| 
 
15-10-2021, 12:12 AM
 | 
| 
|  | قلم ذهبي مميز |  | 
تاريخ التسجيل: Feb 2019 مكان الإقامة: مصر الجنس :   
المشاركات: 164,765
 
الدولة :        |  | 
| 
 رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله 
  الموافقات
 أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
 الجزء الثانى
 الحلقة (56)
 صـ191 إلى صـ 203
 
 فصل
 
 وإذا ثبت هذا; فيصح أيضا أن  يتعلق الحب والبغض بالأفعال;  كقوله تعالى :  لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم     [ النساء : 148 ] .
 
 ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم     [ التوبة : 46 ] .
 
 أبغض الحلال إلى الله الطلاق     .
 
 ليس أحد أحب إليه المدح من الله ، من أجل ذلك مدح نفسه     .
 
 [ ص: 191 ] وهذا كثير .
 
 وإذا قلت : أحب الشجاع وأكره الجبان; فهذا حب وكراهة يتعلقان بذات موصوفة لأجل ذلك الوصف; نحو قوله تعالى :  والله يحب المحسنين     [ آل عمران : 134 ] .
 
 والله يحب الصابرين     [ آل عمران : 146 ] .
 
 إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين     [ البقرة : 222 ] .
 
 وفي القرآن أيضا :  إن الله لا يحب كل مختال فخور     [ لقمان : 18 ] .
 
 والله لا يحب الظالمين     [ آل عمران : 57 ] .
 
 وفي الحديث :  إن الله يبغض الحبر السمين     .
 
 [ ص: 192 ]  [ ص: 193 ] فإذا; الحب والبغض مطلق في الذوات والصفات والأفعال ; فتعلقهما بها تعلق بالماهية من حيث إنها ذات أو صفة أو فعل .
 
 وأما النظر الثاني وهو أن يقال : هل يصح أن يتعلق بتلك الأوصاف - وهي غير   المقدورة للإنسان إذا اتصف بها - الثواب والعقاب أم لا يصح ؟
 
 هذا يتصور في ثلاثة أوجه :
 
 أحدها : أن لا يتعلق بها ثواب ولا عقاب .
 
 والثاني : أن يتعلقا معا بها .
 
 والثالث : أن يتعلق بها أحدهما دون الآخر .
 
 أما هذا الأخير; فيؤخذ النظر فيه من النظر في الوجهين لأنه مركب منهما .
 
 فأما الأول; فيستدل عليه بوجهين :
 
 أحدهما : أن الأوصاف المطبوع عليها وما أشبهها لا يكلف بإزالتها ولا   بجلبها شرعا; لأنه تكليف بما لا يطاق ، وما لا يكلف به لا يثاب عليه ولا   يعاقب ، لأن الثواب والعقاب تابع للتكليف شرعا; فالأوصاف المشار إليها لا        [ ص: 194 ] ثواب عليها ولا عقاب .
 
 والثاني : أن الثواب والعقاب على تلك الأوصاف; إما أن يكون من جهة ذواتها   من حيث هي صفات أو من جهة متعلقاتها ، فإن كان الأول لزم في كل صفة منها  أن  تكون مثابا عليها ، كانت صفة محبوبة أو مكروهة شرعا ، ومعاقبا عليها  أيضا  كذلك ، لأن ما وجب للشيء وجب لمثله ، وعند ذلك يجتمع الضدان على  الصفة  الواحدة من جهة واحدة ، وذلك محال ، وإن كان من حيث متعلقاتها ،  فالثواب  والعقاب على المتعلقات - وهي الأفعال والتروك - لا عليها ، فثبت  أنها في  أنفسها لا يثاب عليها ولا يعاقب ، وهو المطلوب .
 
 وأما الثاني; فيستدل عليه أيضا بأمرين :
 
 أحدهما : أن الأوصاف المذكورة قد ثبت تعلق الحب والبغض بها ، والحب والبغض   من الله تعالى; إما أن يراد بهما نفس الإنعام أو الانتقام; فيرجعان إلى   صفات الأفعال على رأي من قال بذلك ، وإما أن يراد بهما إرادة الإنعام   والانتقام; فيرجعان إلى صفات الذات لأن نفس الحب والبغض المفهومين في كلام   العرب حقيقة محالان على الله تعالى ، وهذا رأي طائفة      [ ص:  195 ] أخرى  ، وعلى كلا الوجهين ، فالحب والبغض راجعان إلى نفس الإنعام أو  الانتقام ،  وهما عين الثواب والعقاب; فالأوصاف المذكورة إذا يتعلق بها  الثواب والعقاب .
 
 والثاني : أنا لو فرضنا أن الحب والبغض لا يرجعان إلى الثواب والعقاب   فتعلقهما بالصفات; إما أن يستلزم الثواب والعقاب ، أو لا ، فإن استلزم فهو   المطلوب ، وإن لم يستلزم ، فتعلق الحب والبغض إما للذات ، وهو محال ، وإما   لأمر راجع إلى الله تعالى ، وهو محال ، لأن الله غني عن العالمين ، تعالى   أن يفتقر لغيره أو يتكمل بشيء ، بل هو الغني على الإطلاق ، وذو الكمال  بكل  اعتبار ، وإما للعبد وهو الجزاء; لا زائد يرجع للعبد إلا ذلك .
 
 [ ص: 196 ]  [ ص: 197 ]  [ ص: 198 ]  [ ص: 199 ]  [ ص:  200 ] وأمر  ثالث : وهو أنه لو سلم أنها محبوبة أو مكروهة من جهة  متعلقاتها وهو  الأفعال فلا يخلو أن يكون الجزاء على تلك الأفعال مع الصفات  مثل الجزاء  عليها بدون تلك الصفات ، أو لا ، فإن كان الجزاء متفاوتا; فقد  صار للصفات  قسط من الجزاء ، وهو المطلوب ، وإن كان متساويا; لزم أن يكون  فعل أشج عبد  القيس حين صاحبه الحلم والأناة مساويا لفعل من لم يتصف بهما  وإن استويا في  الفعل ، وذلك غير صحيح ، لما يلزم عليه من أن يكون المحبوب  عند الله مساويا  لما ليس بمحبوب ، واستقراء الشريعة يدل على خلاف ذلك .
 
 وأيضا يلزم أن يكون ما هو محبوب ليس بمحبوب ، وبالعكس ، وهو محال; فثبت أن   للوصف حظا من الثواب أو العقاب ، وإذا ثبت أن له حظا ما من الجزاء ثبت   مطلق الجزاء; فالأوصاف المطبوع عليها وما أشبهها مجازى عليها ، وذلك ما   أردنا .
 
 [ ص: 201 ] وما تقدم ذكره من الأدلة على أنه لا يثاب عليها مشكل .
 
 أما الأول; فإن الثواب والعقاب مع التكليف لا يتلازمان ، فقد يكون الثواب   والعقاب على غير المقدور للمكلف ، وقد يكون التكليف ولا ثواب ولا عقاب;   فالأول مثل المصائب النازلة بالإنسان اضطرارا ، علم بها أو لم يعلم ،   والثاني; كشارب الخمر ،  ومن أتى عرافا;  فإنه جاء أن الصلاة لا تقبل منه أربعين يوما ، ولا أعلم أحدا من أهل السنة يقول بعدم إجزاء صلاته إذا استكملت      [ ص: 202 ] أركانها وشروطها ، ولا خلاف أيضا في وجوب الصلاة على كل مسلم ، عدلا كان أو فاسقا ، وإذا لم يتلازما لا يصح هذا الدليل .
 
 وأما الثاني; فقد اعترضه الدليل الثالث الدال على الجزاء ، فقوله : إن   الجزاء وقع على العمل أو الترك إن أراد به مجردا كما يقع دون الوصف; فقد   ثبت بطلانه ، وإن أراد به مع اقتران الوصف فقد صار للوصف أثر في الثواب   والعقاب ، وذلك دليل دال على صحة الجزاء عليه لا على نفيه .
 
 ولصاحب المذهب الأول أن يعترض على الثاني في أدلته :
 
 أما الأول ، فإنه إذا صار معنى الحب والبغض إلى الثواب والعقاب امتنع أن   يتعلقا بما هو غير مقدور ، وهو الصفات والذوات المخلوق عليها .
 
 وأما الثاني; فإن القسمة غير منحصرة; إذ من الجائز أن يتعلقا لأمر راجع   للعبد غير الثواب أو العقاب ، وذلك كونه اتصف بما هو حسن أو قبيح في مجاري   العادات .
 
 وأما الثالث; فإن الأفعال لما كانت ناشئة عن الصفات; فوقوعها على حسبها في   الكمال أو النقصان ، فنحن نستدل بكمال الصنعة على كمال      [ ص:   203 ] الصانع وبالضد; فكذلك هاهنا وعند ذلك يختص الثواب بالأفعال ، ويكون   التفاوت راجعا إلى تفاوتها لا إلى الصفات ، وهو المطلوب .
 
 فالحاصل أن النظر يتجاذبه الطرفان ، ويحتمل تحقيقه بسطا أوسع من هذا ، ولا حاجة إليه في هذا الموضع ، وبالله التوفيق .
 
  
__________________  سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك  فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى. 
 |