عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 07-09-2021, 03:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,916
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تجديد الإيمان بآيات الرحمن


تجديد الإيمان بآيات الرحمن من سورة الحجرات (4)






أحمد حرفوش


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) (الحجرات:9).

أي: وإنْ حدث أنَّ فئتين وجماعتين مِن إخوانكم المؤمنين جنحوا إلى القتال فأصلحوا بينهما، واسعوا جهدكم للإِصلاح بينهما، والجمعُ (اقْتَتَلُوا) باعتبار المعنى، والتثنية (بَيْنَهُمَا) باعتبار اللفظ؛ وقد سَمَّاهُمْ الله مُؤْمِنِينَ مَعَ الِاقْتِتَالِ، وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يخرج عن الْإِيمَانِ بِالْمَعْصِيَةِ وَإِنْ عَظُمَتْ.

(فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى) أي: فإِن بغت إحداهما على الأخرى، وتجاوزت حدَّها بالظلم والطغيان، ولم تقبل الصلح وصمَّمت على البغي (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) أي: فقاتلوا الفئة الباغية حتى ترجع إلى حكم الله وشرعه، وتُقلع عن البغي والعدوان، وتعمل بمقتضى أخوة الإِسلام.

(فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) أي: فإن رجعت وكفَّت عن القتال؛ فأصلحوا بينهما بالعدل، دون حيفٍ على إِحدى الفئتين، واعدلوا في جميع أموركم.

والآية نزلت في قتالٍ حدث بين "الأوس" و"الخزرج" في عهده -صلى الله عليه وسلم- كان فيه ضرب السَّعف والنعال.

وأخرج البخاري عن أبي بكرة -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَ يَوْمًا وَمَعَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ الْحَسَنُ بن علي -رضي الله عنهما- فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ مَرَّةً، وَإِلَى النَّاسِ أُخرى وَيَقُولُ: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ تعالى أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المسلمين)، فكان كما قال -صلى الله عليه وسلم-، أصلح الله به أهل الشام وأهل العراق، والآية تدل على أن الباغي مؤمن، وأنه إِذا كفَّ عن الحرب تُرك، وأنه يجب تقديم النصح والسعي في المصالحة.

روى الإمام أحمد عن أنَس -رضي الله عنه قال: قِيلَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبي، فَانْطَلَقَ إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَرَكِبَ حِمَارًا، وَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ يَمْشُونَ وَهِيَ أَرْضٌ سَبْخَةٌ، فَلَمَّا انْطَلَقَ النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه قَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي فَوَاللَّهِ لَقَدْ آذَانِي رِيحُ حِمَارِكَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: وَاللَّهِ لَحِمَارُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ، قَالَ: فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ، قَالَ: فَكَانَ بَيْنَهُمْ ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ، فَبَلَغَنَا أَنَّهُ أُنْزَلَتْ فِيهِمْ".

وَقَالَ السُّدِّيُّ: "كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عِمْرَانُ، كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ تُدْعَى أُمَّ زَيْدٍ، وَإِنَّ الْمَرْأَةَ أَرَادَتْ أَنْ تَزُورَ أَهْلَهَا فَحَبَسَهَا زَوْجُهَا، وَجَعَلَهَا فِي عِلْيَةٍ لَهُ -حجرة فوق البيت-، لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا، وَإِنَّ الْمَرْأَةَ بَعَثَتْ إِلَى أَهْلِهَا فَجَاءَ قَوْمُهَا وَأَنْزَلُوهَا، لِيَنْطَلِقُوا بِهَا، وَإِنَّ الرجل كان قد خَرَجَ، فَاسْتَعَانَ أَهْلُ الرَّجُلِ، فَجَاءَ بَنُو عَمِّهِ لِيَحُولُوا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ أَهْلِهَا فَتَدَافَعُوا وَاجْتَلَدُوا بِالنِّعَالِ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَصْلَحَ بينهم، وفاءوا إلى أَمْرِ الله تعالى".

(وَأَقْسِطُوا) أي: اعدلوا في جميع أموركم، (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي: يحبُّ العادلين الذين لا يجورون في أحكامهم، وفي الحديث: (إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا) (رواه مسلم).

(إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ) أي: ليس المؤمنون إلا إخوة، جمعتهم رابطة الإِيمان، لا ينبغي أن تكون بينهم عداوة ولا شحناء، ولا تباغضٌ، وفي الآية إشارة إلى أنْ أخوة الإِسلام أقوى من أخوَّة النسب، بحيث لا تعتبر أخوَّة النسب إذا خلت عن أخوة الإِسلام كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يظلمهُ وَلَا يُسْلِمُهُ) (متفق عليه)، وَفِي الصَّحِيحِ: (وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) (رواه مسلم)، وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا: (مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ) (رواه مسلم).


(فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) أي: فأصلحوا بين إخوانكم المؤمنين، دون حيفٍ على إِحدى الفئتين، ولا تتركوا الفرقة تدبُّ بينهم، والبغضاء تعمل عملها، وفي الصحيح: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا) فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: (تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ) (رواه البخاري).

(وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي: اتقوا الله -تعالى- بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه؛ لتنالكم رحمته، وتسعدوا بجنته ومرضاته.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.29%)]