عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 13-09-2021, 04:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,510
الدولة : Egypt
افتراضي التعليم العتيق بالمغرب: عراقة التاريخ وتحديات الحاضر

التعليم العتيق بالمغرب: عراقة التاريخ وتحديات الحاضر
خالد أوعبو



التعليم العتيق بالمغرب

عراقة التاريخ وتحديات الحاضر




السياق التاريخي:
كانت المناهج الدراسية في جميع ربوع الدولة الإسلامية وفي مختلف مراحل التعليم مندمجةً فيما بينها، تندمج فيها مواد الشريعة والفكر الإسلامي بباقي المواد من فيزياء وكيمياء وطبيعيات وهندسة ولغة عربية وطب وغيرها من المواد؛ انطلاقًا من مبدأ "وحدة المعرفة" و"وحدة المصدر"، وانتهاءً بمفهوم "التكامل المعرفي" الذي يجسده واقعًا الاندماج المنهاجي؛ فكانت الجودة والكفاءات، وكان العلماء، وكانت النهضة.

كما أنَّ التعليم كان محتضَنًا من المجتمع وتحت إشراف دار الخلافة؛ فعرف النجاح وعرفت الأمة الازدهار، ولم يشكل المغرب الاستثناء؛ فقد اجتهد السلاطين المغاربة على مر العصور منذ المولى إدريس الأكبر، مرورًا بالدول المتعاقبة على الحكم في المغرب، من الدولة الإدريسية، والدولة المُرابطية، والدولة الموحِّدية، والدولة المَرينية، إلى عهد الدولة العلوية الشريفة - في العناية بالتعليم الإسلامي، كل حسب رؤيته، من خلال بناء المدارس والمراكز العلمية، ورعاية العلماء، وتنظيم مجالس للعلم، وكان القاسم المشترك بينهم هو الغيرة على هذا النوع من التعليم الذي يشكل صمام الأمان للهُوية الإسلامية، والضامن لمواصلة الريادة والزعامة الفكرية والثقافية بين الأمم؛ فمنذ تأسيس جامع القرويين سنة 245هـ في عهد يحيى بن محمد بن إدريس، خامس الأدارسة، اهتم السلاطين المغاربة بالتعليم، ولم يفرقوا فيه بين الديني والدنيوي، بل اعتبروا جميع أنواع التعليم دينيةً؛ لأنها تخدم الإنسان بصفة عامة في حمل مشعل القيام بأمانة الاستخلاف وإعمار الأرض.

ففي العصر المرابطي: اعتنى السلاطين بهذا النوع من التعليم بأن أسسوا عدة مدارس إسلامية لتلقين المعارف، ودشنوا الجوامع الدينية لتدريس العلوم الشرعية والفقهية، كما عملوا على توسيع جامع القرويين، وأسسوا جامع ابن يوسف بمراكش، يضاهي جامع القرويين بفاس.

وفي عهد الموحدين: تم بناء عدة مساجد ومدارس، منها المسجد الأعظم بمدينة سَلَا ومدرسته الباقية إلى الآن، ومدرسة الشيخ أبي الحسن الشاري من أعلام ذاك العصر، التي أنشأها في مدينة سَبْتَة.

كما اهتم المَرينيون اهتمامًا كبيرًا بالعلماء والفقهاء وطلبة العلم، فبالإضافة إلى المؤسسات الدينية والمساجد، عملوا على بناء عدة مدارس، من أهمها:
مدرسة الصفارين التي بناها السلطان يعقوب بن عبدالحق سنة 670هـ، ومدرسة فاس الجديدة التي بنيت بأمر من الأمير علي بن أبي سعيد عثمان، ومدرسة الصهريج التي بنيت سنة 721هـ في عهد السلطان أبي سعيد عثمان بن عبدالحق، ومدرسة العطارين التي شيدت سنة 723هـ، والمدرسة البوعنانية التي بناها السلطان أبو عنان بن أبي الحسن سنة 755هـ، والمدرسة العظمى في مراكش التي بناها السلطان أبو الحسن علي المريني.

لقد اهتمت هذه المدارس والجوامع بجميع أنواع العلوم، وكانت كلها تدور حول العلوم الشرعية وتنطلق منها.

أما في العصر العلوي، فقد انتشرت المدارس العتيقة والمعاهد الدينية والكتاتيب القرآنية بشكل كبير؛ فمن اهتمامهم بالتعليم الديني عمل السلطان محمد بن عبدالله العلوي على الإشراف على عدة إصلاحات، من قبيل التركيز على العلوم النقلية والتوجه العقائدي السلفي، والعناية بنشر كتب السُّنة، ومنع تدريس الفروع والعلوم العقلية كعلم الكلام والفلسفة والمنطق وتصوف الغلاة.

وقد تابع العلويون بناء المدارس العتيقة والمدارس الدينية إلى الآن.

تحديات تاريخية:
لما جاء وباء الجمود والتقليد وعم جميع بلدان العالم الإسلامي، لم يستثن المملكة المغربية، وعند مجيء الاستعمار الغربي عمل على تكريس هذا الجمود، والقضاء على كل نظام تعليمي له مرجعية إسلامية؛ سعيًا منه لطمس وإلغاء القيم الإسلامية والهوية الثقافية للمغاربة، من خلال تهميش اللغة العربية والدين الإسلامي من الساحة التعليمية؛ فعمل على إنشاء مدارس "عصرية" تدرس فيها اللغات والآداب والتاريخ والفلسفة والمنطق وعلوم أخرى كالرياضيات، بمناهج ومقررات أكثر حداثةً، وبمقاربات وطرائق جديدة على ضوءِ آخِرِ ما تم التوصل إليه في مجال علوم التربية.

في مقابل ذلك، ظلت المدارس "التقليدية" المتمثلة في جامع القرويين بفاس، وجامع ابن يوسف بمراكش، ومدارس سوس، والمساجد - تتخصص في تدريس العلوم الشرعية واللغوية والأدبية بنفس المناهج والطرائق التقليدية التي عرفت بها منذ قرون؛ فتخلفت تلك المدارس عن مجاراة المدارس العصرية، وإن كانت تخرج بين الفينة والأخرى علماء ومفكرين.

وقد ظهر مصطلح "التعليم الديني" حين تم الفصل بين العلوم الاجتماعية والعلوم الحقة وعلوم الشريعة واللغة العربية، كما ظهرت تسميات جديدة فرضها سياق عام انتشر فيه التعليم "العصري" في المغرب من مثل "التعليم العتيق"، فكان أول من أطلق هذا الوصف "المختار السوسي" في كتابه "سوس العالمة"، والمصطلح ليس قدحًا في هذا النوع من التعليم، بل هو مرادف للتعليم الإسلامي، ويراد به نوع التعليم كما كان يمارس بمدارس المغرب قبل مجيء الاستعمار، والمخالف لما جاء به نظام الحماية من إصلاح تعليمي، كما سُمِّي بتسميات أخرى من قبيل "التعليم الأصلي" و"التعليم الأصيل".

إصلاحات متعاقبة:
كما هو معلوم فإن المقاومة العسكرية لا تكفي لإجلاء المحتل، بل لا بد أن تواكبه إصلاحات تربوية تحصِّن الفرد، بدايةً مِن الأفكار الواردة من العالم الغربي التي تهدد هويته، وتهيِّئه كذلك لبناء حضارة تضاهي تلك الوافدة علينا كرهًا، وتستعيد أمجاد ماضي أمَّتنا العريق.

فأصبح الحال يلح على ضرورة إنشاء نظام جديد للتعليم، يحافظ على المرجعية العقدية والشرعية، ويتلاءم مع الواقع المغربي، وينفتح على العلوم الجديدة، فتوالت المبادرات الإصلاحية للتعليم العتيق بدءًا من إصلاح 1931م من خلال إصدار ظهير ملكي لإصلاح جامع القرويين، ينص على تعيين مجلس أعلى يشرف على الجامع، ويسن ضوابط دقيقة لانتداب العلماء المدرسين به، والمواد المدرسة، وتدبير الزمن الدراسي... وفي سنة 1942م، وإيمانًا منه بضرورة إصلاح جامع القرويين وجعله وسيلةً للارتقاء بالتعليم العتيق في كل البلاد، قام المغفور له بإذن الله "محمد الخامس" بتعيين مدير للجامع أُسندت له مهمة الإشراف على تطوير المؤسسة، وفي سنة 1957م تم إحداث لجنة ملكية لإصلاح التعليم العتيق بشقَّيه التربوي والإداري، من بينها تحويل السلك العالي لجامع القرويين ومدرسة ابن يوسف بمراكش إلى كليات الآداب وكلية الشريعة، وإحداث نظام التعليم الأصيل وإلحاقه بوزارة التعليم العالي.

وخلال الستينيات من القرن الماضي، أطلق الراحل الحسن الثاني عدة مبادرات لبعث التعليم العتيق، بدءًا من ظهير 1963م، القاضي بجعل جامعة القرويين تحت وصاية وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي، وضمها لكل من كلية الشريعة بفاس وكلية أصول الدين بتطوان وكلية اللغة العربية بمراكش، كما أصدر سنة 1964م أمرًا بإحداث دار الحديث الحسنية وجعلها تابعة للبلاط الملكي، وفي سنة 1969م تم إحداث نظام الكتاتيب القرآنية لإمداد مدارس التعليم الأصيل بحفاظ كتاب الله.

وتوالت بعد ذلك الإصلاحات تباعًا؛ ففي سنة 1975م أصدر الراحل الحسن الثاني ظهيرًا في شأن تنظيم الجامعات، أصبحت بموجبه جامعة القرويين تخضع في تسييرها التربوي والإداري - أسوة بالجامعات المغربية الأخرى - إلى هذا الظهير.



يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.52 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.83%)]