شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [029]
الحلقة (60)
شرح حديث: (صلى رسول الله يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد...)
[حدثنا مسدد أخبرنا يحيى عن سفيان حدثني علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال له عمر : إني رأيتك صنعت اليوم شيئاً لم تكن تصنعه. قال: عمداً صنعته) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه، فقال له عمر : رأيناك صنعت شيئاً اليوم لم تكن تصنعه. قال: عمداً صنعته)، وهذا يتفق مع الحديث السابق: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة وكنا نصلي الصلوات بوضوء واحد)، هذا الحديث يدل على أنه فعله صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز؛ لأن الذي كان يداوم عليه والذي كان يحصل منه كثيراً هو أنه كان يتوضأ لكل صلاة، يعني: أن الإنسان له أن يتوضأ وضوءاً واحداً ويصلي به الصلوات الخمس كلها؛ لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم وتعمده لهذا يدل على الجواز، وإن كان المعروف من عادته ومن فعله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ لكل صلاة؛ ولهذا عمر قال: (رأيتك صنعت شيئاً ما كنت تصنعه)، يعني: أنه صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد، فقال: (عمداً صنعته) يعني: أنه صنعه متعمداً ليبين أن ذلك جائز.
تراجم رجال إسناد حديث: (صلى رسول الله يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد...)
[حدثنا مسدد ].
هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
[أخبرنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني علقمة بن مرثد ].
علقمة بن مرثد ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان بن بريدة ].
سليمان بن بريدة الأسلمي وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
أبوه هو بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
حكم تفريق الوضوء
شرح حديث: (... ارجع فأحسن وضوءك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تفريق الوضوء. حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب عن جرير بن حازم أنه سمع قتادة بن دعامة حدثنا أنس بن مالك : (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد توضأ وترك على قدمه مثل موضع الظفر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع فأحسن وضوءك).
قال أبو داود هذا الحديث ليس بمعروف عن جرير بن حازم ولم يروه إلا ابن وهب وحده وقد روي عن معقل بن عبيد الله الجزري عن أبي الزبير عن جابر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال:
(ارجع فأحسن وضوءك)]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي تفريق الوضوء، والمقصود بتفريقه عدم اتصال بعضه ببعض، بأن تكون الأعضاء بعضها يغسل في وقت وبعضها في وقت آخر، ولو كان بعد جفاف بعض الأعضاء، لكن الأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة تدل على عدم تفريق الوضوء، وأنه لا بد فيه من الموالاة ولا بد فيه من الترتيب بين الأعضاء،
فلا يقدم غسل اليدين إلى المرفقين على الوجه، أو غسل الرجلين على الوجه أو على مسح الرأس بل كل عضو يأتي بعد العضو الذي ذكر قبله، كما جاء في القرآن في قوله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]. وأيضاً لابد من الموالاة وذلك بأن يستمر ولا يقطع الوضوء، ولو حصل أنه تبين له أن هناك عضواً من أعضائه لم يصل إلى جزء منه الماء فإن عليه أن يعيد الوضوء وأن يعيد الصلاة إذا كان قد صلى،
وهذا دليل على عدم تفريق الوضوء، وأنه لا بد منه. والحديث أيضاً يدل على أن حكم الرجلين الغسل، وليس المسح؛ لأنه لو كان المسح فكيف ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم على شخص بقي في قدمه لمعة أو مقدار الدرهم ثم يأمره بأن يعيد الوضوء؟! فدل هذا على أن حكم الرجلين الغسل وليس المسح كما تقوله الرافضة. وأورد فيه أبو داود رجمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:
(أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً وقد توضأ وترك على قدمه موضعاً مثل الظفر -يعني: ظفر اليد أو ظفر الرجل- فقال له: ارجع فأحسن وضوءك) يعني: توضأ وضوءاً حسناً تأتي به على الوجه المشروع، بحيث لا تترك أي جزء من أجزاء الأعضاء التي يجب استيعابها ويجب فعلها إلا وقد أتيت به،
فكونه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يرجع وأن يحسن الوضوء دل على أن عمله هذا غير صحيح، وأن عليه أن يعيد الوضوء، وبعض أهل العلم أجاز غير ذلك، ولكن الذي تقتضيه الأحاديث وتدل عليه الأحاديث هو أن الوضوء لا يفرق وأن من وجد منه شيء لم يصل إليه الماء فإن عليه أن يرجع ويتوضأ.
تراجم رجال إسناد حديث: (...ارجع فأحسن وضوءك)
قوله:
[حدثنا هارون بن معروف ].
هارون بن معروف ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود .
[حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه مر ذكره.
[عن جرير بن حازم ].
جرير بن حازم ثقة، لكن حديثه عن قتادة فيه ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنه سمع قتادة ].
هو قتادة بن دعامة السدوسي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أنس بن مالك ].
أنس بن مالك رضي الله عنه مر ذكره.
[قال أبو داود : هذا الحديث ليس بمعروف عن جرير بن حازم ، ولم يروه إلا ابن وهب وحده، وقد روي عن معقل بن عبيد الله الجزري عن أبي الزبير عن جابر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال: (ارجع فأحسن وضوءك) ]. هذا لا يعل الحديث؛ لأنه جاء من طرق متعددة وجاء من وجوه مختلفة، فالحديث ثابت. [عن معقل بن عبيد الله الجزري ]. معقل بن عبيد الله الجزري صدوق يخطئ، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي .
[عن أبي الزبير ].
هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي وهو صدوق يدلس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[عن عمر ].
هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وقد مر ذكره.
طريق أخرى لحديث: (...ارجع فأحسن وضوءك) وتراجم رجال الإسناد
[حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا يونس و حميد عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث قتادة ].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، ولكنه مرسل من مرسلات الحسن يضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث قتادة ، ولكن العمدة على ما تقدم من كونه موصولاً، فكونه جاء مرسلاً لا يؤثر؛ لأن الموصول هو المعول عليه. قوله:
[حدثنا موسى بن إسماعيل ].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة بن دينار البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا يونس ].
هو يونس بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و حميد ].
هو حميد بن أبي حميد الطويل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن ].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري وهو ثقة يدلس ويرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (أن النبي رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حيوة بن شريح حدثنا بقية عن بحير -هو ابن سعد - عن خالد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة)]. أورد أبو داود حديث بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره بإعادة الوضوء والصلاة)، وهذا يبين لنا أنه أمره بالإعادة، وأن الذي تقدم من أمره بأن يحسن الوضوء المقصود به أنه يعيد الوضوء كما وضحته هذه الرواية وهذا الحديث.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي رأى رجلاً وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم...)
قوله:
[حدثنا حيوة بن شريح ].
حيوة بن شريح وهو شامي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .
[حدثنا بقية ].
هو بقية بن الوليد الدمشقي وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن بحير هو ابن سعد ].
بحير بن سعد ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن الأربعة.
[عن خالد ].
هو خالد بن معدان وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم].
الأسئلة
حكم ترتيب الوضوء
السؤال: إذا توضأ الإنسان ورأى عضواً من الأعضاء لم يصبه الماء ماذا يفعل؟
الجواب: إذا كان حديث عهد بالوضوء ولما فرغ وجد أن في إحدى رجليه جزءاً لم يمسه الماء وأجرى عليه الماء حتى أصابه فلا بأس، وأما إذا كان في غير الرجلين فلابد أن كل عضو من الأعضاء يقدم غسله على ما وراءه، فيعيد الوضوء.
حكم لبس الخاتم والساعة من الحديد
السؤال: ما حكم لبس الخاتم أو ساعة اليد التي تصنع من الحديد؟
الجواب: ليس للإنسان أن يتختم بخاتم حديد ولا أن يتحلى بحديد؛ لأنه جاء أنه حلية أهل النار، ولكن لبس الساعة لا بأس به؛ لأن الإنسان لا يتحلى بالساعة ولا يتجمل بالساعة التي تصنع من حديد، والإنسان يضعها في يده حتى يسهل عليه رؤيتها من أجل معرفة الزمان والوقت.
حكم تكرار صلاة الجماعة في المسجد الواحد
السؤال: ما حكم تكرار الجماعة في مسجد واحد؟
الجواب: تكرار الجماعة في مسجد واحد له حالتان: الحالة الأولى: أن تكون الجماعة الثانية جاءت عمداً من أجل مخالفة الجماعة الأولى، بمعنى أن الجماعة الثانية لا تريد أن تصلي وراء الجماعة الأولى، فهذا لا يجوز، بل المسجد تقام فيه جماعة واحدة، لكن من جاء وقد فاتته الصلاة وهم عدد فلهم أن يصلوا جماعة؛ لأن هذا هو الذي أمكنهم. وقد كان في الحرم المكي قبل زمن الملك عبد العزيز رحمة الله عليه أربعة مقامات، كل مقام فيه إمام من المذاهب الأربعة، وكل أصحاب مذهب يصلون على حدة متفرقين حول الكعبة، فلما جاء الملك عبد العزيز رحمة الله عليه وحد الناس على إمام واحد ومنع تكرر الجماعة في المسجد، ولكن الحالة الثانية كما ذكرت هي أن جماعة جاءوا يريدون أن يصلوا ولكن فاتتهم الصلاة ورأوا الناس قد صلوا، فهؤلاء لهم أن يصلوا جماعة ولا بأس بذلك، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء رجل وقد فاتته الصلاة قال لبعض الذين صلوا معه: (من يتصدق على هذا فيصلي معه؟)، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى إيجاد جماعة ثانية ولو عن طريق الصدقة فإذا جاء اثنان أو ثلاثة نقول: صلوا جماعة ولا بأس؛ لأنه إذا جاء واحد وحده فإننا نبحث له عن واحد يصلي معه حتى يصلي جماعة، فإذا جاء اثنان فأكثر فيصلون جماعة من باب أولى، ولا نقول: كل واحد يصلي في بيته؛ لأن الجماعة تقام ولو عن طريق الصدقة.
حكم الرعاف في الصلاة
السؤال: إذا نزل الدم من أنف إنسان أثناء الصلاة فماذا يفعل؟ وهل هو من نواقض الوضوء؟
الجواب: يقطع الصلاة ويذهب ولا يترك الدم يسيل على نفسه وعلى ثيابه؛ لأن الدم اختلف في نجاسته، والمشهور عن أكثر أهل العلم بل قد حكى بعضهم الإجماع على أنه نجس، فخروج الدم من الإنسان لكونه يرعف يجوز له أن يقطع الصلاة ويذهب، لكن إذا كان حصل له مثل ما يحصل في القتال فيصلي على حسب حاله لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] حتى الإنسان الذي فيه سلسل البول يصلي والبول موجود معه.
كيفية العمرة بالنسبة للحائض
السؤال: إذا جاء المرأةَ الحيضُ قبل العمرة بيوم وستذهب إلى العمرة وإجازتها أسبوع فقط، وممكن ألا تطهر في هذه المدة، فماذا تفعل؟ الجواب: إذا كانت تعلم من نفسها أنها لن تطهر في هذه المدة فلا تحرم بالعمرة، وإذا كانت ستبقى حتى تطهر فتحرم للعمرة وتجلس في مكة ولا تدخل المسجد حتى تطهر وتغتسل، ثم تدخل وتطوف وتسعى. والله تعالى أعلم."