
25-11-2021, 02:21 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب قسم الصدقات
الحلقة (68)
صــــــــــ 91 الى صـــــــــــ95
الصدقات ما فرض الله عز وجل على المسلمين فهي طهور ( قال الشافعي ) :
وقسم الفيء خلاف قسم هذا والفيء ما أخذ من مشرك هو به لأهل دين الله هو موضوع في غير هذا الموضع ( قال ) : يقسم ما أخذ من حق مسلم وجب في ماله بقسم الله في الصدقات سواء قليل ما أخذ منه وكثيره ، وعشر ما كان ، أو خمس ، أو ربع عشر ، أو بعدد مختلف أن يستوي ; لأن اسم الصدقة يجمعه كله قال الله تبارك وتعالى : {إنما الصدقات للفقراء والمساكين } الآية فبين الله عز وجل لمن الصدقات ثم وكدها وشددها فقال { فريضة من الله والله عليم حكيم } فقسم كل ما أخذ من مسلم على قسم الله عز وجل وهي سهمان ثمانية لا يصرف منها سهم ولا شيء منه عن أهله ما كان من أهله أحد يستحقه ولا تخرج صدقة قوم منهم عن بلدهم وفي بلدهم من يستحقها ، أخبرنا وكيع عن زكريا بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل حين بعثه ، فإن أجابوك فأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم } أخبرنا يحيى بن حسان الثقة من أصحابنا عن الليث بن سعد عن سعيد المقبري عن شريك بن أبي نمر عن أنس بن مالك { أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : نشدتك الله آلله أمرك أن تأخذ الصدقة من أغنيائنا فتردها على فقرائنا ؟ قال : نعم } ( قال الشافعي ) : والفقراء ها هنا كل من لزمه اسم حاجة ممن سمى الله تعالى من الأصناف الثمانية ، وذلك أن كلهم إنما يعطى بموضع الحاجة إلا بالاسم فلو أن ابن السبيل كان غنيا لم يعط ، وإنما يعطى ابن السبيل [ ص: 91 ] المحتاج إلى السلاح في وقته الذي يعطى فيه ، فإن لم يوجد من أهل الصدقات الذين يوجد منهم أحد من أهل السهمان الذين سمى الله عز وجل ردت حصة من لم يوجد على من وجد ، كأن وجد فيهم فقراء ومساكين وغارمون ولم يوجد غيرهم ، فقسم الثمانية الأسهم على ثلاثة أسهم وبيان هذا في أسفل الكتاب فأهل السهمان يجمعهم أنهم أهل حاجة إلى مالهم منها كلهم وأسباب حاجاتهم مختلفة ، وكذلك أسباب استحقاقهم بمعان مختلفة يجمعها الحاجة ويفرق بينها صفاتها ، فإذا اجتمعوا فالفقراء الزمنى الضعفاء الذين لا حرفة لهم وأهل الحرفة الضعيفة الذين لا تقع حرفتهم موقعا من حاجتهم ولا يسألون الناس والمساكين السؤال ومن لا يسأل ممن له حرفة تقع منه موقعا ولا تغنيه ولا عياله ، فإن طلب الصدقة بالمسكنة رجل جلد فعلم الوالي أنه صحيح مكتسب يغني عياله بشيء إن كان له وبكسبه إذ لا عيال له فعلم الوالي أنه يغني نفسه بكسبه غنى معروفا لم يعطه شيئا ، فإن قال السائل لها يعني الصدقة الجلد لست مكتسبا ، أو أنا مكتسب لا يغنيني كسبي ، أو لا يغني عيالي ولي عيال وليس عند الوالي يقين من أن ما قال على غير ما قال ، فالقول قوله ويعطيه الوالي ، أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه عن { عبد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين أخبراه أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه من الصدقة فصعد فيهما وصوب وقال : إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لذي قوة مكتسب } ( قال الشافعي ) : رأى النبي صلى الله عليه وسلم جلدا وصحة يشبه الاكتساب وأعلمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يصلح لهما مع الاكتساب الذي يستغنيان به أن يأخذا منها ولا يعلم أمكتسبان أم لا ؟ فقال : إن شئتما بعد أن أعلمتكما أن لا حظ فيها لغني ولا مكتسب فعلت ، وذلك أنهما يقولان : أعطنا ، فإنا ذوا حظ ; لأنا لسنا غنيين ولا مكتسبين كسبا يغني ، أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ريحان بن يزيد قال : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : " لا تصلح الصدقة لغني ولا لذي مرة قوي " .
( قال الشافعي ) :
ورفع هذا الحديث عن سعد عن أبيه . والعاملون عليها من ولاه الوالي قبضها وقسمها من أهلها كان ، أو غيرهم ممن أعان الوالي على جمعها وقبضها من العرفاء ومن لا غنى للوالي عنه ولا يصلحها إلا مكانه ، فأما رب الماشية يسوقها فليس من العاملين عليها ، وذلك يلزم رب الماشية ، وكذلك من أعان الوالي عليها ممن بالوالي الغنى عن معونته فليس من العاملين عليها الذين لهم فيها حق ، والخليفة ووالي الإقليم العظيم الذي يلي قبض الصدقة ، وإن كانا من العاملين عليها القائمين بالأمر بأخذها فليسا عندنا ممن له فيها حق من قبل أنهما لا يليان أخذها ، أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم أن عمر شرب لبنا فأعجبه فقال للذي سقاه : " من أين لك هذا اللبن ؟ " فأخبره أنه ورد على ماء قد سماه ، فإذا بنعم من نعم الصدقة وهم يستقون فحلبوا لي من لبنها فجعلته في سقائي فهو هذا ، فأدخل عمر إصبعه فاستقاءه أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة غاز في سبيل الله والعامل عليه ، أو الغارم ، أو الرجل اشتراها بماله ، أو الرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى [ ص: 92 ] المسكين للغني } .
( قال الشافعي ) :
والعامل عليها يأخذ من الصدقة بقدر غنائه لا يزاد عليه ، وإن كان العامل موسرا إنما يأخذ على معنى الإجارة ، والمؤلفة قلوبهم في متقدم من الأخبار فضربان ضرب مسلمون مطاعون أشراف يجاهدون مع المسلمين فيقوى المسلمون بهم ولا يرون من نياتهم ما يرون من نيات غيرهم ، فإذا كانوا هكذا فجاهدوا المشركين فأرى أن يعطوا من سهم النبي صلى الله عليه وسلم هو خمس الخمس ما يتألفون به سوى سهمانهم مع المسلمين إن كانت نازلة في المسلمين ، وذلك أن الله عز وجل جعل هذا السهم خالصا لنبيه فرده النبي صلى الله عليه وسلم في مصلحة المسلمين وقال : صلى الله عليه وسلم { مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم } يعني بالخمس حقه من الخمس وقوله مردود فيكم يعني في مصلحتكم وأخبرني من لا أتهم عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم يوم حنين من الخمس } .
( قال الشافعي ) :
وهم مثل عيينة والأقرع وأصحابهما ولم يعط النبي صلى الله عليه وسلم عباد بن مرداس وكان شريفا عظيم الغناء حتى استعتب فأعطاه .
( قال الشافعي ) : لما أراد ما أراد القوم واحتمل أن يكون دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء حين رغب عما صنع بالمهاجرين والأنصار فأعطاه على معنى ما أعطاهم واحتمل أن يكون رأى أن يعطيه من ماله حيث رأى ; لأنه له خالص ويحتمل أن يعطي على النفل وغير النفل ; لأنه له وقد أعطى صفوان بن أمية قبل أن يسلم ولكنه قد أعار رسول الله صلى الله عليه وسلم أداة وسلاحا وقال فيه عند الهزيمة أحسن مما قال فيه بعض من أسلم من أهل مكة عام الفتح ، وذلك أن الهزيمة كانت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين في أول النهار فقال له رجل : " غلبت هوازن وقتل محمد " فقال " صفوان بفيك الحجر فوالله لرب من قريش أحب إلي من رب هوازن " وأسلم قومه من قريش وكان كأنه لا يشك في إسلامه والله أعلم " ، وهذا مثبت في كتاب قسم الفيء " ، فإذا كان مثل هذا رأيت أن يعطى من سهم النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أحب إلي للاقتداء بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
لو قال قائل : كان هذا السهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان له أن يضع سهمه حيث رأى ، فقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا مرة وأعطى من سهمه بخيبر رجالا من المهاجرين والأنصار ; لأنه ماله يضعه حيث شاء فلا يعطى اليوم أحد على هذا من الغنيمة ولم يبلغنا أن أحدا من خلفائه أعطى أحدا بعده وليس للمؤلفة في قسم الغنيمة سهم مع أهل السهمان ، لو قال هذا أحد ، كان مذهبا والله أعلم ، وللمؤلفة قلوبهم في سهم الصدقات سهم ، والذي أحفظ فيه من متقدم الخبر أن عدي بن حاتم جاء أبا بكر الصديق - أحسبه - بثلثمائة من الإبل من صدقات قومه فأعطاه أبو بكر منها ثلاثين بعيرا وأمره أن يلحق بخالد بن الوليد بمن أطاعه من قومه فجاءه بزهاء ألف رجل وأبلى بلاء حسنا وليس في الخبر في إعطائه إياها من أين أعطاه إياها غير أن الذي يكاد أن يعرف القلب بالاستدلال بالأخبار والله أعلم أنه أعطاه إياها من قسم [ ص: 93 ] المؤلفة فإما زاده ليرغبه فيما يصنع ، وإما أعطاه ليتألف به غيره من قومه ممن لا يثق منه بمثل ما يثق من عدي بن حاتم فأرى أن يعطى من سهم المؤلفة قلوبهم في مثل هذا المعنى إن نزلت بالمسلمين نازلة مما ينزل إن شاء الله تعالى ، وذلك أن يكون فيها العدو بموضع شاط لا تناله الجيوش إلا بمؤنة ويكون العدو بإزاء قوم من أهل الصدقات فأعان عليهم أهل الصدقات إما بنية فأرى أن يقوى بسهم سبيل الله من الصدقات ، وأما أن يكون لا يقاتلون إلا بأن يعطوا سهم المؤلفة ، أو ما يكفيهم منه ، وكذلك إن كان العرب أشرافا ممتنعين غير ذي نية إن أعطوا من صدقاتهم هذين السهمين ، أو أحدهما إذا كانوا إن أعطوا أعانوا على المشركين فيما أعانوا على الصدقة ، وإن لم يعطوا لم يوثق بمعونتهم رأيت أن يعطوا بهذا المعنى إذا انتاط العدو وكانوا أقوى عليه من قوم من أهل الفيء يوجهون إليه تبعد دارهم وتثقل مؤنتهم ويضعفون عنه ، فإن لم يكن مثل ما وصفت مما كان في زمان أبي بكر مع امتناع أكثر العرب بالصدقة على الردة وغيرها لم أر أن يعطى أحد منهم من سهم المؤلفة قلوبهم ، ورأيت أن يرد سهمهم على السهمان معه ، وذلك أنه لم يبلغني أن عمر ولا عثمان ولا عليا أعطوا أحدا تألفا على الإسلام وقد أعز الله - وله الحمد - الإسلام عن أن يتألف الرجال عليه ، وقوله وفي الرقاب يعني المكاتبين والله أعلم ، ولا يشترى عبد فيعتق .
والغارمون كل من عليه دين كان له عرض يحتمل دينه ، أو لا يحتمله ، وإنما يعطى الغارمون إذا ادانوا في حمل دية ، أو أصابتهم جائحة ، أو كان دينهم في غير فسق ولا سرف ولا معصية ، فأما من ادان في معصية فلا أرى أن يعطى من سهم سبيل الله كما وصفت يعطى منه من أراد الغزو ، فلو امتنع قوم كما وصفت من أداء الصدقة فأعان عليهم قوم رأيت أن يعطى من أعان عليهم ، فإن لم يكن مما وصفت شيء ، رد سهم سبيل الله إلى السهمان معه ، وابن السبيل عندي ، ابن السبيل من أهل الصدقة الذي يريد البلد غير بلده ، لا من لزمه .
كيف تفريق قسم الصدقات ( قال الشافعي ) :
رحمه الله تعالى : ينبغي للساعي على الصدقات أن يأمر بإحصاء أهل السهمان في عمله فيكون فراغه من قبض الصدقات بعد تناهي أسمائهم وأنسابهم وحالاتهم وما يحتاجون إليه ، ويحصي ما صار في يديه من الصدقات فيعزل من سهم العاملين بقدر ما يستحق بعمله ثم يقضي جميع ما بقي من السهمان كله عندهم كما أصف إن شاء الله تعالى ، إذا كان الفقراء عشرة ، والمساكين عشرين ، والغارمون خمسة . وهؤلاء ثلاثة أصناف من أهل الصدقة ، وكان سهمانهم الثلاثة من [ ص: 94 ] جميع المال ثلاثة آلاف ، فإن كان الفقراء يغترقون سهمهم هو ألف ، هو ثلث المال ، فيكون سهمهم كفافا يخرجون به من حد الفقر إلى حد الغنى أعطوه كله ، وإن كان يخرجهم من حد الفقر إلى حد الغنى ثلاثة ، أو أربعة ، أو أقل ، أو أكثر ، أعطوا منه ما يخرجهم من اسم الفقر ، ويصيرون به إلى اسم الغنى ويقف الوالي ما بقي منه ، ثم يقسم على المساكين سهمهم ، هو ألف هكذا ، وعلى الغارمين سهمهم هو ألف هكذا ، فإن قال قائل : كيف قلت لكل أهل صنف موجود سهمهم ثم استغنوا ببعض السهم ، فلم لا يسلم إليهم بقيته ؟ .
( قال الشافعي ) :
قلته بأن الله تبارك وتعالى سماه لهم مع غيرهم بمعنى من المعاني ، هو الفقر والمسكنة والغرم ، فإذا خرجوا من الفقر والمسكنة فصاروا إلى الغنى ومن الغرم ، فبرئت ذمتهم وصاروا غير غارمين ، فلا يكونون من أهله ; لأنهم ليسوا ممن يلزمه اسم من قسم الله عز وجل له بهذا الاسم ومعناه ، وهم خارجون من تلك الحال ممن قسم الله له ، ألا ترى أن أهل الصدقة الأغنياء لو سألوا بالفقر والمسكنة في الابتداء أن يعطوا منها لم يعطوا ، وقيل لستم ممن قسم الله له ، وكذلك لو سألوا بالغرم وليسوا غارمين ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تحل الصدقة لغني } إلا من استثنى ، فإذا أعطيت الفقراء والمساكين فصاروا أغنياء فهم ممن لا تحل لهم ، وإذا لم تحل لهم كنت لو أعطيتهم أعطيتهم ما لا يحل لهم ولا لي أن أعطيهم ، وإنما شرط الله عز وجل إعطاء أهل الفقر والمسكنة وليسوا منهم .
( قال ) : ويأخذ العاملون عليها بقدر أجورهم في مثل كفايتهم وقيامهم وأمانتهم والمؤنة عليهم ، فيأخذ الساعي نفسه لنفسه بهذا المعنى ، ويعطى العريف ومن يجمع الناس عليه بقدر كفايته وكلفته ، وذلك خفيف ; لأنه في بلاده ، ويعطى ابن السبيل منهم قدر ما يبلغه البلد الذي يريد في نفقته وحمولته إن كان البلد بعيدا وكان ضعيفا ، وإن كان البلد قريبا وكان جلدا الأغلب من مثله وكان غنيا بالمشي إليها أعطي مؤنته في نفقته بلا حمولة ، فإن كان يريد أن يذهب ويأتي أعطي ما يكفيه في ذهابه ورجوعه من النفقة ، فإن كان ذلك يأتي على السهم كله أعطيه كله إن لم يكن معه ابن سبيل غيره ، وإن كان يأتي على سهم من مائة سهم من سهم ابن السبيل لم يزد عليه .
فإن قال قائل : لم أعطيت الفقراء والمساكين والغارمين حتى خرجوا من اسم الفقر والمسكنة والغرم ولم تعط العاملين وابن السبيل حتى يسقط عنهم الاسم الذي له أعطيتهم ويزول ؟ فليس للاسم أعطيتهم ولكن للمعنى ، وكان المعنى إذا زال زال الاسم ونسمي العاملين بمعنى الكفاية ، وكذلك ابن السبيل بمعنى البلاغ ، لو أني أعطيت العامل وابن السبيل جميع السهمان وأمثالها لم يسقط عن العامل اسم العامل ما لم يعزل ، ولم يسقط عن ابن السبيل اسم ابن السبيل ما دام مجتازا ، أو كان يريد الاجتياز فأعطيتهما ، والفقراء والمساكين والغارمين بمعنى واحد ، غير مختلف ، وإن اختلفت أسماؤه كما اختلفت أسماؤهم والعامل إنما هو مدخل عليهم صار له حق معهم بمعنى كفاية وصلاح للمأخوذ منه والمأخوذ له ، فأعطي أجر مثله وبهذا في العامل مضت الآثار وعليه من أدركت ممن سمعت منه ببلدنا ، ومعنى ابن السبيل في أن يعطى ما يبلغه ، إن كان عاجزا عن سفره إلا بالمعونة عليه بمعنى العامل في بعض أمره ويعطى المكاتب ما بينه وبين أن يعتق قل ذلك ، أو كثر ، حتى يغترق السهم ، فإن دفع إليه ، فالظاهر - عندنا - على أنه حريص على أن لا يعجز ، وإن دفع إلى مالكه كان أحب إلي وأقرب من الاحتياط .
[ ص: 95 ] رد الفضل على أهل السهمان ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى إذا لم تكن مؤلفة ولا قوم من أهل الصدقة يريدون الجهاد فليس فيهم أهل سهم سبيل الله ولا سهم مؤلفة ، عزلت سهامهم ، وكذلك إن لم يكن ابن سبيل ولم يكن غارم ، وكذلك إن غابوا فأعطوا ما يبلغهم ويفضل عنهم ، أو عن أحد من أهل السهمان معهم شيء من المال عزل أيضا ما يفضل عن كلهم ثم أحصي ما بقي من أهل السهمان الذين لم يعطوا ، أو أعطوا فلم يستغنوا فابتدئ قسم هذا المال عليهم كما ابتدئ قسم الصدقات فجزئ على من بقي من أهل السهمان ، سواء كان بقي فقراء ومساكين لم يستغنوا ، وغارمون لم تقض كل ديونهم ولم يبق معهم من أهل السهمان الثمانية أحد غيرهم ، فيقسم جميع ما بقي من المال بينهم على ثلاثة أسهم ، فإن استغنى الغارمون بسهمهم ، هو ثلث جميع المال أعيد فضل سهمهم على الفقراء والمساكين فيقسم على أهل هذين القسمين حتى ينفد ، فإن قسم بينهم فاستغنى الفقراء ببعضه رد ما بقي على المساكين حتى يستغنوا ، فإن قال : كيف رددت ما يفضل من السهمان عن حاجة أهل الحاجة منهم ومنهم من لم يكن له سهم من أهل السهمان مثل المؤلفة وغيرهم إذا لم يكونوا على أهل السهمان معهم وأنت إذا اجتمعوا جعلت لأهل كل صنف منهم سهما ؟ .
( قال الشافعي ) :
فإذا اجتمعوا كانوا شرعا في الحاجة وكل واحد منهم يطلب ما جعل الله له وهم ثمانية ، فلا يكون لي منع واحد منهم ما جعل الله له ، وذكر الله تبارك وتعالى لهم واحد لم يخصص أحدا منهم دون أحد فأقسم بينهم معا كما ذكرهم الله عز وجل معا ، وإنما منعني أن أعطي كل صنف منهم سهمه تاما ، وإن كان يغنيه أقل منه أن بينا والله تعالى أعلم أن في حكم الله عز وجل أنهم إنما يعطون بمعان سماها الله تعالى .
فإذا ذهبت تلك المعاني وصار الفقير والمسكين غنيا والغارم غير غارم فليسوا ممن قسم له ، لو أعطيتهم كنت أعطيت من لم أؤمر به ، لو جاز أن يعطوا بعد أن يصيروا إلى حد الغنى والخروج من الغرم جاز أن يعطاها أهل دارهم ويسهم للأغنياء فأحيلت عمن جعلت له إلى من لم تجعل له ، وليس لأحد إحالتها عما جعلها الله تعالى له ولا إعطاؤها من لم يجعلها الله لها ، وإنما ردي ما فضل عن بعض أهل السهمان على من بقي ممن لم يستغن من أهل السهمان بأن الله تبارك وتعالى أوجب على أهل الغنى في أموالهم شيئا يؤخذ منهم لقوم بمعان ، فإذا ذهب بعض من سمى الله عز وجل له ، أو استغنى ، فهذا مال لا مالك له من الآدميين بعينه يرد إليه كما يرد عطايا الآدميين ووصاياهم لو أوصى رجل لرجل فمات الموصى له قبل الموصي كانت الوصية راجعة إلى وارث الموصي ، فلما كان هذا المال مخالفا للمال يورث ها هنا لم يكن أحد أولى عندنا به في قسم الله عز وجل ، وأقرب ممن سمى الله تبارك وتعالى له هذا المال وهؤلاء من جملة من سمى الله تبارك وتعالى له هذا المال ولم يبق مسلم يحتاج إلا وله حق سواه ، أما أهل الفيء فلا يدخلون على أهل الصدقة .
وأما أهل صدقة أخرى فهو مقسوم لهم صدقتهم ، لو كثرت لم يدخل عليهم غيرهم وواحد منهم يستحقها [ ص: 96 ] فكما كانوا لا يدخلون عليهم غيرهم فكذلك لا يدخلون على غيرهم ما كان من غيرهم من يستحق منها شيئا ، لو استغنى أهل عمل ببعض ما قسم لهم ففضل عنهم فضل لرأيت أن ينقل الفضل عنهم إلى أقرب الناس بهم نسبا ودارا .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|