عرض مشاركة واحدة
  #132  
قديم 08-10-2021, 09:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,091
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

ويحتمل أن تكون الإشارة في قوله: "ذلك" تعود إلى مرجع الإشارة الأولى، وهو ما جُوزُوا به من ضرب الذلة عليهم والمسكنة، ورجوعهم بغضب من الله، فيكون عصيانهم واعتداؤهم علة أخرى لمجازاتهم بما ذكر، وتأكيدًا لعظم جرمهم، ولاستحقاقهم ذلك العقاب.

الفوائد والأحكام:
1- إثبات القول والكلام لله عز وجل بحرفٍ وصوت، كما يليق بجلاله وعظمته؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ ﴾ الآية [البقرة: 58].

2- تذكير بني إسرائيل بأمر الله لهم بدخول بيت المقدس وإباحة الأكل منها من حيث شاؤوا، وأمرهم بدخول الباب سجدًا، وطلب حطِّ ذنوبهم، ووعده تعالى لهم بمغفرة خطاياهم، وزيادة المحسنين منهم من فضله؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 58].

3- أن مِن شكر نعمة الله تعالى لمن نصره الله وفتح له البلاد أن يدخُلَها على وجه الخضوع والتذلل والتواضع لله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ﴾ [البقرة: 58].

4- الحث على الدعاء بطلب حط الذنوب ومغفرتها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَقُولُوا حِطَّةٌ ﴾ [البقرة: 58].

5- وعد الله عز وجل الذي لا يتخلف بمغفرة الخطايا والذنوب لمن جاهد في سبيله وخضع له، ودعاه؛ لقوله تعالى: ﴿ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ﴾ [البقرة: 58].

6- كرمُ الله عز وجل وجوده بوعده بزيادة المحسنين من فضله؛ لقوله تعالى: ﴿ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 58].

7- شدة عناد بني إسرائيل ولؤمهم؛ حيث بدَّلوا ما أمرهم الله بقوله وفعله، فبدَلَ أن يدخلوا الباب سجدًا، ويقولوا: حطة، دخلوا يزحفون على أدبارهم استهزاء، ويقولون: حبة من شعرة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ ﴾ [البقرة: 59].

8- تحريم تبديل قول الله عز وجل، وأن ذلك من أشد الظلم والفسق؛ لقوله تعالى: ﴿ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [البقرة: 59]، وقوله تعالى: ﴿ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [البقرة: 59].

9- إثبات علو الله على خلقه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَأَنْزَلْنَا ﴾، والإنزال يكون من أعلى إلى أسفل.

10- في الإظهار مقام الإضمار في قوله: ﴿ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ تأكيدُ الحكم بالظلم على هؤلاء المبدلين، وأنه سبب عقوبتهم، وليشمل هذا الحكم كلَّ من يبدل، فهو ظالم مستحق للعقوبة.

11- أن من بدل قول الله تعالى فهو ظالم فاسق؛ لأن الله وصفهم بالظلم والفسق، وحكم عليهم بذلك.

12- إظهار عدل الله بربط العقوبة بسببها، والتحذير من الظلم والفسق، وأنهما سبب لعقاب الله وعذابه.

13- أن الاستسقاء عند الحاجة للمطر سنة من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ ﴾ [البقرة: 60]، وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

14- حاجة الخلق وافتقارهم إلى الله عز وجل بما في ذلك الرسل وغيرهم، وأنه لا ملجأ لهم في الشدائد إلا إلى الله.

15- شفقة موسى عليه السلام ورأفته بقومه، حيث طلب لهم السقيا خوفًا عليهم من الهلاك.

16- إثبات السمع والكلام لله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ فَقُلْنَا ﴾ [البقرة: 60]، والفاء للسببية، فسمع عز وجل استسقاء موسى ودعاءه، وقال له: ﴿ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ ﴾ [البقرة: 60].

17- كرم الله عز وجل وجوده العظيم وعنايته بنبيِّه موسى عليه السلام حيث أجاب دعاءه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ ﴾ [البقرة: 60]، وفي هذا دلالة على فضل موسى عليه السلام ومنزلته عند ربه.

18- قدرة الله تعالى التامة؛ حيث فجَّر هذه العيونَ من الحجَر؛ لقوله تعالى: ﴿ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ﴾ [البقرة: 60].

19- الآية العظيمة في عصا موسى عليه السلام؛ حيث ضرب بها بأمر الله الحجر فانفجرت منه العيون، وضرب بها البحر فانفلق، ويلقيها فتلقف إفكَ السحَرة، ويلقيها فتكون حيَّة، ثم يأخذها فتعود سيرتها الأولى.

20- إثبات الأسباب وربط المسببات بأسبابها؛ لقوله تعالى: ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ ﴾ [البقرة: 60]، فالله قادر على تفجير هذه العيون دون ضرب موسى الحجر بعصاه.

21- أن السقيا قد تكون بالمطر النازل من السماء، وقد تكون بالماء النابع من الأرض؛ كهذه العيون، ونبع زمزم وغير ذلك.

22- حكمة الله تعالى وتمام نعمته على بني إسرائيل في جعل هذه العيون اثنتي عشرة عينًا؛ ليعرف كلُّ سبط منهم مشربه ولا يتزاحمون ويؤذي بعضهم بعضًا، وربما عادى بعضهم بعضًا؛ لقوله تعالى: ﴿ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ﴾ [البقرة: 60].

23- امتنان الله عز وجل على بني إسرائيل وتذكيرهم بما أنعم الله به عليهم، من مأكل ومشرب؛ ليشكروه؛ لقوله تعالى: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 60]، والأمر للإباحة.

24- تحريم الإفساد في الأرض؛ لأن الله تعالى نهى عنه، فقال تعالى: ﴿ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [البقرة: 60].

25- أن المطلوب والمشروع الإصلاح في الأرض.

26- كفران بني إسرائيل لما مَنَّ الله عليهم به من المأكل والمشرب والرزق ومَلَلُهم من ذلك؛ لقولهم: ﴿ لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ ﴾ الآية [البقرة: 61].

27- سوء أدب بني إسرائيل وجفاؤهم؛ لقولهم: ﴿ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ ﴾ [البقرة: 61]، فكأنهم يَسْخرون بموسى وربه، وكأن رب موسى ليس ربًّا لهم، والعياذ بالله.

28- أن من كفر نعم الله تعالى ففيه شبهٌ من اليهود.

29- إثبات ربوبية الله عز وجل الخاصة لموسى عليه السلام وتشريفه بإضافة اسم الرب إلى ضميره؛ لقوله تعالى: ﴿ رَبَّكَ ﴾.

30- أن المُخرج للنبات والجالب للأرزاق هو الله جل وعلا؛ لقوله تعالى: ﴿ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ ﴾ الآية [البقرة: 61].

31- اختيار بني إسرائيل الأدنى من الطعام على الأعلى، وإنكار موسى ذلك عليهم؛ لقوله تعالى: ﴿ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ﴾ [البقرة: 61].

32- لا بأس في اختيار الأطيب والأفضل من المأكل والمشرب والمسكن والمركب ونحو ذلك، ما لم يصل الأمر إلى حد الإسراف؛ لقوله تعالى: ﴿ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ﴾.

33- حِلُّ البقول والقثاء والفوم والعدس والبصل؛ لقوله تعالى: ﴿ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ﴾ [البقرة: 61]، إلى قوله تعالى: ﴿ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ ﴾ [البقرة: 61].

34- جواز إسناد الشيء إلى مكانه أو سببه؛ لقوله تعالى: ﴿ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ ﴾، والمنبِت حقًّا هو الله عز وجل.

35- التقليل من شأن مطلب بني إسرائيل في قولهم: ﴿ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا ﴾ الآية [البقرة: 61]، وتوبيخهم؛ لأن ما سألوه لا يحتاج إلى دعاء؛ لكثرته في الأمصار ودناءته؛ لقوله تعالى: ﴿ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ ﴾.

36- ضرب الذلة والهوان والصغار على بني إسرائيل، ولزوم ذلك لهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ﴾ [البقرة: 61]، وكما قال تعالى: ﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 112]؛ أي: بحبل من الله وهو الإسلام الذي به العزة لمن اعتنقه، ﴿ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ﴾ بعهد أو أمان من المسلمين لهم، أو مناصرة ومظاهرة غيرهم من أهل الكفر لهم، كما هو الحال في مناصرة نصارى العالم لهم اليوم.

وهم مع ذلك ومع ما يملكون من أنواع الأسلحة النووية وغيرها - أذلاء جبناء، ويعيشون حياة الذل والخوف والقلق، مصداق قوله عز وجل: ﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ﴾، هذه حالهم وصفتهم اللازمة لهم.

ولا تسأل لماذا لم ينتصر المسلمون عليهم؟ فالجواب يعرفه كل مسلم، وهو ضعف المسلمين وبعدهم عن دينهم، واختلافهم وتناحرهم فيما بينهم وتفرُّقُ كلمتهم، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46].

وكما قال الموصي لأبنائه عند وفاته:
كونوا جميعًا يا بنيَّ إذا اعترى
خطبٌ ولا تتفرَّقوا آحادَا
تأبى الرماحُ إذا اجتمعنَ تكسُّرًا
وإذا افترقنَ تكسَّرتْ آحادَا[5]




37- ضرب المسكنة والفقر على بني إسرائيل، بل أشد ذلك وأعظمه هو فقر القلوب، حتى صاروا أفقر الخلق قلوبًا، وأشدهم بخلًا وشحًّا، وحرصا وطمعًا، حتى ولو ملكوا الأموال الكثيرة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالْمَسْكَنَةُ ﴾ [البقرة: 61].

38- غضب الله تعالى على بني إسرائيل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 61]، وفي هذا إثبات صفة الغضب لله عز وجل، كما يليق بجلاله، وإثبات ضده وهو الرضا عمن هم أهل لذلك، وهم المؤمنون.

39- أن ما حصل لبني إسرائيل من ضرب الذلة والمسكنة عليهم ورجوعهم بغضب الله إنما هو بسبب كفرهم بآيات الله، وقتلِهم النبيِّين وعصيانهم واعتدائهم؛ لقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 61].

40- إثبات الحكمة لله تعالى، وربط العقوبات بموجباتها، وبيان عدل الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ﴾، وقوله: ﴿ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا ﴾ [البقرة: 61].

41- التحذير من الكفر بآيات الله، ومن العصيان والاعتداء.

42- أن قتل النبيين لا يكون إلا بغير حق؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ [البقرة: 61]، فقوله: ﴿ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ لبيان الواقع.

43- أن المعاصيَ يجرُّ بعضها بعضًا؛ لقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾.


[1] البيت ينسب ليحيى بن علي باشا الأحسائي. انظر: "خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر" (4/475-476).

[2] في "تفسيره" (1/ 146).

[3] البيت لطرفة بن العبد. انظر: "ديوانه" ص46.

[4] في "تفسيره" (1/ 146).

[5] انظر: "موسوعة الشعر الإسلامي" 1 /162، والبيتان ينسبان لمعن بن زائدة، وقيل: للمهلب بن أبي صفرة.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.93 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.20%)]