عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 22-09-2021, 12:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,993
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الثانى
الحلقة (42)
صـ7 إلى صـ 23



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

كتاب المقاصد

والمقاصد التي ينظر فيها قسمان :

أحدهما يرجع إلى قصد الشارع .

[ ص: 8 ] والآخر يرجع إلى قصد المكلف .

فالأول يعتبر من جهة قصد الشارع في وضع الشريعة ابتداء ، ومن جهة قصده في وضعها للأفهام ، ومن جهة قصده في وضعها للتكليف بمقتضاها ، ومن جهة قصده في دخول المكلف تحت حكمها; فهذه أربعة أنواع .

ولنقدم قبل الشروع في المطلوب .

[ ص: 9 ] مقدمة كلامية مسلمة في هذا الموضع :

وهي أن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معا ، وهذه دعوى لا بد من إقامة البرهان عليها صحة أو فسادا ، وليس هذا موضع ذلك ، وقد وقع الخلاف فيها في علم الكلام ، وزعم الفخر الرازي : أن [ ص: 10 ] [ ص: 11 ] أحكام الله ليست معللة بعلة ألبتة ، كما أن أفعاله كذلك ، وأن المعتزلة اتفقت على أن أحكامه تعالى معللة برعاية مصالح العباد ، وأنه اختيار أكثر الفقهاء المتأخرين ، ولما اضطر في علم أصول الفقه إلى إثبات العلل للأحكام الشرعية; أثبت ذلك على أن العلل بمعنى العلامات المعرفة للأحكام خاصة ، [ ص: 12 ] ولا حاجة إلى تحقيق الأمر في هذه المسألة .

والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غيره ، فإن الله تعالى يقول في بعثه الرسل وهو الأصل : رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل [ النساء : 165 ] ، وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [ الأنبياء : 107 ] .

وقال في أصل الخلقة : وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ هود : 7 ] ، وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [ الذاريات : 56 ] ، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ الملك : 2 ] .

وأما التعاليل لتفاصيل الأحكام في الكتاب والسنة; فأكثر من أن تحصى كقوله بعد آية الوضوء : ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم [ المائدة : 6 ] .

وقال في الصيام : كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون [ البقرة : 183 ] .

وفي الصلاة : إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر [ العنكبوت : 45 ] .

[ ص: 13 ] وقال في القبلة : فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة [ البقرة : 150 ] .

وفي الجهاد : أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا [ الحج : 39 ] .

وفي القصاص : ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب [ البقرة : 179 ] .

وفي التقرير على التوحيد : ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين [ الأعراف : 172 ] ، والمقصود التنبيه .

وإذا دل الاستقراء على هذا وكان في مثل هذه القضية مفيدا للعلم فنحن نقطع بأن الأمر مستمر في جميع تفاصيل الشريعة ، ومن هذه الجملة ثبت القياس والاجتهاد; فلنجر على مقتضاه - ويبقى البحث في كون ذلك واجبا أو غير واجب موكولا إلى علمه - ; فنقول والله المستعان :
[ ص: 14 ] [ ص: 15 ] القسم الأول

مقاصد الشارع

[ ص: 16 ] [ ص: 17 ] النوع الأول

في بيان قصد الشارع في وضع الشريعة وفيه مسائل :

المسألة الأولى

تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق ، وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تكون ضرورية .

والثاني : أن تكون حاجية .

والثالث : أن تكون تحسينية .

فأما الضرورية; فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا ، [ ص: 18 ] بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وتهارج وفوت حياة ، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم ، والرجوع بالخسران المبين .

والحفظ لها يكون بأمرين :

أحدهما : ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها ، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود .

والثاني : ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها ، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم .

فأصول العبادات راجعة إلى حفظ الدين من جانب الوجود; كالإيمان ، [ ص: 19 ] والنطق بالشهادتين ، والصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، وما أشبه ذلك .

والعادات راجعة إلى حفظ النفس والعقل من جانب الوجود أيضا; كتناول المأكولات والمشروبات والملبوسات والمسكونات ، وما أشبه ذلك .

والمعاملات راجعة إلى حفظ النسل والمال من جانب الوجود ، وإلى حفظ النفس والعقل أيضا ، لكن بواسطة العادات .

والجنايات - ويجمعها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ترجع إلى [ ص: 20 ] حفظ الجميع من جانب العدم .

والعبادات والعادات قد مثلت ، والمعاملات ما كان راجعا إلى مصلحة الإنسان مع غيره; كانتقال الأملاك بعوض أو بغير عوض بالعقد على الرقاب أو المنافع أو الأبضاع ، والجنايات ما كان عائدا على ما تقدم بالإبطال ، فشرع فيها ما يدرأ ذلك الإبطال ، ويتلافى تلك المصالح; كالقصاص ، والديات للنفس ، والحد للعقل ، وتضمين قيم الأموال للنسل ، والقطع والتضمين للمال ، وما أشبه ذلك .

ومجموع الضروريات خمسة ، وهي : حفظ الدين ، والنفس ، والنسل ، والمال ، والعقل ، وقد قالوا : إنها مراعاة في كل ملة .

[ ص: 21 ] وأما الحاجيات; فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب ، فإذا لم تراع دخل على المكلفين - على الجملة - الحرج والمشقة ، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة .

وهي جارية في العبادات ، والعادات ، والمعاملات ، والجنايات :

ففي العبادات كالرخص المخففة بالنسبة إلى لحوق المشقة بالمرض [ ص: 22 ] والسفر ، وفي العادات كإباحة الصيد والتمتع بالطيبات مما هو حلال ، مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا ومركبا ، وما أشبه ذلك .

وفي المعاملات; كالقراض ، والمساقاة ، والسلم ، وإلقاء التوابع في العقد على المتبوعات ، كثمرة الشجر ، ومال العبد .

وفي الجنايات; كالحكم باللوث ، والتدمية ، والقسامة ، وضرب الدية على العاقلة ، وتضمين الصناع ، وما أشبه ذلك .

وأما التحسينات; فمعناها الأخذ بما يليق من محاسن العادات ، وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات ، ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق .

وهي جارية فيما جرت فيه الأوليان :

ففي العبادات; كإزالة النجاسة - وبالجملة الطهارات كلها - ، وستر العورة ، وأخذ الزينة ، والتقرب بنوافل الخيرات من الصدقات والقربات ، وأشباه ذلك .

[ ص: 23 ] وفي العادات; كآداب الأكل والشرب ، ومجانبة المآكل النجسات والمشارب المستخبثات ، والإسراف والإقتار في المتناولات .

وفي المعاملات; كالمنع من بيع النجاسات ، وفضل الماء والكلأ ، وسلب العبد منصب الشهادة والإمامة ، وسلب المرأة منصب الإمامة ، وإنكاح نفسها ، وطلب العتق وتوابعه من الكتابة والتدبير ، وما أشبهها .

وفي الجنايات; كمنع قتل الحر بالعبد ، أو قتل النساء والصبيان والرهبان في الجهاد .

وقليل الأمثلة يدل على ما سواها مما هو في معناها فهذه الأمور راجعة إلى محاسن زائدة على أصل المصالح الضرورية والحاجية ، إذ ليس فقدانها بمخل بأمر ضروري ولا حاجي ، وإنما جرت مجرى التحسين والتزيين .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]