
13-09-2021, 04:59 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,147
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (10)
من صــ 293 الى صــ 310
وتسمية المقدور قدرة هو من باب تسمية المفعول باسم المصدر وهذا كثير شائع في اللغة كقولهم للمخلوق خلق وقولهم درهم ضرب الأمير أي مضروب الأمير ونظائره كثيرة.
وابن عطية سلك مسلك هؤلاء وقال: الاسم الذي هو " ألف وسين وميم " يأتي في مواضع من الكلام الفصيح يراد به المسمى ويأتي في مواضع يراد به التسمية نحو قوله صلى الله عليه وسلم " {إن لله تسعة وتسعين اسما} " وغير ذلك ومتى أريد به المسمى فإنما هو صلة كالزائد كأنه قال في هذه الآية: سبح ربك الأعلى أي نزهه.
قال: وإذا كان الاسم واحد الأسماء كزيد وعمرو فيجيء في الكلام على ما قلت لك. تقول: زيد قائم تريد المسمى وتقول:
زيد ثلاثة أحرف تريد التسمية نفسها على معنى نزه اسم ربك عن أن يسمى به صنم أو وثن فيقال له: " إله أو رب ". قلت: هذا الذي ذكروه لا يعرف له شاهد لا من كلام فصيح ولا غير ذلك ولا يعرف أن لفظ اسم " ألف سين ميم " يراد به المسمى بل المراد به الاسم الذي يقولون هو التسمية. وأما قوله: تقول زيد قائم زيد المسمى.
فزيد ليس هو " ألف سين ميم " بل زيد مسمى هذا اللفظ فزيد يراد به المسمى ويراد به اللفظ. وكذلك اسم " ألف سين ميم " يراد به هذا اللفظ؛ ويراد به معناه وهو لفظ زيد وعمرو وبكر؛ فتلك هي الأسماء التي تراد بلفظ اسم؛ لا يراد بلفظ اسم نفس الأشخاص؛ فهذا ما أعرف له شاهدا صحيحا فضلا عن أن يكون هو الأصل كما ادعاه هؤلاء.
قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه}. فأسماؤه الحسنى مثل: الرحمن الرحيم والغفور الرحيم فهذه الأقوال هي أسماؤه الحسنى وهي إذا ذكرت في الدعاء والخبر يراد بها المسمى. إذا قال: {وتوكل على العزيز الرحيم} فالمراد المسمى ليس المراد أنه يتوكل على الأسماء التي هي أقوال؛ كما في سائر الكلام: كلام الخالق وكلام المخلوقين.
وما ذكروه من أن القائل إذا قال: ما اسم معبودكم؟ قلنا: الله. فنجيب في الاسم بما نجيب به في المعبود؛ فدل على أن اسم المعبود هو المعبود: حجة باطلة وهي عليهم لا لهم. فإن القائل إذا قال: ما اسم معبودكم؟ فقلنا: الله.
فالمراد أن اسمه هو هذا القول ليس المراد أن اسمه هو ذاته وعينه الذي خلق السموات والأرض فإنه إنما سأل عن اسمه لم يسأل عن نفسه؛ فكان الجواب بذكر اسمه.
وإذا قال: ما معبودكم؟ فقلنا الله: فالمراد هناك المسمى؛ ليس المراد أن المعبود هو القول فلما اختلف السؤال في الموضعين اختلف المقصود بالجواب وإن كان في الموضعين قال الله لكنه في أحدهما أريد هذا القول الذي هو من الكلام وفي الآخر أريد به المسمى بهذا القول.
كما إذا قيل: ما اسم فلان؟ فقيل: زيد أو عمر فالمراد هو القول. وإذا قال: من أميركم أو من أنكحت؟ فقيل زيد أو عمرو فالمراد به الشخص فكيف يجعل المقصود في الموضعين واحدا. ولهذا قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى} كان المراد أنه نفسه له الأسماء الحسنى.
ومنها اسمه الله. كما قال: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} فالذي له الأسماء الحسنى هو المسمى بها؛ ولهذا كان في كلام الإمام أحمد أن هذا الاسم من أسمائه الحسنى؛ وتارة يقول الأسماء الحسنى له أي المسمى ليس من الأسماء؛ ولهذا في قوله {ولله الأسماء الحسنى} لم يقصد أن هذا الاسم له الأسماء الحسنى؛ بل قصد أن المسمى له الأسماء الحسنى.
وفي حديث أنس الصحيح {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نقش خاتمه: محمد رسول الله محمد سطر ورسول سطر والله سطر} ويراد الخط المكتوب الذي كتب به ذلك؛ فالخط الذي كتب به محمد سطر والخط الذي كتب به رسول سطر والخط الذي كتب به الله سطر.
ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم {يقول الله تعالى: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه} " فمعلوم أن المراد تحرك شفتاه بذكر اسم الله وهو القول ليس المراد أن الشفتين تتحرك بنفسه تعالى. وأما احتجاجهم بقوله: {سبح اسم ربك الأعلى} وأن المراد سبح ربك الأعلى وكذلك قوله: {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام} وما أشبه ذلك فهذا للناس فيه قولان معروفان وكلاهما حجة عليهم.
منهم من قال: " الاسم " هنا صلة والمراد سبح ربك وتبارك ربك. وإذا قيل: هو صلة فهو زائد لا معنى له؛ فيبطل قولهم إن مدلول لفظ اسم " ألف سين ميم " هو المسمى فإنه لو كان له مدلول مراد لم يكن صلة.
ومن قال إنه هو المسمى وأنه صلة كما قاله ابن عطية؛ فقد تناقض فإن الذي يقول هو صلة لا يجعل له معنى؛ كما يقوله من يقول ذلك في الحروف الزائدة التي تجيء للتوكيد كقوله: {فبما رحمة من الله لنت لهم} و {قال عما قليل ليصبحن نادمين} ونحو ذلك. ومن قال: إنه ليس بصلة بل المراد تسبيح الاسم نفسه فهذا مناقض لقولهم مناقضة ظاهرة. و " التحقيق " أنه ليس بصلة بل أمر الله بتسبيح اسمه كما أمر بذكر اسمه.
والمقصود بتسبيحه وذكره هو تسبيح المسمى وذكره فإن المسبح والذاكر إنما يسبح اسمه ويذكر اسمه؛ فيقول: سبحان ربي الأعلى فهو نطق بلفظ ربي الأعلى والمراد هو المسمى بهذا اللفظ فتسبيح الاسم هو تسبيح المسمى.
ومن جعله تسبيحا للاسم يقول المعنى أنك لا تسم به غير الله ولا تلحد في أسمائه فهذا مما يستحقه اسم الله لكن هذا تابع للمراد بالآية ليس هو المقصود بها القصد الأول. وقد ذكر " الأقوال الثلاثة " غير واحد من المفسرين كالبغوي قال قوله: {سبح اسم ربك الأعلى} أي قل سبحان ربي الأعلى.
وإلى هذا ذهب جماعة من الصحابة وذكر حديث ابن عباس {أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: {سبح اسم ربك الأعلى}. فقال: سبحان ربي الأعلى}.
قلت: في ذلك حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه {لما نزل {فسبح باسم ربك العظيم} قال اجعلوها في ركوعكم ولما نزل: {سبح اسم ربك الأعلى} قال: اجعلوها في سجودكم} " والمراد بذلك أن يقولوا في الركوع سبحان ربي العظيم وفي السجود سبحان ربي الأعلى كما ثبت في الصحيح عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه {قام بالبقرة والنساء وآل عمران ثم ركع نحوا من قيامه يقول: سبحان ربي العظيم وسجد نحوا من ركوعه يقول: سبحان ربي الأعلى} ".
وفي السنن عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم " {إذا قال العبد في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثا فقد تم ركوعه وذلك أدناه وإذا قال في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثا فقد تم سجوده وذلك أدناه} " وقد أخذ بهذا جمهور العلماء. قال البغوي: وقال قوم معناه نزه ربك الأعلى عما يصفه به الملحدون. وجعلوا الاسم صلة. قال: ويحتج بهذا من يجعل الاسم والمسمى واحدا؛ لأن أحدا لا يقول سبحان اسم الله وسبحان اسم ربنا إنما يقولون: سبحان الله وسبحان ربنا. وكان معنى: {سبح اسم ربك} سبح ربك.
قلت: قد تقدم الكلام على هذا والذي: يقول سبحان الله وسبحان ربنا إنما نطق بالاسم الذي هو الله والذي هو ربنا: فتسبيحه إنما وقع على الاسم لكن مراده هو المسمى فهذا يبين أنه ينطق باسم المسمى والمراد المسمى.
وهذا لا ريب فيه لكن هذا لا يدل على أن لفظ اسم الذي هو " ألف سين ميم " المراد به المسمى.
لكن يدل على أن " أسماء الله " مثل الله وربنا وربي الأعلى ونحو ذلك يراد بها المسمى مع أنها هي في نفسها ليست هي المسمى لكن يراد بها المسمى فأما اسم هذه الأسماء " ألف سين ميم " فلا هو المسمى الذي هو الذات ولا يراد به المسمى الذي هو الذات؛ ولكن يراد به مسماه الذي هو الأسماء كأسماء الله الحسنى في قوله: {ولله الأسماء الحسنى} فلها هذه الأسماء الحسنى التي جعلها هؤلاء هي التسميات وجعلوا التعبير عنها بالأسماء توسعا؛ فخالفوا إجماع الأمم كلهم من العرب وغيرهم وخالفوا صريح المعقول وصحيح المنقول. والذين شاركوهم في هذا الأصل وقالوا:
الأسماء ثلاثة " قد تكون هي المسمى وقد تكون غيره وقد تكون لا هي هو ولا غيره وجعلوا الخالق والرازق ونحوهما غير المسمى وجعلوا العليم والحكيم ونحوهما للمسمى: غلطوا من وجه آخر فإنه إذا سلم لهم أن المراد بالاسم الذي هو " ألف سين ميم " هو مسمى الأسماء؛ فاسمه الخالق هو الرب الخالق نفسه ليس هو المخلوقات المنفصلة عنه واسمه العليم هو الرب العليم الذي العلم صفة له فليس العلم هو المسمى؛ بل المسمى هو العليم؛ فكان الواجب أن يقال على أصلهم:
الاسم هنا هو المسمى وصفته.
وفي الخالق الاسم هو المسمى وفعله؛ ثم قولهم إن الخلق هو المخلوق وليس الخلق فعلا قائما بذاته قول ضعيف مخالف لقول جمهور المسلمين. كما قد بسط في موضعه. فتبين أن هؤلاء الذين قالوا:
" الاسم هو المسمى " إنما يسلم لهم أن أسماء الأشياء إذا ذكرت في الكلام أريد به المسمى وهذا مما لا ينازع فيه أحد من العقلاء؛ لا أن لفظ اسم.
ألف سين ميم يراد به الشخص. وما ذكروه من قول لبيد: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما فمراده ثم النطق بهذا الاسم وذكره وهو التسليم المقصود؛ كأنه قال ثم سلام عليكم ليس مراده أن السلام يحصل عليهما بدون أن ينطق به ويذكر اسمه. فإن نفس السلام قول فإن لم ينطق به ناطق ويذكره لم يحصل. وقد احتج بعضهم بقول سيبويه إن الفعل أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء وبني لما مضى ولما لم يكن بعد وهذا لا حجة فيه؛ لأن سيبويه مقصوده بذكر الاسم والفعل ونحو ذلك الألفاظ. وهذا اصطلاح النحويين سموا الألفاظ بأسماء معانيها؛ فسموا قام ويقوم وقم فعلا؛ والفعل هو نفس الحركة؛ فسموا اللفظ الدال عليها باسمها. وكذلك إذا قالوا: اسم معرب ومبني فمقصودهم اللفظ ليس مقصودهم المسمى وإذا قالوا هذا الاسم فاعل فمرادهم أنه فاعل في اللفظ؛ أي أسند إليه الفعل ولم يرد سيبويه بلفظ الأسماء المسميات كما زعموا؛ ولو أراد ذلك فسدت صناعته.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|