عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 09-09-2021, 04:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,317
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شذرات عن طريق طالب العلم

قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
"أقام شُعبةُ على الحَكَم بن عُتَيْبةَ ثمانية عشَر شَهْرًا - يعني يطلب الحديث - حتى باع جُذُوعَ بيته!"[8]، وقال الإمام ابن عُيينة رحمه الله:
"سمعتُ شعبةَ يقول:
من طلب الحديثَ أفلَس!"[9].
وقد "أفضى بمالِك بنِ أنس رحمه الله طلَبُ العلم إلى أن نقَض سقفَ بيته فباع خشَبَه"[10].
يا طالبَ العِلم، أكْرِم عينَ العلم، فلأجل عينٍ تغور عيون.



للعلم تُحَلُّ الصُّرَرُ، ولنيله تُنفق الدنانير.
يا طالبَ العِلم!
كان الكبار - من قدواتك - يشترون هذا العلمَ بجدِّهم وجهدهم ومالهم.


قال خلف بن هشام رحمه الله:
"أَشكَل عليَّ بابٌ من النَّحو، فأنفقتُ ثمانين ألف درهم حتى حذقته!"[11]، وقال الإمام الشعبي رحمه الله:
"لو أن رجلًا سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليَمَن فحفظ كلمةً تنفعه فيما يستقبل من عمره، رأيتُ أنَّ سفَره لم يَضِع"[12]، وكم مِن مال وجهد سيهراق في سبيلها؟!


وإليك قول ابن المقرئ رحمه الله:
"مشيتُ بسبب نُسخة مفضل بن فضالة سبعين مَرحلة! ولو عرضَتْ على خبَّاز برغيف لم يَقْبَلْها"[13].
يا طالبَ العِلم، اركب جهدك ومالك لعِلمك؛ فإنَّما هما ظَهْر والعلم منتهى.



يا طالبَ العِلم، فِ لمشايخك، وتودَّد لهم؛ فإنَّ جفاء الشيخ ليس مِن صِدق الطلب، واذكر أنَّ ((حُسْن العَهْد مِن الإيمان))، و((مَن صنَع إليكم مَعروفًا فكافِئوه...))؛ الحديث.
يا طالبَ العِلم الوَفِي، كَمال علمك، وتاج فَهمك، أن تُكرم العينَ التي نبعَتْ لك فارتويتَ منها وكنتَ ظمآنَ! والعذقَ الذي أطعمَك وكنتَ جوعانَ!
بل واللهِ مَن عَرَّفك عزَّك وشرفَك وكنتَ عنه شاردًا، وجذبك للحقِّ والكمال وكنتَ عنه ساربًا...
الوَفاء إكسيرُ الطَّلب، وتَرْكُه كاسِره.



ظاهرة بيع المشايخ..
يا طالبَ العِلم، إيَّاك وبخس مشايخك وبيعهم! ولازِمْهم ولا تتخلَّف عنهم! فما بتَرْكك شيخك كرامةٌ ولا مُروءة، حتى لو هَجَرك؛ فإنَّما عليك التودُّدُ والتلطُّف والاصطبار.
فقد قام الإمامُ أبو حنيفة عن مجلس شيخه حمَّاد، ظنًّا منه الغُنية، فسُئل عمَّا لا يعرف! قال: "فجعلتُ على نفسي ألَّا أفارِقَ حَمَّادًا حتى يَموت، فصحبتُه ثماني عشرة سنة"[14].


وقام الإمامُ مالكٌ وسليمان بن بلال عن مَجلس شيخه ربيعةَ، فقال له الشَّيخ:
يا مالِكُ، تَلْعب بنفسك؟! زَفَنْتَ وصفَّق لك سليمان، أبَلغتَ أن تَتَّخِذ لك مجلسًا؟ ارجِعْ إلى مجلسك!"[15].
يا طالبَ العِلم، اتَّبع شيخك ولا تَبِعْه!



يعزُّ على النَّفس ويكدِّر الخاطرَ: رؤيةُ طالب علم يزهَدُ فيمن حوله ومَن بقُربه من أهل العلم، ويسعى فيمَن قد لا يتيسَّر، فيَفوتُه القريب فيتحسَّر، ومدار القول في حال توفُّر المراد عند القريب، قال عروة بن الزبير:
"أَزْهَدُ الناس في العالِم أهلُه وجيرانُه"[16]؛ "كالسِّراج بين أظهُر القوم يستصبح النَّاس منه ويقول أهلُ البيت:
إنَّما هو معنا وفينا، فلم يَفْجَأْهم إلَّا وقد طفئ السِّراج، فأمسك الناس ما استَصْبحوا من ذلك"[17].


وما أجمل قول الماوردي في أدبه:
"وإذا قرب منك العالِم، فلا تَطلب ما بَعُد... وربَّما انبعثَتْ نفسُ الإنسان إلى مَن بَعُد عنه استهانةً بمَن قَرُب منه... فلا يدرِك مَطلوبًا، ولا يَظْفر بطائل"[18].
يا طالبَ العِلم، كُن للقريب آفاقيَّ الشَّوق، لا زَهِد الجوار!



يا طلبة العلم، "يَنبغي لنا دائمًا في حال قِراءتنا وفي حال تعلُّمنا أن نَستشير مَن عنده تجربة وخبرة"[19].
فعقولٌ: أَحرى للصَّواب مِن واحدها، وملاقحَةُ فِكرِ ذَوي الفِكْر فِكرَك: أَدعى لإدراكِ الغاية، سواء كان في الطَّلب، أو التَّتلمذ، أو القِراءة، أو البحث، وكثير ممَّن يُعتدُّ برأيه يعتدي، ومَن رأى لنفسه فَضلًا عن الاستشارة ما يزداد إلَّا نَقصًا، وعن الحقِّ إلا بُعدًا.
يا طالبَ العِلم، استَشِرْ، تَشترِ عقولًا بالمجان، وتُوفَّق لخير رأي وأوسط سبيل.



قال سفيان الثَّوري رحمه الله:
"إنَّما العِلم عندنا الرُّخصةُ مِن ثقة، فأمَّا التشديد، فيُحسِنه كلُّ أحَد"[20].



بعض طلبة العلم - لعدم وضوحِ الأمر لديه - يَصُبُّ جُلَّ اهتمامه على أقل الأمر، معتذرًا أنَّه لا ينقصه إلَّا هذا؛ وكأنَّه قد أتقن مهمَّات العلم وأصوله، دوافعه لهذا إمَّا عَجْزُه وكَسَلُه، وإمَّا ضَعْف بصيرته وبُعْده عن المشايخ الذين يَأخذون بيَده لِما فيه نَفْعه، فيَنساق وراءَ الصوريات والشكليَّات، ويدَع الجوهريَّات والرئيسات... هذا داءٌ دواؤه نَقيض دوافعه، فلْيُنْتبه له.



يا طالبَ العِلم، مِن شُكْر العلم أن تَحْفظ لِمن علَّمك حَقَّه، ولا تنسى له فَضْله؛ فإنَّ الله قال: ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة: 237].


وأَجْمِلْ بكلمةِ الإمام الوَفيِّ محمد الشافعيِّ رحمه الله حين قال:
"الحُرُّ يحفظ ودادَ لَحظة، ولِمن أفادَه لَفْظة"، فكيف بمَن نال مِن عِلم شيخه ما قامت به قدَماه، وعرف العلمَ بسببه؟!
واذكر أنَّ "أحبَّ الطلَّاب إلى الله أكمَلُهم أدبًا مع شيخه"[21]؛ كما قال العلَّامة محمد الشنقيطي حفظه الله.


[1] سنن أبي داود (١/ ٢٣٤).
[2] رواه مسلم.
[3] تهذيب الأسماء واللغات (١/ ١١).
[4] مواهب الجليل (١/ ٥).
[5] المستدرك على الفتاوى (١/ ١٩٩).
[6] جامع بيان العلم وفضله (١/ ٥٠٦).
[7] جامع بيان العلم وفضله (١/ ٥١٧).
[8] العلل ومعرفة الرجال (٢/ ٣٤٢).
[9] سير أعلام النبلاء (٧/ ٢٢٠).
[10] تاريخ بغداد (٢/ ١٣).
[11] سير أعلام النبلاء (١٠/ ٥٧٨).
[12] حلية الأولياء (٤/ ٣١٣).
[13] تذكرة الحفاظ (٣/ ١٢١).
[14] تهذيب الأسماء واللغات (٢/ ٢١٨).
[15] الانتقاء (١/ ٣٧).
[16] العلم؛ لأبي خيثمة (١/ ٣٨).
[17] حلية الأولياء (٤/ ٢٤٥).
[18] أدب الدنيا والدين (١/ ٨٢)؛ بتصرف.
[19] "شرح لامية شيخ الإسلام"؛ للشيخ عمر العيد.
[20] جامع بيان العلم وفضله (١/ ٧٨٤).
[21] دروس العلامة محمد المختار (٢٥/ ١٣).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]