عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 16-10-2021, 01:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,685
الدولة : Egypt
افتراضي عقبات على طريق الدعوة

عقبات على طريق الدعوة

الشيخ وحيد عبدالسلام بالي

فضل الدعوة:
إن الدعوة إلى الله تبارك وتعالى شرفٌ عظيم، ومرتبةٌ كبرى، يرفعُ الله الداعية إليه درجاتٍ: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11].

والداعية إلى الله تعالى قائلٌ بأحسن قولٍ، وداعٍ بأفضل دعوة، وقائمٌ بخير عقيدة، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].

ولقد بشَّر الله الداعيةَ المخلص بالفلاح في الدنيا والآخرة، قال سبحانه: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].

والداعية إلى الله تعالى يُحصِّل من الأجور ما لا يُحصى، ومِن الخير ما لا يَفنَى، فقد روى مسلمٌ في (صحيحه) من حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن دعا إلى هُدًى كان له مِن الأجر مِثلُ أجور مَن تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا...))[1].

وفي الصحيحين من حديث سَهْل بن سَعْد الساعدي رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعليِّ بن أبي طالبٍ يوم خيبر: ((لأن يَهْدِيَ الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك مِن حُمْر النَّعَم))[2]، ولكنْ هناك عقباتٌ تعترض الشاب المسلم عندما يبدأ في طريق الاستقامة والالتزام، وأول هذه العقبات:
1 - عقبة السُّخْرية والاستهزاء:
من القريب والبعيد، والعدوِّ والصديق، والقرين والرفيق، لا سيما إن كان قبل استقامته يماشي أصدقاء السوء وأتراب الفسوق، فيقولون له: صرت شيخًا! أصبحت وليًّا! لن يدخل أحدٌ الجنة إلا أنت! وغيرها من ألفاظ السخرية، لكن لسان حال الشاب الملتزم يقول لهم: ﴿ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴾ [هود: 38].

ولهذه السخرية سببان؛ هما:
1 - أنهم يحسُدون هذا الشاب على ما أنعم الله عليه من نعمة الهداية، لكنَّ مولاك سبحانه يتولى الردَّ عليهم، فيقول: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 54]، وقدَّم الله الكتاب والحكمة؛ لأنهما أعظم من المُلك والمال.

2 - أنهم يشعرونَ بالنقص الذي يعتريهم إذا قُورِن بالاستقامة التي التزم بها الشاب المسلم، فيُثبِّطون من همته، ويُوهنون من عزيمته، لعله يرجعُ مثلهم، بل إنهم يشعرون بعرائهم مِن الفضائل، وخلوِّهم من المكارم، إذا رأَوا حُلة الإيمان وسربال التقوى يتلألأ على مُحيَّا هذا الشاب الملتزم، وقد صدقوا في هذا الشعور.
إذا المرء لم يلبس ثيابًا من التقى
تقلَّب عُريانًا وإن كان كاسيا

وخيرُ لباسِ المرء طاعةُ ربِّه
ولا خيرَ فيمَن كان للهِ عاصيا


لكنني أناديك أيها الشاب الملتزم، يا أمل الأمَّة، ويا ضياء الظلام، ويا هاديًا إلى سُنة خير الأنام:
قل لهم:
لقد ودَّعت المعاصي إلى غير رجعةٍ.
لقد تقيأت الجاهلية كلَّها.
لقد أسدلت الستار عن ماضٍ أليم، واستقبلت حياة سعيدة.
فكيف أستبدلُ الذي هو أدنى بالذي هو خير.

ثم صوِّر لهم حالك قائلًا:
عبدٌ سرى في ليلةٍ ظلماءِ
هربًا بتقواه مِن الفحشاءِ

هربًا مِن الفتن التي حاطَتْ به
مِن فتنة السرَّاءِ والضراءِ

عبدٌ فتًى في مستهلِّ شبابِه
عرَف الهدى وطريقَه بصفاءِ

قرأ القُرَانَ تفهمًا وتدبرًا
وكذا اهتدى بالسُّنةِ الغرَّاء

ورأى حياةَ الصالحين سعيدةً
بالخير في الإصباحِ والإمساءِ

ويقول: يا ربَّاه، عبدُك مؤمنٌ
أدعوك فاقبَلْني وضَعفَ دعائي


2 - عقبة الجدال بالباطل:
فلما رأَوْا منه تمسكًا بالحق، وثباتًا على الإيمان، انتقلوا معه إلى حيلة أخرى لعلها تُجْدي، أو تُثبِّط، أو تُوهِن، ألا وهي الجدال بالباطل، كما جُودل النبي صلى الله عليه وسلم من قَبلُ ﴿ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ﴾ [الفرقان: 7]، ويقولون: الإيمان في القلب وليس في المظهر، هل طبَّقت كل شيءٍ وما بقي إلا اللحية، وتقصير الثوب، وغضُّ البصر، والامتناع عن سماع الأغاني، وعدم أكل الربا، وترك الغِيبة والنَّميمة، وعدم مصافحة الأجنبية، والمحافظةُ على الصلاة في وقتها، وتطبيق السُّنة في الطعام والشراب؟! ما بقي إلا هذا؟!

قُل لهم: وماذا بقي من الدين إذًا؟!
سيقولون لك: لقد كنتَ بالأمس القريب تشربُ الدخان، وتسمع المسلسلات، وتعاكسُ الفتيات، وتترك الصلوات.

قل لهم: فعلتها إذًا وأنا من الضالين، ثم دَعْهم والجأ إلى ربِّك قائلًا:
يا ربِّ إن عظُمَت ذنوبي كثرةً
فلقد علمتُ بأن عفوَك أعظمُ

إن كان لا يَرْجُوك إلا مُحسنٌ
فمَنِ الذي يدعو ويرجو المجرمُ

ما لي إليك وسيلةٌ إلا الرجا
وجميلُ عفوِكَ، ثم أني مُسلِمُ


ولكن كيف ترد على هؤلاء المجادلين؟
إن أفضل ردٍّ على هؤلاء المجادلين هو الابتسامة المُشرِقة مع الصمت، فقد روى أبو داود عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيمٌ ببيت في رَبَضِ الجنة لمَن ترك المراءَ وإن كان مُحقًّا))[3]، وزعيم؛ أي: ضامن.


نعم، إن صمتَك عنه خيرٌ من مجادلته كما قيل:
إذا نطق السَّفيهُ فلا تُجِبْهُ
فخيرٌ مِن إجابتِه السُّكوتُ

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.55 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]