عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 01-11-2021, 05:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,886
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم

شرح نصيحة المعلمي لأهل العلم (3)


بوعلام محمد بجاوي









المسألة الثالثة: الفرق بين هذه الأمة والأمم قبلها:



قال المعلمي: وقد تواترت الأخبار أيضًا بأنه لا تزال طائفةٌ قائمةً على الحق.



وهذا ما تميَّزت وتتميز به هذه "الأمة المعصومة" عن باقي الأمم، فإنها وإن شاركت الأمم السابقة في الاختلاف، وخروج جماعات عن الهدي القرآني النبوي، فإن شمس "الحق" لا تغيب عنها، بل "الحق" فيها ظاهر، وتجد "أهل الأهواء" مِن "المتكلمين" و"المتصوفة أصحاب الطرق" فَرِحين بوجود ما يقوِّي ضلالهم - في ظنهم وأمانيهم - في الوحيين: "الكتاب" و"السنة"، بل تجدهم يُجهدون أنفسهم في الانتساب إلى "السنة"، ودفع التهمة عنهم بمخالفتهم لها، حتى إنه ليشتبهُ على عامة الناس مَن هو على "السنَّة" ومَن هو على "البدعة"! بكثرة الدعاوى مع الاختلاف والتباين بين المدَّعين؛ ولهذا كان أعظمُ المهم معرفةَ "السنة وأهلها" مِن "مدعيها"، وهذا هو المقصود من - والدافع إلى - اختيار "شرح نصيحة المعلمي"، وإني لأرجو مِن الله - بعد تيسير إتمام شرحها مع الجهد وشغل البال والاضطرار واضطراب الحال، وقلة المسعد والمعين وحسد التلميذ والقرين - أن يكونَ فيها عونٌ وضياءٌ لقارئها.








قال ابن تيمية أبو العباس أحمد بن عبدالحليم (ت: 728): لكن أعظم المهم في هذا الباب وغيره: تميـيز "السنة" من "البدعة"؛ إذ "السنَّة": ما أمر به الشرع، و"البدعة": ما لم يشرعه مِن الدين؛ فإن هذا البابَ كثُر فيه اضطراب الناس في الأصول والفروع، حيث يزعم كلُّ فريق أن طريقَه هو "السنَّة"، وطريق مخالفه هو "البدعة"، ثم إنه يحكُمُ على مخالفِه بحُكم "المبتدع"، فيقوم مِن ذلك مِن الشر ما لا يُحصيه إلا اللهُ؛ اهـ[14].







وسمعتُ أحد النصارى العرب يقول: إن مشكلة "المتنورين العرب" - كما يزعمون - التحايل والتخفي، وأن "الأوربيين" نجحوا؛ لأنهم أعلنوها صراحة "لا للنصرانية"، وهذه العبارة كما رَفعت وأظهرت "المتنورين الأوربيين" فإنها في بلاد الإسلام إعلان عن وفاة أو "انقراض" لأصحابها.







قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال أناس مِن أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون))؛ [خ / 3640، 7311، 7459، - م / 1921 من حديث المغيرة، وأخرجه مسلم (1920) من حديث ثوبان بلفظ: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم مَن خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك))[15]].







ولهذا كان مِن أصول الإسلام "الإجماع" بنوعيه: المعلوم لكل مسلم "الصريح" أو "علم العامة"، و"الاستقرائي" أو "السكوتي" الذي ينفرد بمعرفته العلماءُ بتتبع أقوال مَن سبَقهم مِن أهل العلم.







فخُصَّت هذه الأمةُ ببقاء الحق وظهوره في كل زمان بالقائلين المعلنين به، وهم العلماء الربانيون؛ حتى تبقى الحجةُ قائمةً على الناس إلى قيام الساعة، فليس بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي يجدِّد الدين، ولكن علماء ربانيون، فمِن ضرورة بقاء الحجة قائمةً على الناس بقاءُ العلماء الربانين.







قال ابن رجب عبدالرحمن بن أحمد بن رجب (ت: 795): لا ريبَ أن الله - تعالى - حفظ لهذه الأمة دينَها حفظًا لم يحفَظْ مِثلَه دِينًا غير دين هذه الأمة؛ وذلك أن هذه الأمة ليس بعدها نبي يجدد ما دثَر مِن دينها، كما كان دين من قبلنا من الأنبياء، كلما دَثَر دِينُ نبي جدَّده نبي آخر يأتي بعده، فتكفَّل الله - سبحانه - بحفظ هذا الدين، وأقام له في كل عصر حملةً ينفُون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطِلين، وتأويل الجاهلين؛ اهـ[16].







فلا زال العلماءُ في جميع مسائل الشريعة - وهي:



المسألة الرابعة: التعامل مع الاختلاف - على:



التخطئة مع عدم الإنكار: وذلك في "المسائل الاجتهادية".



التخطئة مع الإنكار والاعتذار: في "المسائل الأصول" إذا صدر مِن أهل العلم الثقاتِ؛ استصحابًا للغالب مِن أمرهم.



مراعاة دفع المفاسد في التعامل مع المخالف: فقد يكون القولُ مما ينكَر، لكن يترك الإنكار - ولا منافاة بين ترك الإنكار والبيان - دفعًا للمفسدة الأكبر مِن مفسدة القول المنكَر.







لا يُفرِّقون بين عقائدَ وأحكام وسلوك، وإنما العبرة عندهم بالاستسلام للشريعة؛ فحيث ظهر مرادُ الله وجب المصيرُ إليه، ولم يُعذَرْ أحد في تَقصُّد مخالفته.







ومعرفة "أحكام الاختلاف" مِن أهم الواجبات؛ لتعلقه بـ "الجماعات" و"الأمم"، لا بـ "الأفراد"، وبـ "الظلم" الذي حرَّمه الله على نفسه.







قال ابن تيميَّةَ أبو العباس أحمد بن عبدالحليم (ت: 728): فصل: فيما اختلف فيه المؤمنون مِن الأقوال والأفعال في الأصول والفروع.







فإن هذا مِن "أعظم أصول الإسلام"، الذي هو: معرفة الجماعة، وحكم الفرقة، والتقاتل، والتكفير، والتلاعن، والتباغض، وغير ذلك؛ اهـ[17].



وسبق بيانُ بعض أحكامه في: "قاعدة قرآنية: عليك ما حُمِّلت، وعلى غيرك ما حُمِّل[18]".







المسألة الخامسة: ليس كل خلاف ثابتًا.



سبَق أن مِن مسائل الأصول "مسائل الإجماع"، وعليه لا يحل مخالفتها، بخلاف "المسائل الخلافية الاجتهادية" بشرط التقيُّد بـ "الأقوال المأثورة"، أما "الأقوال المحدَثة"، فلا يجوز المصير إليها تقليدًا أو اجتهادًا.







فالخلاف مِن باب النقل، والنقل إنما يصحُّ باجتماع شروط الصحة، الوجودية: الاتصال وثقة الرواة، والعدمية: انتفاء الشذوذ - التفرد القادح - العلة (المخالفة).







واشتراط "صحة النقل" لاعتبار الخلاف مضمَّن في كلامٍ لـ "المعلمي" في سياق بيان خطر طعن "الكوثري محمد زاهد بن الحسن بن علي (ت: 1371)" في أئمة الجرح والتعديل، ومِن هذا الخطر تصيير "مسائل الإجماع" التي هي من جملة "مسائل الأصول" خلافية يجوز مخالفتها، فيكون سببًا في "إفساد الدِّين بإدخال الباطل فيه[19]".







قال: المقصود الأهمُّ مِن كتابي هذا هو: ردُّ المطاعن الباطلة عن أئمة السنة وثقات رواتها، والذي اضطرني إلى ذلك أن "السنة النبوية" وما تفتقر إليه من معرفة أحوال رواتها، ومعرفة العربية وآثار الصحابة والتابعين في التفسير، وبيان معاني السنة والأحكام وغيرها، والفقه نفسه - إنما مدارها على النقلِ على أولئك الذين طعن فيهم الأستاذ، وأضرَّ بهم؛ فالطعن فيهم يؤول إلى الطعن في النقل كله، بل في الدين مِن أصلِه.







وحسبُك أن المقررَ عند أهل العلم أنه إذا نقل عن جماعة من الصحابة القول بتحريم شيء ولم ينقل عن أحد منهم أو ممن عاصرهم من علماء التابعين قول بـ "الحل"، عد ذاك الشيء مجمعًا على حُرمته، لا يسوغ لمجتهد أن يذهب إلى حِلِّه، فإن ذهب إلى حِلِّه غافلًا عن "الإجماع" كان قوله مردودًا، أو عالِمًا بـ "الإجماع" فمِن أهل العلم مَن يضلِّله، ومنهم مَن قد يكفره.








لكنه لو "ثبَت" عن رجل واحد مِن الصحابة قول بـ "حلِّ" ذلك الشيء، كانت المسألة خلافيةً، لا يُحظَر على المجتهد أن يقولَ فيها بقول ذلك الصحابي، أو بقول مفصَّل يوافق هذا في شيء، وذاك في شيء، ولا يحرم على المقلد الذي مذهب إمامه "الحرمة" أن يأخذ بـ "الحِلِّ" إما على سبيل:



الترجيح والاختيار إن كان أهلًا.



وإما على سبيل التقليد المحضِ إن احتاج إليه.








و"ثبوت" ذاك القول عن ذاك الصحابي يتوقَّف على ثقة رجال السند إليه، والعلم بثقتهم يتوقَّف على توثيق بعض "أئمة الجرح والتعديل" لكل منهم، والاعتداد بتوثيق الموثِّق يتوقف على العلم بثقته في نفسه وأهليته [ألا يكون مجروحًا؛ كالـ: الواقدي، فلا يُقبَل التعديل والتجريح مِن مجروح]، ثم على صحة سند التوثيق إليه [ثبوت القول عنه؛ فليس كل تجريح أو تعديل تصحُّ نسبته إلى مَن نُسب إليه]، وثقته في نفسه تتوقَّف على أن يوثِّقَه ثقةٌ عارف، وصحة سنَد التوثيق تتوقف على توثيق بعض أهل المعرفة والثقة لرجاله، وهلم جرًّا.








والسعي في توثيق رجل واحد مِن أولئك بغير حق أو الطعن فيه بغير حقٍّ: سعيٌ في إفساد الدِّين بإدخال الباطل فيه، أو إخراج الحق منه، فإن كان ذاك الرجلُ واسعَ الرواية، أو كثير البيان لأحوال الرواة، أو جامعًا للأمرين كان الأمرُ أشدَّ جدًّا، كما يعلم بالتدبر، ولولا أن أُنسَبَ إلى التهويل لشرحتُ ذلك، فما بالُك إذا كان الطعنُ بغير حق في عدد كثير من الأئمة والرواة، يترتب على الطعن فيهم - زيادةً على محاولة إسقاط رواياتهم - محاولةُ توثيق جمٍّ غفيرٍ ممن جرحوه، وجرح جم غفير ممن وثقوه؟!؛ اهـ[20].







وعليه، فإن مِن "مسائل الإجماع" ما هو معدود عند المتأخرين في "مسائل الخلاف"، ومن "القول المحدَث" ما هو عندهم مِن "القول المأثور"، وبالنظر في الرأي المخالف نجده:



1 / لا يثبت عن قائله.



2 / يثبُتُ لكنه على غيرِ ما فُهِم منه، وأن صاحبَه موافق لغيره مِن أهل العلم.



وهذا يقع فيه الظاهرية ومَن تبِعهم مِن مدَّعي الاجتهاد المطلق، مع أن "الإجماع الاستقرائي" أو "السكوتي" ليس مِن جملة أصولهم.



احتجَّ ابن رجب (عبدالرحمن بن أحمد، ت: 795) بهذا على وجوبِ التقيُّد بالمذاهب الأربعة في الترجيح، وعدم الخروج عنها.







قال: فكذلك "مسائل الأحكام: الحلال والحرام"، لو لم تُضبَطِ الناسُ فيها بأقوال معدودين، لأدى ذلك إلى فساد الدين، وأن يعُدَّ كلُّ أحمق متكلِّف طالب للرياسة نفسَه مِن زمرة المجتهدين، وأن يبتدع مقالة ينسبها إلى بعض مَن سلف مِن المتقدمين، فربما كان بتحريف يحرفه عليهم، كما وقع ذلك كثيرًا مِن بعض الظاهريـين؛ اهـ[21].







وقد يستنكر هذا القول ابتداءً، لكن إذا نظرنا إلى:



مفاسد فتح باب الترجيح دون تقيُّد بأقوال المذاهب الأربعة: وهو ما نعيشه اليوم مِن فوضى علمية، وأهلُ الأهواء مِن هذا الباب دخلوا، وَسْوَسُوا في صدور الناس بأقوال مهجورة مطروحة ولم يخنسوا، فهم أكثر مَن يَدْعون إلى توسيع الاجتهاد ليشمل جميع الأقوال والآراء بما فيها "الشيعة الرافضة".







ندرة الصواب - إن وجد - فيما ليس عند المذاهب الأربعة: فكم يخطئ مَن يفتح الباب واسعًا على نفسه مع نقص العلم، فأين العالم المتأخِّر مِن العالم المتقدِّم، والعالم اللاحق مِن العالم السابق؟!







ثم إن "المقلد" يكفيه "التقليد" إذا كانت نيـتُه طلبَ الحق، ما لم يكن القول "خطأ وزلة" - كما يكفي "المجتهد" إرادة طلب الحق مع بذل الجهد ولا يلزمه إصابته - وهذا مما لا نعلَمه وقع للأئمة الأربعة مجموعين، فلا معنى لصرف الناس في "المسائل المحتملة" إلا التشويش عليهم.







قال المعلمي عبدالرحمن بن يحيى (ت: 1386): المطالب على ثلاثة أضرُبٍ:



الأول: العقائد التي يطلب الجزم بها، ولا يسَعُ جهلها.



الثاني: بقية العقائد.



الثالث: الأحكام.








وأما الضربُ الثالث:



فالمتواتر منه والمجمَع عليه: لا يختلف حكمُه.



وما عداه قضايا اجتهادية: يكفي فيها بذلُ الوسع لتعرف الراجح أو الأرجح أو الأحوط فيؤخذ به؛ اهـ[22].



و"المسألة" - ثبوت الخلاف، وعدم الاكتفاء بالرواية والنقل - تحتاج إلى توسُّعٍ، وكتبتُ فيه ما شاء الله أن أكتُبَ في "حجية إجماع المحدِّثين".







وهذا الأقوال - غير الثابتة، أو المحمولة على غير مراد صاحبها - مما وسَّع الخلاف، وهي:



المسألة السادسة: غلبة الإجماع على الخلاف.



يتبع بتيسير الله وتوفيقه...







[1] تقريب الوصول إلى علم الأصول ص: 168 - 171 - ط: الجزائر.




[2] قال ابن جزي: الباب العاشر: في أسباب الاختلاف بين المجتهدين: وهي ستة عشر بالاستقراء، على أن هذا الباب انفردنا بذِكْره لعظم فائدته، ولم يذكره أهل الأصول في كتبهم؛ اهـ ص: 168.




[3]الموافقات 132 - 137.




[4]إكمال المعلم بفوائد مسلم 8 / 459.




[5]فتح الباري 1 / 542.




[6] ينظر: موافقة الخبر الخبر في تخريج أحاديث المختصر 1 / 105 - 115.




[7] شرح ابن بطال على البخاري 2 / 98 - 99.




[8]شرح ابن بطال على البخاري 5 / 27.




[9]شرح ابن بطال على البخاري 5 / 27.




[10]فتح الباري 3 / 310.




[11]فتح الباري 3 / 310 - 311.




[12]الاستقامة 1 / 37.




[13]الاستقامة 1 / 36.




[14] الاستقامة 1 / 13.




[15] وهو مروي عن غيرهما من الصحابة، ينظر: جامع الأصول.




[16] الرد على مَن اتبع غير المذاهب الأربعة 2 / 619 - مجموع رسائل.




[17]الاستقامة 1 / 25.




[18]منشور على موقع الألوكة: ولي عليه زيادات، وكتبت فيه: "المسائل الاجتهادية والمسائل الأصول" بخلت به على المواقع الإلكترونية.




[19]عبارة المعلمي.




[20] التنكيل 1 / 4 - 5.




[21] الرد على مَن اتبع غير المذاهب الأربعة 2 / 625 - مجموع.




[22]التنكيل 2 / 186 - القائد إلى تصحيح العقائد.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.96%)]