عرض مشاركة واحدة
  #130  
قديم 24-09-2021, 03:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,683
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الجماعة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (126)

صـــــ(1) إلى صــ(16)

[الخوف على النفس من ضرر أو سلطان]
يقول المصنف: [أو على نفسه من ضرر أو سلطان].إذا خاف على نفسه من ضرر فإنه يجوز له -في قول جماهير العلماء- أن يتخلف عن الجماعة، وذلك لأنه إذا تعارض حق الله وحق العبد فحقوق الله مبينة على المسامحة، وحقوق العباد مبنية على المشاحة والمقاصة.
ولذلك أباح الله عز وجل للعبد أن يأكل من الميتة في حال خوفه على نفسه، فسقط التكليف بالحرمة، فإذا خاف على نفسه سقط التكليف بوجوب شهادة الجماعة، وجاز له أن يتخلف.والأمثلة التي ذكرها إنما هي أمثلة أنواع، وليست أمثلة تقييد، فإذا خاف على نفسه الضرر من أي جهة كانت فإنه يشرع له ويجوز له أن يتخلف دفعاً لهذا الضرر، فإن الشرع دفع الضرر عن المكلف كما في الصوم، وكما في المخمصة.
ولذلك قالوا: إن الشرع قصد المحافظة على الأنفس فيخفَّف في شهود الجمعة والجماعة، فيصليها في بيته إذا خاف الضرر، ولا حرج عليه في هذه الأحوال.
قالوا:
وأصول الشريعة تدل على هذا؛
لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، وهذا ليس في وسعه أن يعرض نفسه للهلاك والتلف.
وكذلك أيضاً يقول تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، فلو أُلزِم بشهودها كان ضررا يخالف القصد الذي بُنيت الرسالة عليه من الرحمة بالناس،
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(إن خير دين الله أيسره)،
وقال:
(إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين).فلو أوجبنا عليه شهود الجماعة مع وجود هذه الأضرار كان هذا مخالفة للأصول التي دلت عليها هذه النصوص من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فاستنبط الجماهير رحمة الله عليهم من هذا الحكم بجواز التخلف عن شهود الجماعة في مثل هذه الأحوال.
[ملازمة غريم]
قال رحمه الله تعالى:
[أو ملازمة غريم ولا شيء معه] ملازمة الغريم تكون على حالتين: الأولى: أن يكون الإنسان معذوراً بالتخلف عن سداد الدين.
الثانية: أن يكون غير معذور.فإن كان معذوراً لا يجد السداد والغريم يسيء إليه، فيؤذيه بالكلام، أو يتسبب في التضييق عليه، أو الاستعداء عليه، بحيث يكون سبباً في لحوق ضرر به، أو يخاصمه أمام الناس،
فيقول له:
يا ظالم.يا مماطل.أو يؤذيه بدون حق فيجوز له أن يتخلف في هذه الأحوال.والسبب في ذلك -كما يقول العلماء رحمة الله عليهم- أنه لو خرج لحقت به المشقة والحرج،
والله يقول:
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، فإن الإنسان إذا أوذي أمام الناس وانتقصت كرامته، وأوذي بسبه وشتمه قد يكون الأذى والضرر عليه أكبر مما لو أُوذِي بجرحه والضرر في جسده.
ولذلك قالوا: جرح اللسان أعظم من جرح السنان.فالمقصود أن الإنسان إذا خاف من أذية صاحب الدين وكان مظلوماً بهذه الأذية وليس عنده سداد شرع له التخلف.أما لو كان عنده سداد ويستطيع أن يدفع فإنه ظالم؛
لقوله عليه الصلاة والسلام:
(مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته) فإذا امتنع عن السداد وهو قادر عليه، وعنده ما يتمكن به من سداد الحقوق التي عليه فإنه لا يشرع له أن يتخلف عن الجماعة، بل يجب عليه أن يخرج، وإذا أُوذِي فإنه يستحق الأذية بإذن الشرع بذلك.
[فوات الرفقة]
قال رحمه الله تعالى:
[أو فوات رفقة] إذا كان في سفر وكان فوات الرفقة قد يعرضه للهلاك فقد قالوا: يشرع له أن يترك الجماعة.أما لو كانت هناك رفقة بديلة عن هذه الرفقة، أو يستطيع أن يمشي وحده ولا حرج عليه فإنه حينئذٍ يتخلف ويصلي، فإن أدركهم فبها، وإلا أقام حق الله عز وجل عليه بشهود الجماعة.
[غلبة نعاس]
قال رحمه الله تعالى:
[أو غلبة نعاس] مثال هذا: لو أن إنساناً اشتغل من الصباح الباكر، فجاء قبل صلاة الظهر وإذا به في شدة الإعياء والإرهاق، ثم إنه غلب على ظنه أنه لو نزل إلى المسجد فإنه سينتظر بقدر ربع ساعة إلى ثلث ساعة وهو في غاية الإرهاق، وغلب على ظنه أنه لو نزل لا يعي الصلاة من شدة ما يجد من العناء والتعب، أو قد لا يستطيع ذلك إلا بعناءٍ شديد ومشقة، فحينئذٍ يصلي في موضعه، ولا حرج عليه في التخلف عن الجماعة.
[الأذى بمطر أو وحل]
قال رحمه الله تعالى: [أو أذى بمطر أو وحل] وذلك لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر من هديه عليه الصلاة والسلام أنه إذا نزل المطر وحضرت الصلاة كان ينادي المنادي: (الصلاة في الرحال الصلاة في الرحال).
وهذا بعد قوله: حي على الصلاة.وهذا من سماحة الشرع ويسره، وذلك أن الخروج في المرض أو في المطر لا يخلو من وجود الضرر والأذية،
ولذلك يقولون:
إذن الشرع بالتخلف عن الجماعة في حال المطر يدل على اعتبار الأضرار مرخِّصة في ترك الجماعة.فكون الشرع مع وجود المطر يأذن في ترك الجماعة ينبِّه على أنه لو وُجِد الضرر الذي ذكرناه من خوف النفس والخوف على الأموال ونحوها يُشرع له التخلف؛ فإنها في مقام ضرورة، أو مقام حاجة قد تكون أشد من أذية المطر وما يكون فيه من مشقة.
وبعض العلماء يقول: يسير المطر وكثيره سواء، وهذه سنة ضائعة اليوم إلا ممن رحم الله، وينبغي للمؤذنين أن يحيوها، وأن يُنبه على المؤذنين بإحيائها، فإن الأذان يؤذن -سواءٌ هناك مطر أم لم يكن هناك مطر- وقل أن تسمع هذه السنة،
بحيث يقال:
الصلاة في الرحال.فينبغي إحياء هذه السنة والتنبيه عليها،
وأنه إذا وجد المطر يقول المؤذن: (الصلاة في الرحال الصلاة في الرحال) لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان من هديه ذلك، وقد فعل ذلك ابن عمر رضي الله عنهما وأرضاهما، ورفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.ولذلك لا يقتصر على الأذان وحده، وإنما يدخل هذه العبارة؛ لأنها من ألفاظ الأذان المشروعة.والمطر إن كان شديداً فقولاً واحداً أنه يتخلف ويعذر بالتخلف عن الجمعة والجماعة.
وأما إذا كان يسيراً فقال بعض العلماء: إن يسيره لا يوجب الترخيص، وإنما يوجب الترخيص إذا كان فيه ضرر.بمعنى أن يكون شديداً.وإن كان ظاهر النص على أنه يُرخص في المطر مطلقاً، والاحتياط أنه إذا كان يسيراً وأمكن الإنسان أن يشهد معهم الجماعة دون وجود ضرر فإنه يشهدها.
قوله: [أو وحل].هو الذي يكون ناتجاً عن المطر، كالطين الذي يكون في الطريق، فإذا كان طريقه فيه وحل فحينئذٍ لا حرج أن يتخلف عن الجماعة؛ لأن الشرع لما أذن بالصلاة في البيوت مع وجود المطر فإن الوحل أثر من الآثار التي أوجبت الرخصة.
[الريح الشديدة البرودة في الليلة المظلمة]
قال رحمه الله تعالى:
[أو بريح باردة شديدة في ليلة مظلمة].الريح فيها حرج ومشقة، وخروج الناس مع وجود الريح في شدة البرد يُضر بهم، وقد يتسبب في حصول الضرر بالإنسان،
ولذلك قالوا: يشرع له أن يتخلف عن الجماعة إذا كانت الريح باردة، والريح الساخنة التي تسمى بالسموم يمكن الصبر عليها، ويمكن اتقاؤها وإذهاب حرها بما يكون من الملابس ونحوها.والريح الباردة أقوى في الإضرار بالجسد من الحارة، ولذلك رخِّص في الباردة دون الحارة،
فالأمر الأول: أن تكون الريح باردة.
الأمر الثاني: أن تكون شديدة، فإذا كانت يسيرة وجب عليه أن يشهد الجماعة؛ لأنه الأصل.الثالث أن تكون في ليلة مظلمة، والسبب في ذلك أن الضرر بها يكون أبلغ ما يكون إذا كان بهذه الصفة، أما لو كانت الريح باردة وشديدة، ويمكنه أن يخرج ويرى فحينئذٍ يخرج، فقوله: [مظلمة] إشارة إلى أنه لا يرى الطريق، فلما كان الشرع يأذن بالتخلف عن الجماعة مع وجود المطر الذي يعيق السير كان تنبيهاً إلى الريح الشديدة الباردة وما في حكمها.
قالوا:
فحينئذٍ يتخلف، لكن بشرط أن يكون متأذياً، أو متضرراً ببرودة هذه الريح وشدتها وكونه في ليلة ظلماء، أما لو اتقى الريح بركوب سيارة، أو كان عليه ما يحفظه من الأذى والضرر فإنه يشهد الجماعة، ولا يتخلف عنها؛ لأن العلة في مثله ليست بمتحققة، فيشهد الجماعة ويصلي مع الناس.
وهذا كله من سماحة الشرع وتيسير الله عز وجل على عباده، والعلماء ذكروا هذه الصور، وهي إما منصوص عليها كمدافعة الأخبثين والصلاة بحضرة الطعام ونحوها من الأعذار التي نص عليها.وإما أن تكون في حكم المنصوصة، كالخوف على النفس، وما يوجب الحرج على الإنسان، سواء أكان ذلك في نفسه أم في ماله، فإنه يجوز له أن يتخلف للمعنى الذي استنبط من النصوص.فعندنا أعذار نصية وأعذار اجتهادية، فالأعذار النصية مثلما ذكرناه، والأعذار الاجتهادية آخذة حكم الأعذار المنصوصة؛ لأن الشرع ينبه بالشيء على مثله،
كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخاطب أبا موسى:
(اعرف الأشباه والنظائر).
فإنه قد ينبه الشرع على شيء لكي يكون أصلاً لغيره، فلما نبه الشرع على المطر، وكان ذلك موجباً للترخيص في ترك الجمعة والجماعة كان أصلاً في دفع كل ما فيه ضرر لشهود الجماعة.
الأسئلة
[أكل الثوم أو البصل ونحوهما ومدى تأثير ذلك في حضور الجماعة]
qهل يعذر من أكل ثوماً أو بصلاً في ترك الجمعة والجماعة على ظاهر حديث النهي عن أكلهما قبيل الصلاة؟

aباسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فمن أكل الثوم والبصل فإنه لا يشهد الصلاة في المسجد؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا -أو ليعتزل مسجدنا- وليقعد في بيته، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)، وحينئذٍ يصلي في بيته، ولكن هناك فرق بين من أكل الثوم والبصل من غير عذر ومن كان معذوراً، فإن المعذور يكتب له أجره كاملاً، وأما من أكل الثوم والبصل من غير عذر فقد فاته الأجر.ومن أمثلة المعذور: من أكله للتداوي، بمعنى أن الطبيب أمره بأكل الثوم والبصل للدواء فأكله، أو أكل دواءً له رائحة نتنة ومضرة، فإنه حينئذٍ يكون في حكم المريض، ويُكتب عمله كاملاً ولا ينقص أجره، والله تعالى أعلم.
[قياس مدافعة الريح بمدافعة الأخبثين]
qهل تنزل مدافعة الريح منزلة من يدافع الأخبثين وتأخذ نفس الحكم؟

aمدافعة الريح قال بعض العلماء بالرخصة فيها، ونص بعض العلماء على أن من يدافع الريح فإنه آخذ حكم من يدافع الأخبثين ولكن في الريح فرق بينه وبين البول والغائط، ولذلك يجعلون ضرر البول والغائط أعظم من الريح، فيخففون في البول والغائط ولا يخففون في الريح.وهنا مسألة ذكرها بعض العلماء، فلو أن إنساناً فيه بعض الأمراض، وإذا وقف استطلقت بطنه، أو كان معه الريح، وإذا صلى جالساً فإنه لا يحصل معه شيء من ذلك، فهل نقول له: صل جالساً حتى لا ينتقض وضوءك، أو نقول له: صل قائماً ولو انتقض وضوءك؟ وهذا إذا كان معه المرض باستمرار، أو يكون المرض لا يستطيع معه أن يحافظ على طهارته، فالصحيح أنه يصلي قائماً ولو استطلقت بطنه بالريح، وهذا يتفرع على مسألة اعتنى العلماء رحمهم الله بها وهي مسألة الازدحام.والازدحام يكون على صور: منها:
ازدحام الفروض مع الفروض، وازدحام الشروط مع الشروط، وازدحام الواجبات مع الواجبات، وازدحام الفروض مع الشروط، وازدحام الشروط مع الواجبات، وازدحام الفروض مع الواجبات، فهذه من مسائلها التي تكلم عليها الأصوليون.فمن مسائل الازدحام ازدحام الركن -وهو هنا القيام والركوع- مع شرط الصحة وهو الطهارة، فلو قلنا له:
صل قاعداً حتى لا ينتقض وضوؤك، فإننا قدمنا شرط الصحة على الأركان فأسقطنا الأركان واعتبرنا الشرط، والركن أقوى من الشرط.وحينئذٍ يُقدَّم الركن على الشرط، فالصحيح أنه يصلي قائماً ولو استطلق بطنه ولا حرج عليه في ذلك، والله تعالى أعلم.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.30 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.80%)]