لا يترتب عليه ثمرته .

والثاني : أن يفعل لقصد نيل غرضه مجردا ، فهذا أيضا لا ثواب له على ذلك كالأول ، وإن تعلق به خطاب التكليف أو وقع واجبا كأداء الديون ورد الودائع والأمانات ، والإنفاق على الأولاد ، وأشباه ذلك ، ويدخل تحت هذا ترك المنهيات بحكم الطبع ; لأن الأعمال بالنيات ، وقد قال في الحديث : فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ، ومعنى الحديث [ ص: 460 ] متفق عليه ، ومقطوع به في الشريعة .

فهذا القسم والذي قبله باطل بمقتضى الإطلاق الثاني .

والثالث : أن يفعل مع استشعار الموافقة اضطرارا ، كالقاصد لنيل لذته من المرأة الفلانية ، ولما لم يمكنه بالزنى لامتناعها أو لمنع أهلها ، عقد عليها عقد نكاح ليكون موصلا له إلى ما قصد ، فهذا أيضا باطل بالإطلاق الثاني ; لأنه لم يرجع إلى حكم الموافقة إلا مضطرا ، ومن حيث كان موصلا إلى غرضه لا من حيث أباحه الشرع ، وإن كان غير باطل بالإطلاق الأول ، ومثل ذلك الزكاة المأخوذة كرها ; فإنها صحيحة على الإطلاق الأول ; إذ كانت مسقطة للقضاء أو مبرئة للذمة ، وباطلة على هذا الإطلاق الثاني ، وكذلك ترك المحرمات خوفا من العقاب عليها في الدنيا أو استحياء من الناس أو ما أشبه هذا ، ولذلك كانت الحدود كفارات فقط ، فلم يخبر الشارع عنها أنها مرتبة ثوابا [ ص: 461 ] على حال ، وأصل ذلك كون الأعمال بالنيات .

والرابع : أن يفعل لكن مع استشعار الموافقة اختيارا ; كالفاعل للمباح بعد علمه بأنه مباح ، حتى إنه لو لم يكن مباحا لم يفعله ; فهذا القسم إنما يتعين النظر فيه في المباح ، أما المأمور به يفعله بقصد الامتثال أو المنهي عنه يتركه بذلك القصد أيضا ; فهو من الصحيح بالاعتبارين ، كما أنه لو ترك المأمور به أو فعل المنهي عنه قصدا للمخالفة ، فهو من الباطل بالاعتبارين ; فإنما يبقى النظر في فعل المباح أو تركه من حيث خاطبه الشرع بالتخيير فاختار أحد الطرفين من الفعل أو الترك لمجرد حظه فتحتمل في النظر ثلاثة أوجه : أحدها : أن يكون صحيحا بالاعتبار الأول باطلا بالاعتبار الثاني ، وهذا هو الجاري على الأصل المتقدم في تصور المباح بالنظر إلى نفسه لا بالنظر إلى ما يستلزم .

والثاني : أن يكون صحيحا بالاعتبارين ، معا بناء على تحريه في نيل حظه مما أذن له فيه دون ما لم يؤذن له فيه ، وعلى هذا نبه الحديث في الأجر في وطء الزوجة ، وقولهم : أيقضي شهوته ، ثم يؤجر فقال : أرأيتم لو وضعها في حرام ، وهذا مبسوط في كتاب " المقاصد " من هذا الكتاب .

[ ص: 462 ] والثالث : أن يكون صحيحا بالاعتبارين معا في المباح الذي هو مطلوب الفعل بالكل ، وصحيحا بالاعتبار الأول باطلا بالاعتبار الثاني في المباح الذي هو مطلوب الترك بالكل ، وهذا هو الجاري على ما تقدم في القسم الأول من قسمي الأحكام ، ولكنه مع الذي قبله باعتبار أمر خارج عن حقيقة الفعل المباح ، والأول بالنظر إليه في نفسه .
فصل

وأما ما ذكر من إطلاق الصحة بالاعتبار الثاني ، فلا يخلو أن يكون عبادة أو عادة ; فإن كان عبادة فلا تقسيم فيه على الجملة ، وإن كان عادة ; فإما أن يصحبه مع قصد التعبد قصد الحظ أو لا ، والأول إما أن يكون قصد الحظ غالبا أو مغلوبا ; فهذه ثلاثة أقسام :

أحدها : ما لا يصحبه حظ ; فلا إشكال في صحته .

والثاني : كذلك ; لأن الغالب هو الذي له الحكم ، وما سواه في حكم [ ص: 463 ] المطرح .

والثالث : محتمل لأمرين : أن يكون صحيحا بالاعتبار الثاني أيضا ; إعمالا للجانب المغلوب ، واعتبارا بأن جانب الحظ غير قادح في العاديات بخلاف العباديات ، وأن يكون صحيحا بالاعتبار الأول دون الثاني ; إعمالا لحكم الغلبة ، وبيان هذا التقسيم والدليل عليه مذكور في كتاب المقاصد من هذا الكتاب ، والحمد لله .
[ ص: 464 ] النوع الخامس في العزائم والرخص .

والنظر فيه في مسائل : المسألة الأولى

العزيمة : ما شرع من الأحكام الكلية ابتداء .

ومعنى كونها " كلية " أنها لا تختص ببعض المكلفين من حيث هم مكلفون دون بعض ، ولا ببعض الأحوال دون بعض ; كالصلاة مثلا ; فإنها مشروعة على الإطلاق والعموم في كل شخص وفي كل حال ، وكذلك الصوم والزكاة والحج والجهاد وسائر شعائر الإسلام الكلية ، ويدخل تحت هذا ما شرع لسبب مصلحي في الأصل ; كالمشروعات المتوصل بها إلى إقامة مصالح الدارين من البيع ، والإجارة ، وسائر عقود المعاوضات ، وكذلك أحكام الجنايات ، والقصاص ، والضمان ، وبالجملة جميع كليات الشريعة .

ومعنى " شرعيتها ابتداء " أن يكون قصد الشارع بها إنشاء [ ص: 465 ] الأحكام التكليفية على العباد من أول الأمر ، فلا يسبقها حكم شرعي قبل ذلك ، فإن سبقها وكان منسوخا بهذا الأخير ، كان هذا الأخير كالحكم الابتدائي تمهيدا للمصالح الكلية العامة .

ولا يخرج عن هذا ما كان من الكليات واردا على سبب ; فإن الأسباب قد تكون مفقودة قبل ذلك ، فإذا وجدت اقتضت أحكاما ; كقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا [ البقرة : 104 ] .

وقوله تعالى : ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله [ الأنعام : 108 ] .

وقوله تعالى : ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم [ البقرة : 198 ] .

وقوله تعالى : علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم الآية [ البقرة : 187 ] .

وقوله : فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه [ البقرة : 203 ] .

وما كان مثل ذلك ; فإنه تمهيد لأحكام وردت [ شيئا ] بعد شيء بحسب [ ص: 466 ] الحاجة إلى ذلك ; فكل هذا يشمله اسم العزيمة ; فإنه شرع ابتدائي حكما ، كما أن المستثنيات من العمومات وسائر المخصوصات كليات ابتدائية أيضا ; كقوله [ تعالى ] : ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله [ البقرة : 229 ] .

وقوله تعالى : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [ النساء : 19 ] .

وقوله تعالى : فاقتلوا المشركين [ التوبة : 5 ] .

ونهى - صلى الله عليه وسلم ـ عن قتل النساء والصبيان ، هذا وما أشبهه من العزائم ; لأنه راجع إلى أحكام كلية ابتدائية .
وأما الرخصة ; فما شرع لعذر شاق ، استثناء من أصل كلي يقتضي المنع مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه .

فكونه " مشروعا لعذر " هو الخاصة التي ذكرها علماء الأصول .

[ ص: 467 ] وكونه شاقا ; فإنه قد يكون العذر مجرد الحاجة من غير مشقة موجودة ، فلا يسمى ذلك رخصة ; كشرعية القراض مثلا ; فإنه لعذر في الأصل ، وهو عجز صاحب المال عن الضرب في الأرض ، ويجوز حيث لا عذر ولا عجز ، وكذلك المساقاة والقرض والسلم ، فلا يسمى هذا كله رخصة ، وإن كانت مستثناة من أصل ممنوع ، وإنما يكون مثل هذا داخلا تحت أصل الحاجيات الكليات ، والحاجيات لا تسمى عند العلماء باسم الرخصة ، وقد يكون العذر راجعا إلى أصل تكميلي فلا يسمى رخصة أيضا ، وذلك أن من لا يقدر على الصلاة قائما أو يقدر بمشقة ، فمشروع في حقه الانتقال إلى الجلوس ، وإن كان مخلا بركن من أركان الصلاة ، لكن بسبب المشقة استثني فلم يتحتم عليه القيام ; فهذا رخصة محققة ; فإن كان هذا المترخص إماما ; فقد جاء في الحديث : إنما جعل الإمام ليؤتم به ، ثم قال : وإن صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون فصلاتهم جلوسا وقع لعذر ; إلا أن العذر في حقهم ليس المشقة ، بل لطلب الموافقة للإمام وعدم المخالفة عليه ، فلا يسمى مثل هذا رخصة ، وإن كان مستثنى لعذر .

[ ص: 468 ] وكون هذا المشروع لعذر " مستثنى من أصل كلي " يبين لك أن الرخص ليست بمشروعة ابتداء ; فلذلك لم تكن كليات في الحكم ، وإن عرض لها ذلك ; فبالعرض ، فإن المسافر إذا أجزنا له القصر والفطر ; فإنما كان ذلك بعد استقرار أحكام الصلاة والصوم ، هذا وإن كانت آيات الصوم نزلت دفعة واحدة ; فإن الاستثناء ثان عن استقرار حكم المستثنى منه على الجملة ، وكذلك أكل الميتة للمضطر في قوله تعالى : فمن اضطر الآية [ البقرة : 173 ] .

وكونه " مقتصرا به على موضع الحاجة " خاصة من خواص الرخص أيضا لا بد منه ، وهو الفاصل بين ما شرع من الحاجيات الكلية ، وما شرع من الرخص ; فإن شرعية الرخص جزئية يقتصر فيها على موضع الحاجة ; فإن المصلي إذا انقطع سفره ، وجب عليه الرجوع إلى الأصل من إتمام الصلاة وإلزام الصوم ، والمريض إذا قدر على القيام في الصلاة لم يصل قاعدا ، وإذا قدر على مس الماء لم يتيمم ، وكذلك سائر الرخص بخلاف القرض والقراض والمساقاة ، ونحو ذلك مما هو يشبه الرخصة ; فإنه ليس برخصة في حقيقة هذا الاصطلاح لأنه مشروع أيضا ، وإن زال العذر فيجوز للإنسان أن يقترض ، وإن لم يكن به حاجة إلى الاقتراض ، وأن يساقي حائطه وإن كان قادرا على عمله بنفسه أو بالاستئجار عليه ، وأن يقارض بماله وإن كان قادرا على التجارة فيه بنفسه أو بالاستئجار ، وكذلك ما أشبهه .

فالحاصل أن العزيمة راجعة إلى أصل كلي ابتدائي ، والرخصة راجعة [ ص: 469 ] إلى جزئي مستثنى من ذلك الأصل الكلي .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.65%)]